في ذكرى رحيله الـ49.. عبد الناصر في محكمة التاريخ

كتب: سارة نور

فى: أخبار مصر

22:26 29 سبتمبر 2019

في مشهد مهيب، خرج المصريون يودعون زعيمهم في الشوارع والحواري والأزقة، كان صوت النحيب عاليًا ينعي صاحب النعش الأشهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في  مثل هذا اليوم منذ نحو 49 عامًا تحديدًا في 30 سبتمبر 1970. 

 

حفر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اسمه في قلوب المصريين بحروف من نور، نتيجة للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي أعقبت ثورة يوليو 1952 من أبرزها قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر بعد الثورة مباشرة في 9 سبتمبر 1952 .

 

ورغم صدور قانون الإصلاح الزراعي في عهد الرئيس الراحل  محمد نجيب إلا أنه منسوب لعبد الناصر لأنه أصرّ على تطبيقه وينص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين. 

 

فيما أقر دستور 1956 مجانية التعليم وجعلها حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، بينما تضمنت المادة 50 بأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان.

 

وفي عام 1961، أعلن عبد الناصر إتاحة التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطن، وأكدت المادة 39 في دستور 1966 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان".

 

كما تحول وجه الاقتصاد المصري في عهد عبد الناصر، وبات يركز على الصماعات الثقيلة و الاهتمام بالصناعات الاستراتيجية والبنية التحتية والمشروعات التنموية التي من أبرزها بناء السد العالي الذي استغرق إنشائه نحو 10 سنوات، كما بنى قلاع صناعية مثل الحديد والصلب والمراجل البخارية.

غير أن قلاع عبد الناصر الصناعية ذهبت مع رياىح الخصخصة بالتزامن مع تغيير نمط الاقتصاد من الاشتراكي للرأسمالي،وما سمي بعهد الانفتاح الاقتصادي، فتحول الاقتصاد من الاعتماد على الإنتاج الصناعي للاقتصاد الريعي الذي يعتمد على المشروعات ذات الربحية السريعة مثل أعمال المقاولات و تصدير النفط و دخل قناة السويس.

 

ودعم عبد الناصر حركات التحرر الوطني في أفريقيا، لذلك كان له مكانة خاصة في قلوب الأفارقة، إذ لعب دورا محوريا في دعم ومساندة حركات التحرر الوطني في إفريقيا، فبحلول عام  1960 تمكنت أكثر من 51 دولة وقتها من الحصول على إستقلالها والإنضمام إلى المنظمة الدولية ما رفع عددها فى تلك السنة إلى 52 مقعدًا بينما كانت إفريقيا ممثلة بتسع دول مستقلة.

 

وارتكزت السياسة المصرية في القارة الأفريقية، إبان عهد عبد الناصر على مبادئ عامة سهلت مهمتها أبرزها: عدم التدخل في الشئون الداخلية، ومنع تقديم مساعدات للأطراف المتنازعة، والتصدي لأي دور خارجي يستهدف المساس بأمن القارة واستقرارها، وعدم التورط في نزاعات مصالح بين الدول الكبري، والحل السلمي للمنازعات في إطار منظمة الوحدة الأفريقية.

ومن أبرز جهود عبد الناصر في مجال التحرر الوطني، إنشاء لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وتوثيق الصلات مع زعماء التحرر الوطني وإنشاء الرابطة الأفريقية عام 1955 لتقديم الدعم لحركات التحرر، كما انضمت مصر كعضو مؤسس في لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963.

 

كما شاركت مصر في عهد "ناصر" بدور بارز في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية  في عام 1963 التي أصبحت في عام 2002 الاتحاد الأفريقي، شاركت مصر في مؤتمرات الدول الأفريقية التي سبقت قيام المنظمة في مايو 1963، ومنها أول مؤتمر للدول الأفريقية المستقلة في غانا عام 1958 الذي  ألزم الدول الأفريقية المستقلة بالاشتراك المباشر في تحرير قارة أفريقيا. 

هذه كلها حسنات نظام ناصر بامتيار لا ينازعه فيها أحد، لكن عبد الناصر اعتمد في نظامه السياسي على الحزب الواحد الذي كان معروفا حينها بالاتحاد الاشتراكي، معظم العاملون بالدولة عاملون به وكذلك الطلاب منتشر في الجامعات و القرى ويقوم بعمل مشابه للمجالس المحلية، كما أمم الشركات وحل الأحزاب  السياسية.

 

ولم يقبل عبد الناصر بوجود صحافة حرة تؤمن بما تقوله، فكان الرقيب العسكري في كل الصحف بعد تأميمها، كما أغلق عدد منها مثل جريدة المصري لصاحبها الكاتب أحمد أبو الفتوج، بحسب كتاب صحفيين عاصروا هذه المرحلة، و انتشرت فكرة الإجازة الفتوحة للصحفيين الذين بكتبون أي شيء قدي حمل نقدا للنظام.   

ورغم ذلك لم تقل شعبية ناصر بين الجماهير، إذ قال الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، في كتابه  الذي صدر مؤخرا بعنوان "أخيل جريحا.. إرث جمال عبدالناصر" ن زعامة ولدت زعامة جمال عبدالناصر فى أتون حرب السويس 1956، لكن هزيمة 1967 أثرت على نظام عبد الناصر وعلى صحته أيضا حتى وفاته في 1970.

 

وبحسب المفكر حسب شهادة المفكر الاقتصادى الراحل الدكتور محمود عبدالفضيل، كما أوردها السناوي في كتابه: بدأ النظام يعانى منذ صيف ١٩٦٥ من بعض علامات الإعياء، نظرا للمشاكل الناجمة عن حرب اليمن، التى أدت إلى ظهور بعض الضغوط التضخمية فى الاقتصاد، وعدم القدرة على استكمال الخطة الخمسية الثانية، وكان مخططا لها الفترة بين عامى ١٩٦٦ و١٩٧٠.

 

وبرزت هبَّات شعبية محدودة مثل اضطرابات مدينة دمياط، بالإضافة إلى بعض التناقضات الداخلية للنظام الناجمة عن الصراع الخفى بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر  آنذاك  وانعكاساته على مسيرة العمل السياسى ومستقبل منظمة الشباب، بحسب عبد الفضيل

«وأوضح عبد الفضيل في شهادته أن فى تلك الظروف نشطت مجموعات من المبعوثين المصريين فى مراكز عدة باريس ـ لندن ـ برمنجهام ـ موسكو ـ كاليفورنيا ـ بركلى، من أجل طرح رؤية نقدية للنظام من داخل التجربة بهدف تطوير مسيرته ودفعه إلى آفاق أكثر تطورا وانفتاحا وديمقراطية.

 

ومن ثم بدأ نظام ناصر يتداعي، فوفقا لحديث عبد الناصر ذاته في يوم 30 إبريل 1967 بحسب أوراق ماتبه المفضل والمقرب الراحل محمد حسنين هيكل، وأوردها السناوي في كتابه: إن الأزمة لم تعد أزمة أشخاص، إنما هى أزمة نظام، لقوى الاجتماعية والأفكار التى أطلقتها الثورة قد أصبحت أكبر من النظام السياسى الذى أقامت إن المستقبل يقتضى صيغة جديدة تماما، وأن الحزب الواحد فى هذه الظروف وهذا العصر أصبح لعبة خطرة.

اعلان