بـاعتقال نوابهم.. هل تتخطى تركيا عقبة الأكراد؟
من جديد ارتبك الشارع السياسي التركي، عقب اعتقال حكومة أنقرة لرئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرتاش وبعض نواب حزبه، واتهامه بدعمه للإرهاب، أعقبه تعليق الحزب نشاطه التشريعي، وسط انتقادات لبعض الدول الغربية.
الصدام بين تركيا والأكراد مؤخرًا بلغ ذروته، مما دفع أنقرة لرفع حالة الاستعداد القصوى تحسبًا لهجمات كردية ضد منشآت حكومية ومدنية، ما ينذر بأن صوت السلاح بات أعلى من صوت الساسة.
تهم الاعتقالات التي أعلنتها تركيا ضد الشعوب الديمقراطي المعارض ليست بالهينة، فهي تتعلق بدعم الإرهاب والدعاية له، أي أن الدولة التركية أعلنت القطيعة مع الحزب السياسي الكردي الوحيد، ما يؤكد استمرار الصراع بين الجانبين.
وأعلن حزب الشعوب الديمقراطي التركي تعليق نشاطه التشريعي بعد اعتقال زعيميه ونواب آخرين من الحزب في إجراء أثار انتقادات دولية..
وأكد الحزب وهو ثاني أكبر حزب معارض في برلمان تركيا أن نوابه لن يشاركوا في جلسات البرلمان أو الاجتماعات الخاصة باللجان البرلمانية.
المراقبون يرون في تصريحاتهم لـ"مصر العربية" أن تركيا ستكون الرابح الأبرز في صدامها مع الأكراد، بعد اتهامهم بدعم الجماعات المسلحة PKK، فأنقرة الآن باتت قريبة جدا من التخلص من الصداع الكردي، وتغيير نظامها إلى رئاسي.
في حين يرى آخرون أن تصعيد أنقرة في الوقت الحالي قد يعيد مطلب الانفصال الكردي وبقوة، خاصة إذا وضعنا ظروف المرحلة الحالية على الطاولة، فالأكراد في المنطقة يعيشون أزهى مراحل قوتهم في الحرب على داعش والتحالف مع واشنطن، فيما تبدو تركيا مشتتة على عدة جبهات خارج البلاد وداخلها.
صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي
وبحسب متابعين فإن بقاء الأكراد في البرلمان يمثل عقبة كبيرة أمام مساعي حزب العدالة والتنمية لتعديل الدستور، أولا لأن مقاعده قدت من حصة الحزب الحاكم، وثانيا خلق تواجد الأكراد في البرلمان هوة واسعة بين العدالة والتنمية والحركة القومية بزعامة دولت بهتشلي الذي لم يخف رفضه لعملية السلام مع الأكراد، وبالتالي أصبح الحزب الحاكم مضطرا ربما لاستئصال حزب الشعوب إذا ما أراد كسب الحركة القومية في معركة تغيير النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي، وربما ذلك ما يفسر لقاء أردوغان بدولت بهتشلي قبل يوم من شن حملة الاعتقالات التي طالت قيادات حزب الشعوب الديمقراطي.
مصطفى زهران المحلل السياسي والمتخصص في الشأن التركي قال، "لاشك أن المتبصر للحالة الكردية بشقيها السياسي والميليشاوي في الداخل التركي يجد أنها شديدة التعقيد والحساسية في آن معا. فمنذ اعتلاء حزب العدالة والتنمية السلطة في 2001 ،كانت إيذانا بانفراجة كبيرة للحالة الكردسية السياسية في أن تعيد تموضعها في الداخل التركي".
وأوضح لـ"مصر العربية" إذ لم يكن لدى الساسة بالحزب أي مشكلة في أن يكون للأكراد حرية الممارسة السياسية، بل إن العدالة والتنمية ذاته كان يحمل أسماء كردية هامة على رأسها على سبيل المثال طه أوزهان، الذي يعمل مستشارا للرئيبس التركي رجب طيب أردوغان الآن، فضلا عن آخرين.
وتابع أن الحالة الكردية الميلشياوية ممثلة في حزب العمال الكردستاني ما هي إلا مخاض الممارسة السلطوية لجيش مارس شتى أنواع الاضطهاد إزاء الكرد، لذا حرص القادة الأتراك في حزب العدالة والتنمية أن يعطوا للأكراد فرصة للتعبير عن أنفسهم داخل القنوات الشرعية التركية، وسعى رجب طيب أردغان عندما كان رئيسا للوزراء إلى هدنة مع حزب العمال الكردستانى وهيئت البلاد لمصالحة تاريخية
عقب لقاء الساسة الأتراك بـ عبد الله أوجلان زعيم تلك الميليشيا، إلا أنه ومع تحولات الربيع العربي شهدت الحالة التركية الكردية متغيرات عدة أهمها:
أن العاملين السياسيين في الحالة الكردية لم يكونوا بمعزل عن الأعمال الإرهابية التي قام بها حزب العمال الكردستانى في العامين الماضيين، بل بارك عمليات الحزب في أكثر من موضوع حتى خارج الحدود بنسخته السورية الأخرى
ولكن ما زاد الطين بلة هو انفتاح الساسة الأكراد على الداعم الدولي الجديد "الولايات المتحدة الأمريكية"، ومحاولة الاستقواء بهم عبر توظيفهم لخدمة أغراضهم وهى علاقة براماتية من الناحيتين الأمريكية والكردية.
تظاهرات منددة باعتقال نواب الشعوب الديمقراطي
وتابع، "ما دفع الأكراد - أقصد هنا بضع شخصيات سياسية وحزب العمال الكردستانى - إلى الانقلاب على ثوابت الدولة التركية ومحاولة زعزعة استقرارها خاصة في ظل استهانتهم المتكررة للقضاء التركي وعدم الاعتراف به، حينما تم توقيف بعض قيادات حزب الشعوب الديمقراطي، وارتكانهم إلى الظهير الأمريكي إلى أن وجدوا فيه مسوغا وداعما للعب دور في مستقبل الأكراد السياسي والعسكري من خلال تهيئة المناخ السياسي بما يسمى بحق تقرير مصير الكرد التاريخي..
فهو في مجملة خروجا على النسق التقسيمي والوطني التركي وانقلابا على الهوية الجامعة التركية التي ينتمي إليها ملايين الكرد خاصة وأن هؤلاء الساسة يعبرون عن أنفسهم فقط وغير مخول لهم أن يعبروا عن هؤلاء الأتراك الكرد في الجنوب التركي ومناطق أخرى من البلاد.
بيد أن تركيا الجديدة بعد الانقلاب الفاشل الكلام لا يزال على لسان زهران، والذي أكد أنها تختلف جملة وتفصيلا عن تركيا القديمة، خاصة بعد أن أصبحت لاعب إقليمي رئيسي، ليس في سوريا وفقط أو العراق، بل في منطقة الشرق الأوسط بأكمله، وإذا كان الكرد ينتشرون لوجود الداعم الأمريكي في هذه اللحظة إلا أنهم لا يعون طبيعة الدولة التركية الجديدة، وحجم الحرص من قبل اللاعب الأمريكي بعدم الدخول في صدام مع الدولة التركية التي تقف على أرض صلبة وذات قوة حقيقية وأصبح لها دورا خارج نطاقها الإقليمي..
وأكمل، أنه بأي حال من الأحوال فإن المراهنة على الولايات المتحدة الأمريكية على الأكراد والعكس هي مراهنة وقتية نفعية لن تؤتي ثمارها بشكل سريع وتتسم بالمد والجزر، ولن تبقي أثرا طويلا ما يعنى أن المحاولات الكردية الساعية لتدويل قضيتهم هي مساع لن تسمن أو تغنى من جوع.
من جهتها، رأت الناشطة السياسية التونسية إيمان الطبيب أن مشهد التوافق و الوحدة الوطنية بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة بعد ليلة المحاولة الانقلابية 15 يوليو، كان رائعا ومميزا حقّا إلا أن قرار الحكومة التركية باعتقال 12 من نواب حزب "الشعوب الديمقراطي " الكردي، ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان والتحقيق معهم في تهم تتعلق بالإرهاب، ينبئ باختلال الوفاق الوطني الذي كنا نراه حُلم كل بلد عربي.
واعتبرت الطبيب خلال تصريحاتها لـ"مصر العربية" أن لحزب الشعوب الديمقراطي علاقة وطيدة بمنظمة ال PKK الإرهابية -حزب "العمال الكردستاني" - إذ أنه لم يندد بأي عملية قامت بها منظمة "بي.كا.كا" التي تتصرف وفق التعليمات القادمة إليها من الولايات المتحدة الأمريكية بل ويدعمها ماليا، و أنه من واجب الحزب الحاكم اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة من أجل التصدي لكل من تسوّل له نفسه الإخلال باستقرار البلاد - كائنا من كان -ولن تشفع له حصانته البرلمانية ولا السياسية إذا ما تعلق الأمر بوحدة الشعب وأمنه.
وأضافت، "أعتقد أن أردوغان تمكن من ضرب عصفورين بحجر واحد بمعركته مع حزب الشعوب الديمقراطي: عملية أمنية وسياسية في آنٍ واحد، وتطهير البلاد من الإرهاب والقضاء على عدوه اللدود حزب العمال الكردستاني وكل من يقف في صفه ودحض أي محاولة لتأسيس حكم كردي ذاتي مستقل.
وأيضا، فرض خيار الانتخابات النيابية المبكرة عن طريق حظر حزب الشعوب الديمقراطي الذي استحوذ على 13% من مقاعد البرلمان، واعتبرت اقتطاعًا من حصة حزب العدالة والتنمية وحالت دون تمكينه من الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان لتحقيق حلمه بتغيير النظام البرلماني إلى رئاسي فيصبح الرجل الأوحد صاحب الكلمة الأعلى في البلاد و تشكيل حكومةٍ غير ائتلافية.
وتابعت السياسية التونسية أن الصراع التركي الكردي الآن صالح أردوغان وحزبه بالأساس إذ أنه في حال القيام بانتخابات مبكرة تطيح بالأكراد فإنه لا يوجد قوة رابعة غير الأكراد تستطيع المنافسة واجتياز حاجز الـ10٪ لدخول البرلمان، وبالتالي تقاسم مقاعد نواب الأكراد بين الأحزاب الثلاثة: العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وترتفع حصصهم في البرلمان.
وأشارت إلى أن حزب العدالة والتنمية سيتمكن من تأمين الأصوات اللازمة لعرض التغيير الدستوري على الاستفتاء الشعبي العام ويحصد الجزء الأكبر منها، وربما يتمكن من الحصول على دعم من حزب الحركة القومية المعارض خاصة بعد أن باتت علاقتهما تشهد تقاربا غير مسبوق، تطور عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ومساندته الواضحة لإجراءات الحكومة ضد المتمردين الأكراد والضالعين بمحاولة الانقلاب فيتمكن الحزب الحاكم من تأمين ثلثي مقاعد البرلمان وبالتالي تمرير الدستور الجديد من خلال البرلمان دون الحاجة للاستفتاء الشعبي.
في حين، قال المحلل السياسي السوري عمر الحبال إن الصدام التركي الكردي غارق وعميق ومتجذر من أواخر أربعينيات القرن الماضي على الأقل عبر مذكرة احتجاج قدمت للأمم المتحدة عام 1949 وتحدثت عن الحقوق الكردية في العراق وإيران وتركيا دون ذكر لسوريا لعدم وجود قضية كردية بالأساس في سوريا.
وتابع لـ"مصر العربية" قائلا: "نعرف أنه في شمال سوريا ظهرت مشكلة الأكراد بعد استفتاء عام 1962 والذي وجد في شمال سوريا حوالي 21 ألف ممن دخلوا إلى سوريا هربا بسبب المعارك في تركيا والعراق وبعضهم كان يحضر كعمالة مؤقتة ويعملون بنظام "المرابعة" وهي زراعة الأرض مقابل الحصول على ربع الإنتاج.
"اليوم وصل عدد هؤلاء مكتومي الجنسية إلى حوالي مائتي ألف أو أكثر دون إيجاد حل من قبل حكومات الاستبداد العسكرية التي استخدمتهم ولازالت تستخدمهم كل الدول المتدخلة بالثورة السورية كبندقية جاهزة للإيجار مع وعود وهمية غير قابلة للتطبيق بالغلبة للقوة العسكرية لأقلية عرقية مقابل غالبية ساحقة عربية في المنطقة ودون وجود تضاريس مثل إيران والعراق وتركيا لتتحصن فيها تلك القوة الطامحة لاقتطاع جزء من سوريا.
وأضاف، "اليوم بعد إن فشلت سياسة الولايات المتحدة بإيجاد قوة عربية تشاركها مشروعها الذي تدعيه في محاربة داعش في شمال سوريا دون محاربة عصابات الأسد التي هي سبب ورأس الإرهاب في سوريا ودول الجوار, فوجدت في الأكراد ما تطمح إليه كقوة رخيصة التكلفة مقابل وعود وهمية خبروها مرات عديدة عندما تتراجع عن تبنيها لهم مع كل هجمة ضغط تركية على سياسة أمريكا في الشمال السوري.
وأشار الحبال إلى أن معركة الرقة تأتي اليوم والحالة الميدانية دوليا ومحليا مهيأة لتكون الرقة و الضجيج الإعلامي أكبر من الواقع، وأثٌر الرفض التركي وبيان أهالي الرقة ومنظماتها ضد دخول الفصائل الكردية على الإعلان الأمريكي واضطرت أمريكا للتراجع قليلاً إلى الوراء لتقول إن الفصائل الكردية لن تدخل الرقة وستبقى في محيطها..
وأن أمريكا هي التي تقود العملية وتركيا تريد هي أن تقوم بهذا الدور لاحقا، ولمحاربة الأكراد أيضاً هناك لأن العنصر البشري الأساسي الذي تعتمد عليه أمريكا هؤلاء الأكراد المستخدمين كبندقية للإيجار دون وجود أمل لهم في انتصار حقيقي على شعوب المنطقة، وهذا يجعل المعركة معطلة أو مؤجلة مع استمرار بعض الضربات الجانبية الهامشية.
وأنهى الحبال كلامه، "لا أدري إذا كانت أمريكا ستغمز سراً للأكراد للقيام بهجوم لكنه لن يكون ناجحاً في هذه الحالة إن لم تحصل على موافقة تركية, والتي قد تعمل على غض النظر قليلا من مبدأ " فخار يكسر بعضه" لاستنزاف داعش والأكراد معا دون تحقيق نصر لأحدهم على الآخر دون أن يكون لتركيا وأهالي المنطقة الأصليين الحصة الكبرى في حرب استعادة الرقة.