«شآبيب».. رواية لـ أحمد خالد توفيق تنبأت بحادث نيوزلندا الإرهابي

كتب: سارة نور

فى: أخبار مصر

10:00 24 مارس 2019

 

"الحق أن الأمور كانت تزداد سوءًا لدرجة أن المهاجرين كانوا يجدون خطرًا في الصلاة في المسجد، وكان ضروريًّا وقت صلاة الجماعة أن يقف البعض خارج المسجد يراقبون، تحسبًا لهجمة غادرة أو زجاجة مولوتوف تلقى على المصلين..

 

 تمكنوا ذات مرة من القبض على متعصب يحمل بندقية آلية ويتجه للمسجد أثناء صلاة الجماعة، قبل أن يحقق مذبحته".  

 

تلك الكلمات كانت قبل بضعة أسابيع مجرد خيال خصب وربما ترقى لدرجة رؤية مستقبليىة قاتمة من العراب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق في آخر رواياته "شآبيب"  التي حصلت على جائزة أفضل كتاب لعام  2018 في استفتاء الجمهور في برنامج "معكم منى الشاذلى".

 

بعد حادث نيوزلندا الإرهابي الذي جرى على مرأى ومسمع من العالم وراح ضحيته نحو 50 شهيدا في تلك الدولة الهادئة التي يبدو أن اليمين المتطرف يتصاعد فيها على عكس التوقعات، تشعر كأنك ترى أحد فصول "شآبيب" يتجسد على أرض الواقع. 

 

رحلة مثيرة من مصر وليبيا وتونس مرورا بالولايات المتحدة والنرويج واستراليا، يخوضها شخوص - الذين أطلق عليهم العراب مصطلح عرب الشتات- بحثا عن آدميتهم بعيدا عن النظم السلطوية التي تسحق الإنسان، والعيش الآمن بعيدا عن التعصب والعنصرية. 

 

يأخذنا الكاتب بلغته العربية الفصيحة السهلة وأسلوبه السلس إلى داخل أمينة التي ترك أبوها تونس وهاجر إلى النرويج منذ زمن بعيد لكنها لازالت تتمسك بالعادات العربية وبحجابها الأنيق العصري.

 

كل ذلك كان كفيلا بتحويل حياتها وابنتها سميرة وزوجها شريف الذين يعيشون في الحي العربي إلى جحيم لا يطاق، في ظل تصاعد اليمين المتطرف إلى درجة لا تحتمل، حيث التحرش بالنساء والهجوم بالأسلحة النارية في أي وقت على المهاجرين العرب. 

 

قصة أمينة في المهجر لا تختلف كثيرا عن سليم علوي الذي ترك والده ليبيا و ذهب إلى ليبيريا على اعتبار أنها بلد إفريقية شقيقة، لكن متطرفين قتلوا زوجته وأبنائه أمام عينيه  لا لشىء سوى التعصب والتطرف ضد هؤلاء العرب حتى لو كان لهم انتماء إفريقي. 

 

يحكي أحمد خالد توفيق في قصة محمد عدنان الفقي، حكاية آلاف الشباب المصريين في عصور مختلفة، من الجامعة إلى السجن على خلفية تهمة سياسية ثم يتحول إلى رجل عادي كالالآف بل الملايين، لا يعتنق سوى أفكار لقمة العيش لكن محمد قرر الهجرة إلى استراليا. 

 

مكرم ميخائيل أستاذ علاقات السياسة في هارفارد صاحب الملامح العربية التي من الصعب أن تخطئها عين الذي أصبح عضوا نشطا في الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية بعدما هارج نم مصر منذ وقت طويل، مصطحبا زوجته وأنجب ابنتين كلتيهما تحملان مزيجا من القيم العربية التي يرد الأب غرسها، وآخرى غربية تعيشانها بالفعل.

 

لم يعجب مكرم الذي يظن أنه خلق لإصلاح هذا العالم الذي يضطهد فيه العرب إلى الدرجة التي وجد فيها أنه لا مفر من وطن جديد يجمع كل عرب الشتات على اختلاف بلدانهم الأصلية، يعيشون فيه بسلام، كما جرى مع اليهود على اختلاف، لكن كيف يقنع العالم وبالأخص صديقه جوناثان إيرهارت نائب الرئيس الأمريكي تالذي ستولة بدوره إقناع قياداته.  

 

مشكلة مكرم الأساسية إلى جانب الأموال هي وجود مبرر أخلاقي يقنع به العالم بحتمية وجود دولة تجمع المهاجرين العرب، فاستعان بأستاذة التاريخ خاصة أبرعهم أحمد صفوان- أحد شخوص الرواية- ثم قال لهم أريد تاريخا مزيفا مكتوبا بإحكام.  

 

"أحلم بكتاب رائج.. كتاب ممتع يحكي على تاريخ مهم للعرب في بلد ناء لا نعرف عنه الكثير.. كتاب يثير الحمية الوطنية و له صبغة دينية حزينة تذكرك بالأندلس"، هكذا قال مكرم في الرواية لأساتذة التاريخ الذين أدركوا مدى جنون الفكرة.  

 

"ثم قال بلهجة ملحمية وقد تجعد حاجباه:"ثم ماذا يا عرب؟ إلام تركتم تاريخكم العظميم في.. في..؟" ثم ألقى بقنبلته التي كان يدخرها لتلك اللحظة:"في بابوا غنيا الجديدة، عندما سدتم الدنيا وكنتم رجالا وحيث مات أباؤكم"، ورغم جنون الفكرة واستحالتها كان لمكرم ما أراد.

 

تحمست الولايات المتحدة لفكرة دولة "شآبيب" في بابواغنيا الجديدة التي ستجمع العرب المهاجرين، ولاقت الفكرة هوى في نفوس الأوروبييين أيضا الذين أرادوا أن يتخلصوا من أزماتهم وتقرر نقل العرب من جميع أنحاء العالم، ووضعهم في دولتهم الجديدة، على أن ترسل إليهم أمريكا مساعدات.

 

"شأبيب.. أرض الميعاد"، هكذا أصبحت الفكرة تدور في أذهان كل عربي يرد وطن حقيقي يصنعه بيديه ينتمي إليه ويعيد أمجاده ويصبح هو السيد فيه، لم تكن تجمع أي منهم سوى إحساسهم بالاضطهاد والحلم الجديد الذي يعتقدون أنه منقذهم من الهلاك لا محالة بل أشبه بالمطر في صحراء قاحلة في يوم قائظ. 

 

في شأبيب أو بابوا غنينا الجديدة التي لم تكن سوى مجموعة من الخيام بدون أدنى مقومات الحياة، حمل المهاجرين أزمات العالم العربي وصراعاته الداخلية، وحاول مكرم أن يزيف حتى الأثار، إذ التنقيب عن آثار تلك الحضارة التي خلفها العرب قديمًا مضوا فيه، لكنه نسى أن يمحو من عليها جملة "صنع في الصين". 

 

الجميع هناك أصبح جزءا من أكذوبة في طريق زائف، بعضهم اكتشف الأمر مبكرا لكنهم أصروا على استكمال المسيرة، وكعادة المهاجرين دخلوا في ما يشبه الحرب الأهلية مع السكان الأصليين الذين انتصر عليهم العرب أو ربما عقدوا هدنة معهم. 

 

 

في النهاية فشلت التجربة، وتدخل القدر لينهي هذا الجنون من خلال ثورة بركان و إعصار أعاد المهاجرين العرب مزعورين في صنادل عبر المحيط إلى البلاد التي جاؤوا منها، لكن في الخطاب الختامي من سليم الذي تولى زمام شآبيب بعد وفاة مكرم إلى جوناثان تظهر حقيقة أنه لا سبيل لاستقرار أي دولة سوى الاندماج والتعايش وقبول الآخر.

 

اعلان