النهضة تفصل السياسة عن العمل الدعوي.. لماذا الآن؟
قبيل أيام من المؤتمر العام العاشر لحركة النهضة التونسية المنتظر عقده في الـ 20 من مايو الجاري، اتجهت حركة النهضة التونسية لفصل العمل السياسي للحزب عن الأنشطة الدعوية، ليكون نشاط الحزب سياسيًا بحتًا، في حين يقتصر العمل الدعوي على الجمعيات المدنية فقط.
خطوة النهضة بفصل السياسة عن الدعوة وصفت بالغامضة، في حين رآها البعض الآخر بأنها استجابة لانتقادات أنصار السبسي، رغم تعايش قيادات النهضة مع حزب نداء تونس الحاكم.
قرار مجلس شورى حركة النهضة التونسية أثار العديد من التساؤلات الهامة، ما الهدف من هذا القرار؟ ولماذا الآن؟ وهل الحركة تتخوف من أن تلقي مصير الإخوان بمصر؟ وما تأثير القرار على الحركة وعلى نداء تونس؟ وهل ستنجح الحركة في الحفاظ على تماسكها الداخلي التاريخي وانضباط المنضوين فيها؟ وهل القرار يعد إصلاحا لأوضاع الحركة داخليا وخارجية؟
الحقوقى التونسي والكاتب العام للمرصد التونسي لاستقلال القضاء عمر الوسلاتي قال، إن هناك تغييرا جذريا في الحركة قاده رئيسها وذلك بالتوجّه نحو خيار السياسة وفصل الدعوي وكل ذلك فرضه الواقع الدولي والإقليمي.
أخطاء الماضي
وأوضح الوسلاتي لـ"مصر العربية" أن النهضة أرادت أن لا تعيد أخطاء الماضي وأن تعلن صراحة أنها حركة سياسية بقبولها بكل القوانين وخاصة منها المتعارضة مع مبادئها وخطها السابق، وقد تواجه معارضة من قواعدها ولكن دهاء الشيخ راشد الغنوشي قد يقلل من ذلك ربما بعد وفاته قد يحصل تصدع في الحركة.
وعن تأثير القرار على الحركة وعلى نداء تونس، أشار القاضي التونسي إلى أن قرار الحركة بالفصل السياسي عن الدعوي أعتقد أنه خيار سليم، وخروج الحركة من الخط الإخواني قد يساعد جزء من الشعب القبول بها كحركة سياسية أنها الآن في حالة تعايش مع نداء تونس وليس تحالف.
من جهته، اعتبر رئيس مجلس شورى حركة النهضة فتحي العيادي أن قرار تخصص الحركة في الشأن السياسي والعام يعد أمر استراتيجيا، سيدشن مرحلة جديدة.
وتحدث عدد من قياديي النهضة عما أسموه التخصص الوظيفي للحركة، وهو ما فسره العيادي بـ"تخصص النهضة كحزب سياسي مدني ديمقراطي متأصل في هويته الإسلامية".
وبين أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أن الحزب سيتحول عن هويته الإسلامية وأفكاره الإسلامية إلى فضاء آخر ومساحة أخرى كما يقول البعض، وكأن الحركة ستصبح علمانية.
فصل سياسي
أما وزير الخارجية التونسي السابق عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة رفيق عبد السلام، فرأى أن قرار فصل الجانب السياسي عن الدعوي يعد "من محطات التطور التي تمر بها النهضة".
وبيّن في تصريحات تلفزيونية، أن الحزب سيتفرغ للعمل السياسي، بينما تحال بقية الأنشطة إلى المجتمع المدني، وذكّر بأن النهضة التي نشأت حركة دعوية دينية في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ثم تحولت إلى حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981 مع توجه نحو العمل السياسي الحزبي، ومع أواخر الثمانينيات شهدت الحركة تطورات بتحولها إلى مسماها الحالي حركة النهضة.
وقال عبد السلام إن النهضة تتخذ هذا التوجه الجديد في ظل التطورات السياسية النوعية التي تشهدها تونس، حيث كانت في السابق تواجه نظاما شموليا، أما اليوم فإن الحركة تتجه للتخصص الوظيفي في إطار "حزب مدني يعتمد المرجعية والثوابت الإسلامية والعربية للبلد".
وحسب عبد السلام تتجه المجتمعات الحديثة للتخصصات الوظيفية، وهو ما يفرض على الأحزاب السياسية أن تسير في نفس التوجه، وقال إن في تونس اليوم مجتمعا مدنيا ودولة ديمقراطية، إضافة إلى أن الدستور التونسي في صيغته الجديدة يمنع الجمع بين العمل الحزبي والعمل الجمعياتي.
ويضيف أن قرار الفصل بين ما هو سياسي ودعوي طرح للنقاش الداخلي في الحركة منذ أكثر من سنة ونصف، وفي ظل تأكيد على أن الحركة لن تتعلمن، وهناك قناعة لدى قياديي النهضة على أن الوقت قد حان لرسم سياسات جديدة للتجربة السياسية الإسلامية، حسب قوله.
ضغوط خارجية
في حين، يرى البعض أن هذا القرار قد يكون تكتيكيا وجاء نتيجة ضغوط خصومها ونتيجة للتحولات الداخلية والإقليمية أكثر مما هو نابع عن قناعات ومراجعات داخلية، وهو ما قد يخلف بعض المشكلات الداخلية، حسب مراقبين.
وكان رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، أعلن، أن حركته بصدد التحول إلى حزب يتخصص في العمل السياسي.
وفي تصريحات للصحفيين، على هامش انطلاق فعاليات الدورة الـ46 لـ"مجلس شورى حركة النهضة"، في مدينة الحمامات، شرقي تونس، قال الغنوشي، إن حركة النهضة "متجددة".
وأضاف "نحن بصدد التحول إلى حزب سياسي يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب، بما في ذلك النهضة".
ولم يقدم الغنوشي، في تصريحاته، توضيحات أخرى بشأن تصوراته لفصل الشق السياسي عن الدعوي في الحركة.
وتأسست حركة النهضة عام 1972 باسم "الجماعة الإسلامية"، ثم غيرت اسمها لحركة الاتجاه الإسلامي، وفي عام 1989 غيرت اسمها إلى "حركة النهضة".
وتعرضت للقمع والاضطهاد في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وسجن عدد من قادتها وهجّروا لسنوات طويلة، ولكنها عادت لتتصدر المشهد السياسي التونسي بعد الثورة التي أطاحت بنظام بن علي عام 2011.
اقرأ أيضا: