تفاصيل أول قضية تحرش بالجزائر
تزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي أقرته الأمم المتحدة نهاية نوفمبر الجاري، رُفعت أول قضية تحرش أمام القضاء بالجزائر، حيث التمس النائب العام الجزائري في محكمة القليعة بولاية تيبازة الجزائرية عقوبة 18 شهرًا حبسًا نافذًا ضد المتهم بتهمة التحرش بطبيبة مناوبة في مستوصف بلدة الحطاطبة.
وقدم محامي الضحية كل الدلائل التي تدين المتهم بفعل التحرش، حين دخل مكتبها لإغوائها فطردته ومن شدة انفعالها أغمي عليها، وشهد بالواقعة رجل الأمن الذي شاهد الجاني خارجًا من مكتبها غاضبا.
ولم يكتف المتهم باقتحام مكتب الطبيبة وهي متزوجة بل راح ير سل لها رسائل نصية (SMS) جمعها المحامي تحت عنوان " مساومات" وقدمها قرينة اتهام للمحكمة تدين المتهم بالسجن وفق المادة 341 مكرر من قانون العقوبات المعدل 2015 ، والتي تجرم جميع أنواع المضايقات والتحرشات الجنسية ضد المرأة.
عقوبة التحرش قانونا
وقالت سعاد كركوش عضو اللجنة القانونية في البرلمان لـ "مصر العربية" إنَّ القضية هي الأولى من نوعها منذ سريان تطبيق القانون في أول يناير 2016، وإن النيابة العامة طالبت بتطبيق القانون وفق المادة 341 التي تعاقب كل أنواع المضايقات للمرأة ".
وعما إذا كان القاضي يستجيب لطلب النيابة ويقضي بعقوبة السجن؟ أجابت كركوش " القانون واضح وصريح ولا يحتاج إلى التأويل، المتهم تحرش بالطبيبة وهي على رأس عملها ومتزوجة فلم يراعِ سمعتها الاجتماعية، لكن الطبيبة شجاعة واشتكت عليه ويجب معاقبته وفق القانون".
وفي إحصائية رسمية للدرك الوطني والشرطة فقد بلغ عدد النساء المُعنفات 8461 امرأة تعرضت لمختلف أنواع العنف خلال 10 أشهر من العام الجاري 2016 ، بزيادة قدرها 310 حالات عنف مقارنة بعام 2015 حيث كانت حالات العنف 8151 امرأة ضحية اعتداءات مختلفة.
وفسرت كركوش هذا الارتفاع "بوعي المرأة بقانون تجريم العنف ليحميها".
إحصائية التحرش المعلنة لا تعكس الواقع
لكن هذه الأرقام لا تعكس ظاهرة التحرش بالواقع – حسب نفيسة الأحرش رئيسة جمعية المرأة في اتصال – لأن غالبية النساء في المجتمع الجزائري تكبس الملح على الجرح خوفا من الفضيحة بالمجتمع " فتبلع " التحرش حتى لا يلحقها العار الاجتماعي، وكجمعية نحن نشجع النساء على التبليغ للشرطة أو الدرك الوطني ضد كل من يتحرش بها جنسيا أو يضربها أو تتعرض لمضايقات مختلفة بالعمل وخارج العمل.
وردا على سؤال "مصر العربية" من يحمي الموظفة من الإقالة من عملها إذا كان التحرش من مديرها واشتكت عليه؟ قالت الأحرش "إن القانون يحمي الضحية والشهود، ولاحظنا كجمعيات تراجع حالات التحرش بالعمل، والارتفاع المسجل في عدد حالات العنف دليل على وعي المرأة "
وكانت رئيسة الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات نورية حفصي كشفت لدى افتتاحها ندوة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، بعنوان "مكافحة العنف الممارس ضد المرأة " أن الأرقام المعلنة لحالات العنف ضد المرأة لا تعكس الواقع لأن العائلات الجزائرية محافظة ونساءها لا يرفعن شكاوى ضد أحد من الأقارب، وأكدت أن العنف يمس كل فئات النساء سواء كانت مثقفة أو عاملة أو ماكثة في البيت، سببه الأول هو زوال بعض الخصال في المجتمع "التربية و الأخلاق", حيث أصبحت المرأة في بعض العائلات "تُعنف و تُعاني بصمت بدلا من أن تقدم شكوى، و من بين الأسباب أيضا عدم معاقبة المعتدين نتيجة جهل المرأة للقوانين التي سنت من أجل حمايتها".
العنف ضد المرأة
ومن جهتها قالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها استلمت "مصر العربية" نسخة منه "إن العنف ضد المرأة من أكبر خروقات حقوق الإنسان لأنه فضلا عن كونه سلوكا مشينا فإنه يلغي حقها في المساواة والكرامة والشعور بتقدير الذات " ودعت المجتمع المدني إلى كسر ما وصفته "بالطابوهات" التي تحول دون التبليغ عن العنف والتحرش ضد المرأة، وتعتقد الرابطة بأنه بعيدا عن أي تجاذبات سياسية و حزبية بين الموالاة والمعارضة أو بين الاحزاب التي تتدعي الاسلامية و الأحزاب اللائكية لقد حان الوقت لتكثيف حملات التوعية والإعلامية من أجل محاربة كافة أشكال العنف والتمييز ضد الجنسين.
وأضافت الرابطة في بيانها "علينا جميعا التعاون لتكوين مجتمع مبني على أسس الاحترام والمساواة بين الجنسين وضمان الحريات الفردية، وتشجيع ثقافة الحوار والمشاركة في البناء السلمي"
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعدت قانون تجريم العنف والتحرش في يونيو 2014 ، ولقي مشروع القانون جدلا كبيرا في الساحة السياسية، خاصة أحزاب التيار الإسلامي، اعتبروا القانون يتسبب في تدمير الأسرة عندما تشتكي الزوجة على زوجها لأنه عنفها، متسائلين هل الزوج الذي سجنته زوجته يعيدها لبيت الزوجية، سيطلقها فورا ويتشرد الأطفال؟.
وقد تباينت الآراء بين مؤيد لقانون تجريم العنف ضد المرأة يحميها في المدرسة والعمل كما هو حال الأحزاب والجمعيات العلمانية وبين رافض له لدى التيار الإسلامي لأنه "يفجر" الأسرة كما قالت عائشة بلحجار الرئيسة السابقة للمنتدى الإسلامي العالمي للأسرة والمرأة.
وأضافت في حديثها لـ "مصر العربية" الأسرة المسلمة فيها التوادد والتراحم وفق تعاليم الإسلام، لا يجب إدخال المحاكم بين أفردها فتهتز الثقة وبالتالي يتصدع استقرار الأسرة لكن هذه القوانين الدخيلة على مجتمعنا هي إملاءات خارجية على الحكومة الجزائرية، فالغرب منذ مؤتمر بكين 1995 يعمل على تفكيك حصن الجزائر وهو الأسرة الجزائرية"
كل هذه الاحتجاجات لم تلق استجابة لدى البرلمان، الذي صدّق على قانون تجريم العنف ضد المرأة بأغلبية ساحقة في ديسمبر 2015 واعترض عليه نواب التيار الإسلامي، وأصبح قانون تجريم العنف ضد المرأة ساري المفعول منذ يناير 2016.