لماذا عادت السوق السوداء للدولار؟
بعد فترة من الهدوء استمرت لأكثر من شهرين، عادت السوق السوداء للدولار في مصر، منذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، ليصل الفارق بين السعر الرسمي ونظيره في السوق الموازي لأكثر من 3 جنيهات.
وشهد سعر الدولار تباينا كبيرا هبوطا وصعودا، وهو ما أرجعه خبراء الاقتصاد لفكرة العرض والطلب سواء في القطاع المصرفي أو في السوق السوداء ولتردد الناس في الإقبال على عملية البيع والشراء.
فيما حملوا مسئولية عودة السوق السوداء مجددًا إلى البنوك لارتفاع الطلب على العملة الصعبة وعدم توافرها بالكميات المطلوبة، فالبنوك لا توفر الدولارات اللازمة للمستوردين والعملاء، ولديها طوابير انتظار على العملة، ما اضطر بعض المستوردين لتدبير احتياجاتهم من السوق السوداء.
وأرجعوا عودة سعر الدولار للارتفاع من جديد لعدم ارتباط الانخفاض السابق بتحسن ملموس في النشاط الاقتصادي، وارتباطه فقط بحصول الحكومة على بعض التدفقات الدولارية من خلال الاستدانة بأسعار فائدة مرتفعةسواء سندات دولارية، أو أذون خزانة بالعملة المصرية، بفائدة مرتفعة وصلت إلى 16%، دفعت المضاربين الأجانب لشرائها، مما ضخ دولارات إضافية للحكومة.
الجمعة الماضي وصل سعر الدولار إلى نحو 20 جنيها في السوق السوداء قبل أن يهبط مرة ثانية إلى 17 جنيها بعد 48 ساعة وسط حالة من التذبذب، فتارة تجده سجل ارتفاعًا كبيرًا وما هي إلا ساعات ويعاود الانخفاض مجددًا.
وسجل سعر الدولار اليوم في السوق السوداء 17.10 جنيه للشراء، و17.50 للبيع.
واستقر سعر الدولار اليوم فى أغلب البنوك المصرية والأجنبية، في تعاملات اليوم الإثنين، على نفس سعر ختام التعاملات الأسبوعية الخميس الماضى، وسجل أسعارًا تتراوح بين الـ 15.70 جنيه و 15.85 جنيه.
رضوى السويفي، رئيس قطاع البحوث فى بنك «فاروس» للاستثمار، قالت إن التذبذب في أسعار الدولار وتغيير سعر الصرف بهذا الشكل خلال اليومين الماضيين، يعتمد بالأساس على فكرة العرض والطلب سواء في القطاع المصرفي أو في السوق السوداء.
وأضافت السويفي، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن الارتفاع والانخفاض في الدولار يكون أقل تذبذبًا في الظروف الطبيعية ولكننا في فترة غير عادية منذ تحرير سعر صرف الجنيه، معتبرة أن عودة السوق السوداء للدولار ظاهرة مؤقتة، وأن حجم التعاملات بها ليس كبيرا، وستستمر حتى انضباط سعر الدولار في البنوك.
وأرجعت السويفي انخفاض الدولار خلال الأسبوع الماضي، إلى هبوط الدولار عالميًا، بالإضافة إلى انخفاض الطلب على الواردات والسلع المستوردة ولوجود تدفقات نقدية في أذون الخزانة، مما أدى إلى قوة الجنيه.
وأضافت أنه عندما أظهر الجنيه قوة، زاد الطلب مرة أخرى على الاستيراد مع اقتراب شهر رمضان، مما أدى لارتفاعه مجددًا، مشيرة إلى أن في حالة استلام مصر للشريحة الثانية من صندوق النقد الدولي سيعمل ذلك على إحداث تطور إيجابي لسعر الجنيه مقابل الدولار.
الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي قال إن وجود سعر جديد للدولار مغاير للموجود في البنوك، سببه إن البنوك منذ تحرير سعر صرف الجنيه وهي تفرض قيودا شديدة على عملية بيع الدولار إلا في الاحتياجات الأساسية.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن عدم حصول التجار والمستوردين على الدولارات التي يحتاجونها من البنوك يضطرهم للتعامل مع الأسواق الخارجية، للحصول على الكميات المطلوبة من الدولار لأعمالهم وتجارتهم.
وأكد الشريف أن هذه الأسواق ستظل موجودة ومنافسة للبنوك طالما كان هناك نقص لديها في الدولار والعملة الصعبة، في ظل وجود عمليات استيراد كبيرة تحتاج إلى كميات كبيرة من العملة الأمريكية.
وأرجع الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، التذبذب في سعر الدولار في السوق السوداء إلى تراجع الناس وترددهم عن عملية البيع والشراء إلى حد ما، لأن السوق غير واضح ، وهناك تقلب مستمر سواء في الصعود والهبوط .
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن السوق السوداء لن تنضبط وتتلاشى إلا عندما يتواجد الدولار بشكل حقيقي من خلال السياحة أو وجود استثمارات أجنبية على أرض الواقع.
وأشار فهمي إلى أن عودة السوق السوداء للدولار مرة أخرى، بسبب عدم توافر العملة الصعبة في البنوك، وذلك على عكس ما يصرح به طارق عامر، محافظ البنك المركزي، بأنهم وفروا كل احتياجات المستوردين من الدولار، قائلًا لو وفرت البنوك للتجار فعلًا ما يحتاجونه من دولار ما كنا رأينا ظهور السوق السوداء ثانية.
وذكر أنه لا يوجد أسباب حقيقية ومعلنة من البنك المركزي لانخفاض سعر الدولار أو ارتفاعه، مضيفًا أن القروض التي حصلنا عليها ربما تحل أزمة وقتية وتزيد من الاحتياطي النقدي الأجنبي، لكن تبعاته الحقيقة تظهر فيما بعد من خلال زيادة الديون الخارجية.
الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، اعتبر أنه من الطبيعى أن تعود السوق السوداء للدولار من جديد، لأن المستوردين لم يجدوا احتياجاتهم في البنوك، رغم تصريحات البنك المركزي بتوفيرها، مما اضطرهم للتعامل مع السوق السوداء، التي ستستمر في ظل السياسة الحالية.
وقال في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" إن انخفاض سعر الدولار الأسبوع الماضي كان لأسباب مؤقتة منها الإعلان عن زيادة النقد الأجنبي، ولكن اعتبارًا من الشهر القادم مع عودة المستوردين للعمل واقتراب شهر رمضان سيرتفع سعر الدولار بشكل كبير.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه ربما نجد وصول الدولار إلى نحو 20 جنيها مجددًا، بسبب زيادة الطلب ونقص المعروض، بالإضافة إلى أننا مطالبون بسداد بعض القروض التي حصلنا عليها.
وأكد على أن تصريحات محافظ البنك المركزي عن أنه لا يتدخل في تحديد سعر الدولار في البنوك غير صحيح.