الأمن والسياسة.. من أطلق رصاصة الخلافات على دماغ الأحزاب؟
كشاهد قبر يحكي قصة "سياسة" مرت بـ"أحزاب" خرجت من رحم "الثورة" في 25 يناير 2011 - قبل أن تدخل في دوامة من الصراعات والخلافات وبحار من الجمود - تقف لافتات العديد من الأحزاب، على أبواب مقراتها، معلنة موت "الأفكار" وتسمم "السياسات" وغياب "الرؤى"، لتحل محلها مأساة يتبادل أطرافها الاتهامات بالتبعية للأمن، ولا يتورع أي منهم في رمي الآخر بالمسؤولية عن التخريب.
آخر الأحزاب التي تشهد صراعا على المناصب العليا فيها، حزب المصريين الأحرار، حيث ضربت الخلافات الداخلية الحزب الليبرالي، إلى حد فصل مؤسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس بقرار من رئيس الحزب عصام خليل مؤخرا.
ساويرس، الذي شغل موقع رئيس مجلس أمناء الحزب (أعلى هيئة تنظيمية بالحزب) بات لا يحكم إلا مجلس الأمناء الذي تم حله من قبل معارضيه، وحاليا يدعي كل طرف بأنه الأحق بقيادة الحزب، وانتهت بهم الأزمة إلى ساحات القضاء.
ويتهم ساويرس معارضيه بالتبعية لبعض الأجهزة في الدول التي ترغب في هدم حزب وتفخيخه من الداخل، ويرد معارضوه بأنه يعادي الدولة المصرية ويسعي لهدمها.
ولا يقف حزب المصريين الأحرار وحده في خانة الأحزاب المأزومة، إذ يجاوره حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرداعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق.
فأبرز الأحزاب التي خرجت من رحم 25 يناير يواجه أزمة داخلية حادة منذ إعلان لجنة الانتخابات بالحزب فوز خالد داود بالرئاسة بالتزكية، حيث واجه مجلس الحكماء المركزي بالحزب، النتيجة، بتشكيل لجنة انتخابات أخرى ورفض تنصيب داود رئيسا باعتبار أن الانتخابات التي أجريت غير لائحية، وحددت اللجنة موعدا آخر للانتخابات نهاية مارس المقبل.
ويتهم فريق خالد داود معارضيه أيضا بالتبعية للأمن، وأنهم يرغبون في تفكيك الحزب ويرغبون في ضياعه، فيما يتهم الطرف الآخر داود باختطاف الحزب.
ولم ينج الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي تشكل بتحالف من قوى يسارية وليبرالية، بعد ثورة يناير 2011، من شباك الأزمات، حيث دخل في سلسلة معقدة منها انتهت باستقالة مؤسسه، محمد أبو الغار، بعدما اعترف بعجزه عن "رأب الصدع" و"تفكيك الشللية بين الأعضاء"، بحسب خطاب استقالته في سبتمبر الماضي.
وبالمثل، يمر حزب الوفد بأزمات متلاحقة منذ ثلاث سنوات، كان أبرزها تمرد القيادي الوفدي فؤاد بدراوي، عضو مجلس النواب، على قيادة السيد البدوي، وإعلانه تدشين جبهة ﻹصلاح الوفدي، بهدف إسقاط البدوي وإجراء انتخابات جديدة بالحزب.
وأرجع عدد من خبراء العلوم السياسية انقسامات الأحزاب إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية أبرزها التدخلات الأمنية.
ويقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، الباحث في النظم السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن السبب في انشقاق هذه الأحزاب راجع ﻷن السياسة ماتت في مصر منذ 3 يوليو 2013.
وأضاف في تصريح لـ"مصر العربية" أنه على مدار الثلاثة عقود الماضية تم إخصاء التجربة الحزبية، سواء من خلال القيود التي فرضتها السلطة، أو حتى شروط تأسيس الأحزاب نفسها.
وأوضح أن قانون تأسيس الأحزاب السياسية حوّل الأمر لمجرد إجراءات بيروقراطية لاتعدو كونها تجميعا لبعض الأوراق والتوقيعات ليتملك الشخص حزبا.
ولفت إلى أن ذلك ساهم في وجود 100 حزب سياسي رغم عدم وجود قضايا سياسية بهذا العدد بما يمكن لكل حزب أن يتولى إحداها.
وتابع أنه على مدار السنوات الماضية كان الأمن متهما طوال الوقت بإحداث انقسامات داخل الأحزاب.
وقال إن التدخلات الأمنية ظهرت واضحة في أزمة حزب المصريين الأحرار، ومن قبل في الدستور.
وذهب الباحث بمركز الأهرام إلى أن العوامل الخارجية لم تتوقف عند التدخلات الأمنية وقانون الأحزاب، بل تم تفصيل قانون للانتخابات البرلمانية الأخيرة، بنظام القوائم المطلقة، بشكل ينحي الأحزاب جانبا.
وقال ربيع إن الأبعاد الاجتماعية طغت على البرلمان فأصبح يتباهى نوابه بعدد الأعضاء الشباب، والمرأة والأقباط وغيرها، دون التطرق لعدد التمثيل الحزبي.
وبحسب ربيع فإن الأمر لا يتوقف على التدخلات الأمنية، فهناك أسباب داخلية ساهمت في ضياع التجربة الحزبية المصرية أهمها غياب الديمقراطية الداخلية، وضعف التمويل.
واتفق مع ربيع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان الدكتور جهاد عودة، حيث قال إن المشكلة في مصر تعود إلى القانون المنظم للأحزاب، حيث يضيق الخناق على المنتمين لها، ويمنعهم من بناء تنظيم مؤسسي قوي.
وقال في تصريح لـ"مصر العربية" إن القانون لا يسمح بانبثاق أحزاب عن أخرى، لرغبة النظام السياسي في عدم وجود حياة حزبية قوية.
وبحسب عودة فإنه لا توجد ديناميكية داخل الأحزاب المصرية، وهو ما يؤدي إلى حدوث انقلابات داخلها على دوائر السلطة الحزبية، والتآمر عليها".
من جانبه، قال محمد موسي، القيادي بحزب العدل، إن سبب تراجع بعض الأحزاب هو حداثة تواجدها بالشارع المصري، إضافة للإرث القديم الذي ورثته القوى السياسية المصرية، بغياب دام 40 عاما عن الشارع المصري.
ووفق قراءة موسي، فإن أزمات الأحزاب المصرية مرتبطة بـ"حالة السيولة السياسية التي تعيشها مصر".
وأضاف لـ"مصر العربية" أن غالبية الأحزاب التي نشأت عقب الثورة تعرضت للانشقاقات والاستقالات، بسبب انسحاب مؤسسيها.