«جبر الخواطر على الله».. ملحمة لإعادة الضحكة لـ«عروس» عقار جسر السويس المنهار

العروسان أمام عقارهما المنهار "تصوير آخرون"

حبيبان في مُقتبل العمر عكفا على مدار أيام وشهور طوال على تجهيز عش الزوجية الخاص بهما، لم يكن الأمر هينًا على الإطلاق فقد التهمت تلك التجهيزات الكثير من وقتهما وجهدهما وأموالهما أيضًا التي ادخراها من أجل هذا الحلم أملًا في أن يجمعهما سقف واحد، وبالفعل في نهاية المطاف تكلل تعبهما بالنجاح وأقيمت الأفراح وليالي الملاح واستقر العروسان في بيتهما الجديد إلا أن اقامتهما لم تدم به طويلًا..   

 

فلم يمر سوى بضعة أشهر منذ عقد قرانهما، حتى وقع ما لم يكن في الحسبان، ففي غضون لحظات تحول عش الزوجية إلى سراب بعد انهيار مفاجئ للعقار صبيحة ذات ليلة، في حادث هز أرجاء القاهرة عرف بـ " انهيار عقار جسر السويس"، الذي خلف وراءه عشرات الضحايا والمصابين.. 

 

 

"جدعنة" المصريين

 

لم يبق للحبيبان اللذان نجيا بأعجوبة من موت مُحقق سوى بقايا فستان فرح وبضع صور محطمة لليلة العمر بين الركام أما كل شئ فلم يعد له وجود أو آثر في المكان..وقفت العروس برفقة حبيبها في صدمة بمحيط عقارهما الشاهق الذي اضحى في مستوى الأرض في غمضة عين.. وسط دموع أخذت تفيض من عينيها حسرة على شقى عمرهما ورحلة مرهقة قطعاها سويًا من أجل تجهيز "شقة العُمر"..  

 

قصة عروسي عقار جسر السويس المنهار تصدرت المشهد حينها وتأثر بحكايتهما كل من علم بتفاصيلها، ولكن من قلب المحنة ولدت المنحة ورُب ضارة نافعة، فقبل ساعات ظهرت مروءة وجدعة "ولاد البلد" التي تتجلي في الأزمات والشدائد فعبر فضاء موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" انطلقت مبادرة من احدى الشركات المتخصصة  في بيع المطابخ، حيث اعلنت عن  تقديم مطبخ هدية للعروسان "سامح وإسراء" من أجود أنواع الأخشاب.. و جاء نص منشورها: "مطبخ من افضل الخامات في السوق المصري مجانا 100٪ الشقة عليكم والمطبخ علينا".. 

 

 

كما دعت الشركة التي اطلقت المبادرة باقي الشركات للانضمام لهذا التحدي لمساعدة الشابان في إعادة تجهيز عش زوجية بدلًا من ذاك الذي تحول لكومة من التراب،  وهو ما حدث بالفعل بحسب المنشور المتداول من جانبها،  فسرعان ما انضم  الكثيرون معلنون تطوعهم. 

 

 

 

فما بين من اعلن رغبته في تقديم الأجهزة الكهربائية للحبيبان، ومن ابدى استعداده لمنحهما أثاث البيت كهدية لهما وثالث تطوع بالسجاد، وفريق آخر قرر تقديم شهر عسل أسبوع في دهب لهما، ومجوعة أخرى تطوعت بتجهيز دورة المياه وأخرى اعلنت استعدادها لانهاء كهرباء الشقة.

 

لم تقتصر قائمة الهدايا على الشركات ولكن قرر مواطنون كثر المشاركة وهو ما ظهر عبر تعليقاتهم على منشور المبادرة،  فمنهم من عرض تقديم ملابس البيت كاملة للعروس وآخر صاحب محل دون تعليقًا جاء نصه: "وأنا قبلت التحدى بال اقدر عليه، ٥ شوزات و٥ شنط من احسن الماركات أو اى ١٠ حاجات هتختارهم العروسة وكلهم براند هاى كوبى، وياريت توصلونى بيها أو بزوجها عشان ابعتلها الصور تختار عشان مش عارف اوصلهم". 

 

"معاكم في تنفيذ الستاير .. ممكن اشارك بمجموعة من العطور والبخور.. جاهزين بمرتبة هدية للعروسين.. واحنا كمان حابين نشارك في تحدي الخير .. فستان من اختيار العروسة يوصلها لغاية عندها.."؛ عبارات على هذه النحو وغيرها الكثير عبر من خلالها مواطنون عن رغبتهم في المشاركة في هذا التحدي من أجل إعادة البسمة لـ "سامح وإسراء" بعد انهيار العقار.

 

 

بداية القصة 

 

تعود بداية القصة للسابع والعشرين من مارس الماضي؛ فلم يكد الحديث ينتهي عن حادث قطاري سوهاج حتى فوجئ الجميع بعده بساعات قليلة بانهيار عقار جسر السويس، وسط محاولات لانتشال القاطنين به..

 

فمع دقات الثالثة فجرذاك اليوم، استيقظ قاطنو جسر السويس، على انهيار عقار مكون من بدروم وأرضي و9 طوابق متكررة على رؤوس من فيه،  بشارع الثلاجة تقسيم عمر بن الخطاب بجوار محطة مترو عمر بن الخطاب (حي السلام 1)، ففي غضون لحظات تحولت تلك البناية إلى كومة من التراب وتم انتشال 24 جثمان من تحت الأنقاض و25 آخرين مصابين والبحث عن ساكن مفقود. 

 

 

صلة الرحم تنقذ العروسان

 

حينها لم يكن العروسان حديثي الزواج "سامح وإسراء"  في تلك الليلة بالعقار حيث اتفقا على زيارة اسرتهما مع نهاية كل أسبوع نظرًا لأن والدة "سامح" متوفية وكذلك والد إسراء لذا قررا أن يظلا على تواصل دائم مع أهلهما بمركز السنطة التابع لمحافظة الغربية..

 

وبالفعل يوم الحادث كانت اسراء عند والدتها برفقة سامح في زيارتهما الأسبوعية المعتادة، إثر مغادرتهما مسكنهما الذي تحول لركام قبلها بساعات.. 

 

 وقع خبر انهيار عقار جسر السويس أمام اعينهما، حينها تخلل إلى نفوسهما بعض القلق فالمواصفات تطابق تلك البناية التي يقطناها، وتأكدا بعد الاعلان عن تفاصيل العنوان وتداول اسم الشارع.. 

 

كان وقع الصدمة كبيرًا؛ وسرعان ما حزم الحبيبان حقائبهما وهرولا إلى حيث يوجد عش الزوجية الخاص بهما، ولكن حينما وصلا وجدا تلك اللعبة التي قاما بشرائها يومًا ما مُلقاه في قارعة الطريق، أمام منزلهما الذي تحول لكومة من التراب، تقول العروس: "كل حاجة راحت وشقى عمرنا .. كل حاجة في البيت اخترتها  بنفسي بمعنى الكلمة زي اي بنت من أول المعلقة لحد التليفزيون كل حاجة،  ولفيت وجبتها بنفسي..احنا مش عارفين المفروض نعمل ايه او ايه الخطوة الجاية". 

 

"دلوقت مفيش عفش .. مفيش شقة .. مفيش ذكريات"؛ بتلك الكلمات استكلمت العروس حديثها خلال لقائها المتلفز وقت الحادث حيث التقط زوجها أطراف الحديث قائلًا: "الآن نحن نقيم عند شقيقتي ولا ندري ما هي الخطوة القادمة". 

 

 

أسباب الحادث 

 

تباينت الروايات حول أسباب انهيار العقار إلا أن النيابة العامة اصدرت بيانًا مطولًا افادت فيه

أن قاطني العقار المصابين اجمعوا خلال التحقيقات عن وجود مصنع ملابس بالبدروم  وطابقه الأرضي واستمرار عمله رغم اصدار الجهة الإدارية قبل أيام من الحادث قرارًا بغلقه نظرًا لإدراته بدون ترخيص، حيث تحول إلى منفذ لبيع الملابس بعد إغلاقه. 

 

وأفاد السكان الناجون أن صاحب المصنع كان يُجري حتى وقت وقوع الحادث، أعمال تركيب رخام بسلم ومدخل العقار، أما أهالي المتوفين فاتهموا مالك العقار بتسببه بإهماله في انهيار"عمارة جسر السويس". 

 

وكشف السكان ممن تصادف وجودهم خارج العقار وقت الحادث عن قيام صاحب المصنع في البدروم والطابق الأرضي بأعمال توسعة وهدم لجدران بالطابق الأرضي، وحدثت حينها مشادة فيما بينه وبين رئيس اتحاد الملاك لمطالبته بوقف تلك الأعمال، 

 

فيما شهد رئيس حي السلام أول خلال التحقيقات ومدير التنظيم بالحي بارتكاب ورثة مالكه مخالفات بناء به خلال الفترة من 2013 وحتى عام 2017،  وتحويل نشاط بدرومه وطابقيه الأرضي والأول من نشاط سكني لتجاري بإنشاء مصنع ملابس به. 

 

وتم الاشارة إلى اتخاذ الاجراءات القانونية حيال تلك المخالفات قبل الحادث من خلال تحرير محاضر وإصدار قرارات بإيقاف الأعمال المخالفة وإزالتها دون تنفيذها.

 

وفي سبتمبر 2020؛ تقدم أحد الورثة بطلب للتصالح عن تلك المخالفات، أرفق به تقريرًا هندسيًا استشاريًا وآخر بشأن سلامة العقار أفادا بصلاحيته للإشغال وعدم خطورتته على الأرواح،  ولم تفصل الجهة المختصة في الطلب حتى تاريخه، ثم في مارس الماضي صدر قرار بإغلاق المصنع لإدارته بدون ترخيص. 

 

 وأفاد ضابط بإدارة شرطة المرافق بالقاهرة بمكتب السلام، بإغلاق المصنع بعدما تبين إدارته وتشغيله بدون ترخيص، ومن جانبها شكلت النيابة لجنة ثلاثية لمعاينة الأنقاض للوقوف على أسباب وقوع الحادث، وأمرت بضبط وإحضار مالك العقار والمسئولين عن مخالفات البناء ومالك مصنع الملابس.. 

 

 

 

 

مقالات متعلقة