10 إجراءات عاجلة لمواجهة الإرهاب في سيناء
على وقع أصوات الرصاص وقذائف المدفعية، يعيش أهالي محافظة شمال سيناء أوضاعا صعبة، في ظل تصاعد العمليات العسكرية من قبل تنظيم "ولاية سيناء" المبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتحديدا في مدينة العريش أخيرا، ومواجهتها من قبل قوات الجيش والشرطة.
وتواصل قوات الجيش والشرطة ملاحقة التنظيمات الإرهابية في مدن الشيخ زويد ورفح والعريش ومنطقة وسط سيناء، يواكبها سقوط عدد كبير من العناصر الإرهابية بين قتيل ومصاب، فضلا عن ضبط بعضها، إلا أنه بين الحين والآخر تطل العناصر المسلحة برأسها محدثة تفجير أو استهداف للقيادات الشرطية هنا وهناك.
وتصاعدت العمليات الإرهابية في مدينة العريش خلال الفترة الماضية، وكان أبزر محاورها الاستهداف الممنهج للأسر القبطية، ما دفعها إلى مغادرة المدينة في عجالة، تاركة خلفها كل ما هو ثمين، هربا من جحيم "داعش"، فضلا عن استهداف قيادات شرطية خلال اليومين الماضيين، وإقامة كمين في ميدان الفالح للبحث عن مطلوبين لديهم.
وحدد خبيران أسباب الوضع الأمني المتردي في سيناء، والإجراءات العاجلة التي تحتاج أجهزة الدولة لتنفيذها لإعادة السيطرة التامة على الأوضاع هناك.
وجاءت أبرز الإجراءات العاجلة، تعديل استراتيجية المواجهة، والاعتماد على تكتيكات جديدة، ووقف عمليات القصف العشوائي، وعدم استهداف المدنيين، واختراق التنظيمات الإرهابية، وتنشيط جمع المعلومات، والاعتماد على كوادر مدربة، والبدء في مشروعات تنموية، وعدم الاقتصار على الحل الأمني، وزيادة عدد الكمائن الأمنية.
استراتيجية خاطئة
قال العميد محمود قطري، الخبير الأمني، إن استراتيجية مقاومة الإرهاب في سيناء خاطئة، لأنها تعتمد في الأساس على قوات الجيش، ولكن هذه المهمة من اختصاص جهاز الشرطة.
وأضاف قطري لـ "مصر العربية"، أن قوات الجيش ليست مؤهلة لخوض هذه النوعية من المعارك مع التنظيمات المسلحة، على عكس جهاز الشرطة الذي يتمكن من فرز العناصر الإرهابية من وسط المدنيين.
وتابع أن العناصر الإرهابية المسلحة تستتر وسط المدنيين، وبالتالي فالطريقة المثلى للتعامل معهم هى الاقتحامات وليس القصف الجوي أو المدفعي الذي تتبعه قوات الجيش.
واعتبر أن الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها سيناء بعد تكرار العمليات الإرهابية في مدينة العريش، تؤكد عدم وجود سيطرة من الجيش والشرطة على تلك البقعة.
وطالب بضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة في مكافحة الإرهاب، والاعتماد بشكل أكبر على قوات الشرطة في إطار منظومة أمن وقائي يمنع وقوع الجريمة الإرهابية.
وأشار الخبير الأمني، إلى أن الاقتصار على الحل العسكري الأمني لن يقضي على الإرهاب بسيناء، ولذلك لا بد من من تفعيل استراتيجية موسعة، أضلاعها مؤسسات الدولة مثل الأزهر ووزارة الثقافة، فضلا عن تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل عاجل.
تكتيكات جديدة
وانتقل قطري من الحديث عن استراتيجية مكافحة الإرهاب الخاطئة –حسب تعبيره-، إلى إتباع تكتيكات خاطئة أيضا، إذ تعتمد قوات الجيش والشرطة في تحركاتها على رد الفعل بعد أي حدث إرهابي.
وقال إن قوات الجيش والشرطة لا تركز على الضربات الاستباقية لمعاقل وتمركزات الإرهابيين، ولكن مع ضرورة التحرك بناء على معلومات دقيقة من مصادر قبلية.
وأضاف أنه لا بديل عن تكثيف الكمائن في سيناء على مدار الـ 24 ساعة، وعدم ترك حرية الحركة للعناصر الإرهابية، وتنفيذ عمليات مسلحة تجاه القوات أوالمدنيين واستهداف المدرعات العسكرية والشرطية.
وطالب بتوزيع أماكن الكمائن الثابتة والمتحركة بحيث تكون متقاربة مع بعضها البعض، حتى ما إذا تعرض أي ارتكاز أمني لهجوم تنتقل الدوريات والقوات لمواجهة الإرهابيين في أسرع وقت، حتى لو اقتضى الأمر زيادة عدد القوات المشاركة في العمليات بسيناء.
استهداف عشوائي
وأبدى الخبير الأمني، اعتراضه على القصف والاستهداف العشوائي بعد الحوادث الإرهابية، التي تسفر عن قتلى وجرحى من المدنيين.
وأوضح أن استهداف المدنيين عن طريق الخطأ له سلبيات كبيرة على مستوى خطط مواجهة الإرهاب، إذ أن الحل الأمثل هو الاعتماد على ملاحقة العناصر المسلحة وفرزها من بين المدنيين.
واستطرد: "قوات الشرطة تخطئ باستهداف ناس ليس لها علاقة بالإرهابيين ويتم القبض عليهم، وتحول هؤلاء إلى مناصرين إلى الإرهاب، وهو ما أوجد حالة من العداء من الأهالي تجاه قوات الجيش والشرطة بفعل تراكمات كثيرة".
وقيعة مع الأهالي
واعتبر أن الاستهداف العشوائي تسبب في وقيعة بين أهالي سيناء وقوات الجيش والشرطة المعنية بمكافحة الإرهاب، في ظل ضعف الإدارة المحلية هناك.
وأكد أن أهل سيناء أحد عوامل القضاء على الإرهاب، من خلال دعم وثيق مع الجهات المعنية بهذا الملف، لكشف تحركات العناصر المسلحة لتسهيل القضاء عليها.
وقال قطري إن عمليات النزوح الجماعي للأسر القبطية أو المسلمة، أمر ليس محمودا في إطار مكافحة الإرهاب، حيث أن الأمن لن يتحقق بالتهجير، وعلى العكس سيكون له نتائج سلبية على خطط مكافحة التنظيمات المسلحة.
وأضاف أن النزوج هو خطأ من قبل الأجهزة الأمنية التي تعجز عن توفير الأمن للمواطنين.
جمع المعلومات
وتطرق الخبير الأمني، إلى أن أهم الأسلحة في مواجهة الإرهاب، هو جمع المعلومات حول تحركات العناصر المسلحة، ولكن نظرا لوجود نوع من العداء مع الأهالي، تواجه الأجهزة المعنية صعوبة في الحصول على معلومات دقيقة.
وأشار إلى أن صعوبة الحصول على معلومات ليس فقط بسبب العداء مع الأهالي هناك، ولكن أيضا العجز عن حماية المتعاونين مع أجهزة جمع المعلومات.
واستطرد: "ليس من المعقول ترك المتعاونين معي الشرطة دون غطاء أو حماية، في ظل استهدافهم بشكل ممنهج من العناصر الإرهابية بشكل متواصل، بصورة جعلت البعض منهم يحجم عن التعاون مع الجيش والشرطة".
استراتيجية الإرهابيين
من جهته، حدد خبير مكافحة الإرهاب الدولي، العميد حسين حمودة، ملامح تردي الأوضاع الأمنية في سيناء، بعيدا عن ترويج "داعش" لفرض سيطرة وهمية، وتتمثل في تطور تكتيكات العناصر الإرهابية لمواجهة قوات الجيش والشرطة.
وقال حمودة لـ "مصر العربية"، إنه يمكن رصد هذا التطور في التكتيكات، في محورين، الأول على صعيد صناعة العمل الإرهابي، من خلال توسيع بنك الأهداف، ولم يعد مقتصرا على قوات الجيش والشرطة، ولكن شمل المدنيين والأقباط والقضاة وحفلات العرس.
أما المحور الثاني، رأى وجود توسع في تواجد التنظيمات المسلحة بسيناء، سواء تنظيم "داعش" أوبوادر لتواجد المنافس له تنظيم "القاعدة"، فضلا عن المجموعات الصغيرة مثل حركة حسم وأخواتها.
وأضاف أن "حسم وأخواتها" انتقلوا إلى سيناء حيث التحرك بحرية أكثر، بعد ملاحقة عناصرها، وهو ما أوجد قدر من التنسيق رغم العداء على المستويين التنظيمي والفكري.
ورأى وجود تحالف بين الإرهابيين وعناصر الجريمة المنظمة من تجار السلاح والمخدرات وتجار الأعضاء البشرية، بعد هدم الأنفاق التي كانت تعتبر المنفذ الرئيسي لأهالي سيناء للتجارة.
وأكد أنه للأسف الشديد فكر التنظيمات المسلحة يسبق استراتيجية الجهات المعنية بمواجهة الإرهاب بسيناء، ويظهر من خلال إتباع الأخير سياسة رد الفعل.
وشدد على أن تنظيم "داعش" تمكن من اختراق جهاز الشرطة، ويتضح ذلك استهداف الأكمنة ومعرفة خطوط سير القيادات واستهدافها في سيناء وخارجها، مثل استهداف أفراد الشرطة في حلوان.
الخروج عن القانون
وانتقد خبير مكافحة الإرهاب، ممارسات الأجهزة المعنية بملف مواجهة الإرهاب بسيناء، لناحية عمليات التصفيات الجسدية، إذ أنها توفر حاضنة شعبية للإرهابيين، ويبرر للتنظيمات المسلحة أفعالها الخارجة عن القانون.
وطالب الأجهزة الأمنية بالالتزام بالقانون عند مواجهة العناصر الخارجة عن القانون، لأن أي تصرف بخلاف ذلك يؤدي إلى إحلال قانون القوة مكان قوة القانون، بما ينعكس سلبا على السلم الاجتماعي.
ولفت إلى أن القصف الجوي بالطائرات يؤدي إلى قتل مدنيين أبرياء، يسفر عن إحجام الأهالي على التعاون مع قوات الجيش والشرطة، ولا بد من اقتصار استخدام الطائرات على عمليات الاستطلاع أوالإسناد للقوات البرية خلال الاشتباكات فقط.
غياب التنمية
وأشار حمودة إلى أن بسط السيطرة على سيناء، لن يتحقق إلا بتطبيق أبعاد الأمن الإنساني بمفهومه الواسع، والذي يتضمن 7 أبعاد، السياسي والجنائي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي والصحي والغذائي.
وأوضح أن العمليات العسكرية في سيناء أثرت سلبا على كل نواحي الأمن الإنساني، حيث وجود غياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والغذائية والبيئية، ولذلك لا بد من الاهتمام بأهالي سيناء بشكل فوري، من خلال ضخ استثمارات كبيرة للنهوض بتلك البقعة.
وقال إن مساحة سيناء كبيرة ويعيشها عليها نحو نصف مليون مواطن فقط، والمساحات الكبيرة الفارغة تحاول التنظيمات المسلحة السيطرة عليها، ولذلك التنمية هامة في وقف هذا المخطط.
وأضاف أن الأمن السياسي والجنائي، يواجهان قصورا شديدا في سيناء، مع ضعف تكتيكات المواجهة للعناصر الإرهابية وملاحقتها، فضلا عن عدم القدرة على حماية المواطنين، وهو أساس عمل جهاز الشرطة.
ضعف الكوادر الشرطية
ولم ينكر خبير مكافحة الإرهاب، وجود خلل في أداء جهاز الشرطة، إذ أن هناك ضعف في الكوادر الأمنية التي تتولى ملف سيناء، وعدم اتباع الأساليب العلمية في المواجهات مع الإرهابيين.
وقال إنه لا بد من العمل على اختراق التنظيمات المسلحة في سيناء من خلال زرع عناصر داخلها لمعرفة خططها وتحركاتها، وهى أول خطوة للقضاء على الإرهابيين، لأنه بلا معلومات لا جدوى من المواجهات.