هل حان الوقت للتحول من الدعم العيني إلى النقدي؟
الدعم النقدي والدعم العيني.. أيهما أفضل وأيهما يحقق العدالة الاجتماعية؟.. أسئلة قديمة حديثة، تثور تارة وتهدأ أخرى دون تغيّر يذكر.
"كلمات يراد بها خير ومحتواها باطل"، هكذا وصف على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية الجديد، الحديث عن التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى.
وأضاف المصيلحي، فى تصريحات للمحررين البرلمانيين عقب موافقة المجلس على توليه منصب وزير التموين: "إن لم يتم ضبط حركة المواد فلن نتمكن من ضبط حركة النقود فى الدعم".
وتابع المصيلحى: "أعد أن تكون وزارة التموين وزارة المواطن، وأن يكون هدفها الأول المواطن، بناء على القدرات والإمكانيات المتاحة، لا بد من قراءة الواقع ومعرفة ما يحدث وما يجب أن يكون، وهناك فجوة حقيقية بين ما تريده وزارة التموين من توصيل الدعم لمستحقيه من المواطنين، وما يحدث على أرض الواقع، وسيتم مراجعة البطاقات وبقالى التموين والمخابز والغرف التجارية والمطاحن".
ما هو الدعم؟
يعرف الدعم الحكومي بشكل عام بأنه مساعدات مادية تقدّم من الحكومة لتخفيض أسعار السلع إما لصالح صناعة وإما لصالح المواطن، ويعتبر في مجتمعات عديدة من التابوهات، ويهدد غيابها أو تقليصها الشارع بالاشتعال، ومن أهم السلع المدعومة الدقيق والسكر والحليب والسكن والكهرباء والوقود.
أهداف الدعم
يهدف الدعم الحكومي إلى توفير السلع الاستهلاكية الأساسية بأسعار في متناول الفئات الاجتماعية الأقل دخلا، وكذلك التصدي لخلل آني في قطاع إنتاجي تعرض لهزة فجائية، فحين ترتفع أسعار المواد الأولية لقطاعٍ إنتاجي حيوي تتدخل الدولة لتثبيت الأسعار وإبقائها في متناول المستهلك والمنتج على حد سواء.
الدعم في مصر هو إحدى الوسائل التي تلجأ لها الحكومة للتخفيف عن كاهل محدودى الدخل وتقليل إحساسهم بالفقر بتأمين الحد الأدنى اللازم لمستوى معيشتهم، وذلك لضمان الحد الأدنى من مستويات التغذية الصحية اللازمة للصحة.
آليات الدعم
تقوم الدولة بتسديد الفارق بين السعر الحقيقي للمنتج أو الخدمة والسعر الذي يُحدد له باعتبار مستويات الدخل الدنيا، ويُسمى هذا النوع من الدعم بالدعم المباشر، كما توجد أنواع أخرى من الدعم تقوم على دعم القطاع الإنتاجي من خلال استثمارات ميسرة من قبل الدولة تُمكنه من الانتعاش، وكذلك رفع الضرائب.
أشكال الدعم
يأخذ الدعم في مصر عدة أشكال أبرزها الدعم المباشر وغير المباشر ودعم الهيئات الاقتصادية، والمباشر أما موجه لحماية المستهلك أو المنتج، من خلال السلع الأساسية ويشمل دعم السلع التموينية ورغيف الخبز، ودعم الأدوية الأساسية والتأمين الصحى على طلاب المدارس والجامعات، دعم الصادرات السلعية وكذا الدعم الموجه لفرق فوائد القروض الميسرة للإسكان الشعبى والمشروعات الصغيرة ونقل الركاب.
أما الدعم غير المباشر فهو الفرق بين تكلفة الإنتاج وثمن البيع، ويشمل جميع المنتجات البترولية "بنزين وكيروسين وسولار ومازوت وغاز طبيعى" والكهرباء ومياه الشرب.
ومما سبق يتضح أن أغلب أشكال الدعم في مصر تعتمد على الدعم العيني وهو دعم السلع، وهو ما تسعى الحكومة لاستبداله بالدعم النقدي، وذلك لعدة عيوب أبرزها:
عيوب الدعم العيني
في ظل المنظومة القائمة تعد أبرز عيوب الدعم العيني هي عدم وصول الدعم لمستحقيه، حيث يحصل عليه المستحق وغير المستحق، كما أن دعم الغذاء لا يعود بالضرورة يعود على الفقراء، كذلك الحصص التموينية لتغطية احتياجات الأسر والأفراد غير كافية، لأن الدولة ترى أنها مسئولة فقط عن توصيل الحد الأدنى من الغذاء، كما أن عدم وجود تصنيف واضح يمكن الاعتماد عليه فى تحديد طبقات الاستهداف طبقا لمستويات دخول الأفراد سواء فى القطاع الحكومى أو الريفى أو القطاع الخاص يعد رابع الأسباب.
بالإضافة إلى ما سبق فإن تهريب السلع التموينية احد أبرز عيوب الدعم العيني، كما أن بيانات وزارة التموين تشير إلى أن نحو 15% من حاملى البطاقات التموينية لا يستخدمونها كما أن هناك أفرادًا فى بعض الأسر غير مدرجين على هذه البطاقات، وكذلك أعداد كبيرة من المتوفين والمسافرين للخارج.
مميزات الدعم النقدي
هناك عدد من المميزات في الدعم النقدي تدفع الكثير من الخبراء لاختياره بديلا أفضل للدعم العيني، وأبرز هذه المميزات أن الدعم سيصل لمستحقيه فقط، ولعل هذه النقطة الأهم، بالإضافة إلى ذلك أن الدعم النقدي تكلفة توزيعه أقل الدعم، فلا يحتاج آلاف الموظفين كالدعم العيني.
يرى الخبراء أيضا أن الدعم النقدي يضمن مقدار أقل من الهدر والفساد، بالإضافة إلى أنه وسيلة مثالية لتقليل الاستهلاك حيث إن الفرد لن يشتري سوى ما يحتاج إليه، حيث سيجعل نمط استهلاكه أكثر رشاده ومسؤولية، كما أنه يمنح حرية الاختيار للمستهلك.
وعلى المستوى الوطني فإن الدعم النقدي يقدم تخصيص أفضل للموارد على المستوى الوطني، حيث إنه سيوفر الكثير من الأموال للحكومة يمكن استخدمها في موارد أخرى، كما أنه تسهيل المحاسبة وتغلق الثغرات، بالإضافة إلى أنه يعد سيرا على خطى دول العالم المتقدم، حيث إن جميع دول العالم المتقدم تقريبا تعمل بشكل أساسي بنظام الدعم النقدي.
مخاوف التحول
بعيدا عن المميزات والعيوب فإن هناك العديد من المخاوف التى تنتاب الفقراء من فكر التحول إلى الدعم النقدى وأهمها، حدوث أزمات عالمية تدفع أسعار الغذاء للارتفاع، وكذلك ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى بما يمكن أن يرفع أسعار الغذاء بنسب كبيرة فوق نطاق تحمل الفقراء، وهو ما يجعل الدولة لإعادة النظر دوريا فى المبالغ المخصصة للدعم النقدى، وهو في الغالب لا يحدث.
لمن يتم صرف الدعم النقدى؟
هو سؤال هام أيضا يثير مخاوف البعض، هل يصرف الدعم للأب الذى ربما يكون غير أمين وينفقه على ملذاته أم للأم التى ربما تنفصل عن الزوج والأسرة وتستأثر بمبلغ الدعم وحدها؟، وكيف تضمن الدولة أن الدعم النقدى سيستخدم فى شراء الغذاء فقط دون غيره ووصوله إلى كل أفراد الأسرة.
رأي الحكومة
المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قال ردا على اتجاه الحكومة لتحويل دعم السلع الى الدعم النقدي بدلا من العيني، إنه حتى الآن لا يوجد لدينا قرار محدد، لتحويل دعم السلع إلى دعم نقدي، لكننا نعمل بمزيج بين الدعم العينى والدعم النقدى.
وأضاف "إسماعيل" أن التحول إلى الدعم النقدي يحتاج لفترة زمنية، وهو سمة موجودة في كل دول العالم المتقدمة، حتى تستطيع التحكم فيه، ويعطى الدعم النقدي لفترة زمنية معينة، ويراقب الحالة والمال، وبناء عليه يزوده أو يلغيه، وفى هذه الحالة الدعم سيكون موجهًا لأسرة أو شخص بعينه.
وكان البيان المالى لمشروع الموازنة العامة للعام المالى الجديد 2016/2017، قد كشف أنه تم تخفيض مخصصات دعم المواد البترولية إلى 35.43 مليار جنيه و43 مليون جنيه، مقابل 61.704 مليار جنيه العام الماضى، حيث أوضحت الوزارة إن مخصصات الدعم بدون دعم الطاقة بلغت 66.112 مليار جنيه، مقابل 55.941 مليار جنيه العام الماضى، وبلغ إجمالى دعم الكهرباء 28.979 مليار جنيه مقابل 30.73 مليار جنيه العام الماضى.
خبراء الاقتصاد قالو إن اتجاه الحكومة المصرية للتحول إلى الدعم النقدي كبديل عن السلعي، خلال الفترة الحالية يعد من أفضل الأوقات للقضاء على سلبيات الدعم العينى الذي أحدث فسادا بمنظومة تداول السلع داخل وزارة التموين أولها إهدار الدعم وتسريب السلع للسوق السواء بالإضافة إلى وجود سعرين للمنتج.
بينما يرى آخرون صعوبة تطبيق منظومة الدعم النقدي في الفترة الحالية لعدم جاهزية قاعدة بيانات الحكومة والتى علي أساسها سيتم تحديد المستحقيين، موضحين أن تطبيق الدعم النقدي سيقابله ارتفاع غير مسبوق في معدل التضخم.
نادر نور الدين، مستشار وزير التموين الأسبق، قال إن الفترة الحالية من أفضل الأوقات لتحويل الحكومة للدعم النقدي بدلا عن السلعي، مشيرا إلى أن التحول للدعم النقدي الحل الوحيد لوقف غش الأفران والسرقة من وزن الرغيف والاتجار في السلع التموينية في السوق السوداء نتيجة لوجود سعرين للسلعة حاليا سواء للعيش أو للزيت أو للسكر التى يتم بيعهما للمطاعم والمقاهي.
ويبلغ دعم السلع داخل بطاقات التموين نحو 53 مليار جنيه بعد تطبيق زيادة جديدة في دعم المواطنين على بطاقات التموين ورفعه من 18 إلي 21 جنيها .
وأضاف نور الدين فى تصريحاته لـ "مصر العربية" أن الدولة تخصص ٢1 جنيها للفرد على بطاقات التموين ولكنها تحثه على شراء السلع الموجودة فقط في منافذها سواء مجمعات تموين أو محال بقالة وقد تكون لاتلزمه وبالتالي من الأفضل صرف هذا المبلغ للمستهلك ليشترى ما يحتاجه فعلا من محلات نصف الجملة او استغلال عروض السوبر ماركت لتعظيم شرائه من السلع.
واقترح نور الدين على الحكومة أن تقوم ربة الأسرة بصرف مبالغ أولادها القصر فقط أما البالغين فيصرفوا المبالغ بأنفسهم فرادا ونفس الأمر بالنسبة للأفران حيث يتم صرف الدعم للفرد ليشترى من الفرن الأفضل الذي ينتج رغيفا غير منقوص الوزن وجيد المواصفات الأمر الذي يعزز من التنافسية على جذب الزبون بتوفير خبز بأسعار متدرجة فئة ٢٥ و ٥٠ و ٧٥ قرشا وبالتالي يكون للمستهلك أفضلية شراء ما يلزمه وبما سيخلق تنافسا بين الأفران ويمنع الغش في الدقيق ومنع سرقة وزن الرغيف.
وأكد أن المنظومة الحالية التى تعمل بها وزارة التموين في تقديم الدعم هو نظام سلعي رغم تحديد 21 جنيها للمواطن على بطاقة التموين ، مشيرا إلي أن الدعم النقدي حال التحول له سيكون له مردود إيجابي في تنشيط النمط الاستهلاكي للفرد بالإضافة إلى أن النقدي يصل إلى مواطن بشكل أسرع ولا يحمل الحكومة أعباء مالية في توصيله.
وأشار إلى أن عيوب الدعم السلعي فإنه له تكاليف مالية في توصيل السلع لمستحقيه هو استيراد السلع وتكاليف التخزين وتكاليف النقل، ما يهدر على الحكومة مبالغ مالية طائلة في توصيل السلع للمواطنين.
ومن جهته، قال الدكتور هشام إبراهيم، خبير التمويل والاستثمار، إن ارتفاع معدل التضخم في السوق المصري ليس عائقا أمام التحول للدعم النقدي، مشيرا إلى أن الأزمة الوحيدة في التحول للدعم النقدي هو عدم جاهزية البيانات التى على أساسها يتم تطبيقه على مستحقيه.
وأضاف، فى تصريحاته لـ "مصر العربية"، أن الحكومة مازالت تقوم بعمل اختبار للمؤشرات التى سيتم على أساسها تطبيق الدعم النقدي بدلا من السلعي، مقترحا على الحكومة ضرورة الاعتماد علي معدل الاستهلاك في الكهرباء بناء على الشرائح المحددة ومعدل الإنفاق وامتلاك العربات حسب الماركات وسعرها والضرائب.
وأكد على ضرورة قيام الحكومة بمراجعة قاعدة البيانات كل 6 أشهر لمعرفة المستحقين الحقيقيين للدعم.
ومن جانبه، وصف الدكتور وائل النحاس، خبير الاقتصاد وأسواق المال، اتجاه الحكومة إلى تحويل الدعم العيني إلى نقدي بـ"الكارثي"، مؤكدًا أنها ليست مستعدة لذلك، ولم تقيس السوق التجارية بشكل جيد؛ لأنها تفاجأت بقرار تعويم الجينه وخفض قيمته إلى تلك النسبة.
وأشار، في تصريحات صحفية، إلى أن الدعم الذي تقدمه الحكومة في السلع أكثر من 80 مليار جنيه، وللطاقة نحو 120 مليار جنيه، وتحويله لنقدي يزيد من تضخم معدلات الموازنة العامة، ولا يمكن أن تتساوى جميع الطبقات في فواتير الكهرباء والبنزين، ولا توجد بذلك طبقة متوسطة وأخرى فقيرة.
ويوضح أن الدعم النقدي دومًا يلاحقه تضخم غير جامح في زيادة القوة الشرائية لدى المواطنين، متسائلا "الدولة ستسلمه لمن؟"، إن كان لمن يعول الأسرة فمن الممكن أن يصرفه على ملذاته، فضلا عن عدم وجود ضامن أن يصرفه على أسرته، كذلك الحال مع كل أفراد الأسرة.
يذكر أن مستحقي الدعم على بطاقات التموين يصل عددهم إلى 70 مليون مواطن من خلال 20 مليون بطاقة تموين مسجلة على قاعدة الدعم.