منعٌ وإخفاء أم ضبطٌ واحتواء؟..

عاصفة «بنت الجيران».. بين حشيش شاكوش وخلاعة الزمن الجميل

كتب:

فى: أخبار مصر

23:35 18 فبراير 2020
"من البدء، كانوا قلة، تتناثر مقاطعهم على قنوات إلكترونية محدودة، أصواتهم غريبة وموسيقاهم العالية تصخب في الآذان، وبعد سنوات قصيرة علا صوتهم وكثر جمهورهم، فأسّسوا لأنفسهم مجالًا من الغناء، لا شعبة له ولا لون في نقابة الغناء.. فقط اسمه المهرجانات".
 
في مصر، قامت الدنيا ولم تقعد بعد أغنية "بنت الجيران" لمطربي المهرجانات حسن شاكوش وعمر كمال، وللدنيا ما يبرر  لها ألا تقعد بعدما احتوت الأغنية الشهيرة على مصطلحات لا تليق بالذوق العام وهي كلمتي "خمر وحشيش"، لكنّ الجدل الراهن أثار كثيرًا من التساؤلات حول الدنيا التي لم تُحرك ساكنةً في القرن الماضي عندما امتلأت ساحة الغناء المصرية، بمطربين ومطربات هزّوا العالم صخبًا وأضيئت القاهرة بأنوار نجاحهم، لكنّ أعمالهم لم تخلُ مما يؤخذ على زمن المهرجانات الراهن من تعابير ما كان يجب أن تكون.
 
وبعدما شهدت الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية بزوغًا لنجوم شعبيين قُيِّموا بأنّهم يحافظون على الذوق العام، حلّ على الوسط الفني المصري على مدار العشر السنوات الماضية، نوعٌ جديدٌ من الغناء تقول نقابة الموسيقيين إنّه لا شعبه له داخل النقابة، وهو المهرجانات.
 
وفيما يتهم مطربو المهرجانات بأنّهم سببٌ رئيسٌ في تردي الذوق العام في المجتمع، فإنّه نجحوا في تكوين شعبية لهم في الوسط الفني، وهو ما توثّقه أرقام المتابعة لهم والتفاعل معهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أنّ قرار المنع يلزمه اتخاذ إجراءات ضرورية لضبط منظومة الغناء بشكل كامل.

 

 

وفي الأيام الماضية، لم يعلُ صوتٌ على الساحة صوت "بنت الجيران"، ذلك المهرجان الذي تضمّن مصطلحات غير مقبولة، وعلى الرغم من أنّ مطربيه قاما باستبدالها، لكنّ نقابة الموسيقيين كان قرارها حاسمًا، حيث أقبلت على ضبط هذه المنظومة من خلال منع غناء المهرجانات وعدم إعطاء أي تصريحات للعمل في هذا الإطار.
 
قرار النقابة التي يرأسها هاني شاكر يمكن القول إنّه جاء متأخرًا جدًا، حيث تركت النقابة على مدار السنوات الماضية الحبل على الغارب من أجل انتشار هذا النوع من الغناء، ولم تتخذ من يلزم على الرغم من كثير التحذيرات والتنبيهات التي شدّدت على ضرورة التدخل الحاسم والحازم من أجل ضبط هذا اللون من الغناء، طالما أنّه نجح في استقطات كثيرٍ من المعجبين.
 
الجدل الذي أثير مؤخرًا، تعلّق تحديدًا بما يجب أن تتخذه النقابة مع مغني المهرجانات بين ضبط منظومة هذا النوع من الغناء، أو منعهم من العمل بشكل نهائي، وهو أمرٌ قد يدفعهم للعمل من وراء ستار.
 
وقبل أن تؤكّد عدم تضامنها مع حسن شاكوش، تقول الكاتبة عزة حسين :"أم كلثوم غنت "الخلاعة والدلاعة مذهبي.. من زمان أهوى صفاها والنبي، والذي كتب هذه الكلمات الشيخ يونس القاضي مؤلف نشيد بلادي، وبعدها تولى الرقابة على المصنفات".
 
وأضافت: "الست منيرة المهدية أغانيها كانت حاجة تودي بوليس الآداب".

 

 

ويرى الأستاذ الجامعي والفقيه الدستوري نور فرحات أنّه ليس من حق أحد منع الغناء حتى ولو كان الغناء هابطًا ومنحطًا.
 
فرحات يقول عبر صفحته على موقع "فيسبوك":"كل الشعوب تعرف أنواعا من الغناء السوقي والماجن يغنيها أشخاص لا حظ لهم من الطرب . وتاريخنا حافل بهذا الغناء السافر الخليع، والصبية في أحيائنا الشعبية يغنون أغان كلها فجور ومجون بل وعنصرية، الغناء تعبير عن وجدان جماعي أو فردي حتي ولو كان الوجدان سقيما".
 
ويضيف: "الحديث لا يجب أن يتناول أهل الغناء وجمهورهم بل يتناول دور الدولة، فإذا كان الغناء منحطا سافلا فيجب أن تتسامي الدولة عن السفالة والانحطاط، وأن تعي دورها في تهذيب الأذواق".
 
وتابع: "أما أن تتبني الدولة أو حزب محسوب عليها حفلا يروج فيه مطربوه للقيم الهابطة وتذيع ذلك في أجهزتها الإعلامية من أكبر ساحاتها الرياضية فهذا هو السفه بعينه والغيبوبة في أوضح صورها..لا للدولة الغائبة".
 
من جانبه، قال الناقد الفني محمود فوزى إنّ أغاني المهرجانات فرضت نفسها بشكل كبير جدًا على الذوق العام فى الفترة الأخيرة، وأصبح لها جمهور يتابعها، معتبرا أن قرار منع ظهور المهرجانات شيء مغلوط.
 
وأضاف في تصريحات تلفزيونية: "الممنوع دائمًا مرغوب.. يجب تقنين الوضع وليس المنع، لأن ظاهرة المهرجانات فرضت نفسها على الساحة وستظل موجودة شئنا أم أبينا".
 
وأشار إلى أنّ مطربي المهرجانات يسجلون الأغنية بمجهودهم الذاتي، دون أي تصريح رقابي أو نقابي لطرح الأغنية، لافتًا إلى أنّ الخطوات القانونية لصناعة الأغانى يجب أن يحصل فيها المؤلف على تصريح لكلمات أغنيته قبل أن يتنازل عنها للمطرب.
 
وتابع: "مشكلة أغاني المهرجانات هى مشكلة كلمات، وكلها تدور فى فلك الخيانة والحب وأخذ الحق بالذراع والقتل والسلاح، الأمر الذي يمكن معه تصنيف جمهور المهرجانات يكون النسبة الأكبر منه المهمشين وغير المتعلمين"، مشددًا على ضرورة الرقابة على الكلمات وأخذ الخطوات القانونية لطرح الأغنية، وليس منع المهرجانات.

 

 

كل هذا الجدل الدائر على الساحة يعيد للأذهان ما حدث في زمن الفن الجميل، ذلك الزمن الذي غدا فيه اللَّحن الجميل ممزوجًا بصوت عذب يميز صاحبه، وكلمات ذات معنى وقيمة، سواء تغنت بالعامية أو اللغة العربية الفصحى كانت تعزف على وتر الوجدان، فتبعث بركانًا من الأحاسيس، فتنصت إليها في انسجام تام، لكن حتى هذا الزمان لم يخلُ مما وُصفت على صعيد واسع بـ"أغاني الخلاعة والإباحية"، ولعل المأخذ الأكبر ألا رقيبًا تدخَّل لا "هاني شاكر" كان في هذا الزمان.
 
ويقول الكاتب والباحث أيمن عثمان، صاحب موسوعة تراث مصري، إنّ أغاني الخلاعة التي انتشرت في السنوات الأخيرة ليست جديدة، فقد عرفت مصر مثل هذه الأغاني وأكثر في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
 
ويضيف: "في العشرينات انتشرت أغاني العوالم والخلاعة، وراجت الطقاطيق التي لا تخلو من ألفاظ ومعان خادشة للحياء، مثل حِلِف إنه يمتعني للمطرب عبداللطيف البنا، وعاشق وليه تلوموني وبين النهود واحملوني للمطرب صالح عبدالحي".
 
كوكب الشرق أم كلثوم تغنّت بـ"الخلاعة والدلاعه مذهبي"؟، وقد احتوت على إيحاءات جنسية، وأثارت جدلًا كبيرًا في الأوساط الفنية حينها، حتى اضطرت أم كلثوم إلى سحب الأسطوانة من الأسواق، وبعد اعتراض شركة التسجيل أعادت تسجيل الأغنية لـ"أنا اللطافة..والخفة مذهبي".
 
لا يقتصر الأمر على أم كلثوم، فالمطرب محمد عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة "كليوباترا" تغنّى قائلًا "ليلنا خمر وأشواق تغني حولنا"، أمّا سيد درويش فقد اختار اسم "طقطوقة الكوكاكين" وقد قال فيها "هو إنت شريكنا حتى في مناخيرنا.. إيش عرفك إنت يادونكي"، والمطرب عبد الرحمن محمد غنى في "أصابك عشق" قائلًا "ألا اسقني كاسات وغنّى لي".
 
ولأنّ المجال لن يتسع لذكر كل الأمثلة التي سقطت في مستنقع الكلمات الهابطة التي تنال من الذوق العام، فقد كان في زمن الفن الجميل مطربون ومطربات تخطّوا كل الخطوط الحُمر ولم يكتفوا بمصلطحات عابرة، بل تغنوا بـ"الإباحية" في مجتمعٍ يقال إنّه محب للدين وحريصٌ على الذوق العام، وأشهر هؤلاء المغنية بهية المحلاوي التي رسخّت جانبًا رئيسًا في "خلاعة زمن الفن الجميل".
 
ومن الأغاني التي كانت تحمل معاني إباحية "شفتي بتاكلني أنا في عرضك خليها تسلم على خدك" لفاطمة رشدي، و"احرص مني إوعى تزغزغني جسمي رقيق ما يستحملشي" للمطرب محمد عبدالمطلب، و"إيه اللي جرى ف المندرة، و"تلبس وتقلع شيفتشي" لسيد درويش.
 
أما الست منيرة المهدية فلها العديد من الأغاني الجريئة التي لم تخل من الإيحاءات والكلمات الجنسية، ومنها "ارخي الستارة اللي في ريحنا أحسن جيرانك تجرحنا"، و"مستنظراك ليلة التلات بعد العشا.. تلقى الحكاية موضبة.. بإيدي قايدة الكهربا.. واقعد معاك على هواك ولا فيش هناك غيرنا وبلاش كتر الخشا".
 
وغنت نعيمة المصرية "تعالى يا شاطر نروح القناطر"، من كلمات يونس القاضي، وألحان الشيخ زكريا أحمد، وتقول فيها "هات القزازة واقعد لاعبني .. دي المزة طازة والحال عاجبني".
 
وفي عام 1985، صدر حكم بسحن أحمد عدوية بعد غنائه "لابس جبه وقفطان وعملي بتاع نسوان" في كازينو ليلى في شارع الهرم، رغم أنه تغنى بها في الثلاثنيات صالح عبد الحي، ومن بعده الشيخ سيد مكاوي .
 
كما أنّ عبد الحي أفندي، تغنى على لسان الأنثى، ويقول :"وإن كنت خايف من جوزي، حشاش وواكل داتورة، وإن كنت خايف من البواب، أعمى ورجله مكسورة".

اعلان