في مثل هذا اليوم.. نار البوعزيزي أحرقت الأنظمة العربية
يصادف اليوم 17 من ديسمبر2016 ذكرى اندلاع الثورة التونسية بعد إقدام الشاب محمد البوعزيزي على حرق نفسه ليكون الشرارة التي اندلعت بعدها الثورة التونسية لتطيح بالرئيس زين العابدين بن علي بعد فترة حكم دامت لـ23 عاماً.
وعلى الرغم من أن تونس من أفضل دول الربيع العربي من حيث الاستقرار النسبي خلال المرحلة الانتقالية إلا أنه بعد 6 سنوات من الإطاحة بربع قرن من ديكتاتورية النظام التونسي، مازالت تونس تطمح لتحقيق الحرية.
وأحرق البوعزيزي (26 عاما) نفسه احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الخضار والفاكهة التي كان يعيش منها، وقد توفي البائع المتجول في 4يناير 2011 في المستشفى متأثرًا بحروقه البالغة، لتؤجج وفاته احتجاجات شعبية عارمة انتهت في 14يناير 2011 بهروب بن علي إلى السعودية.
حياة البوعزيزي
ومحمد البوعزيزي من مواليد 29 مارس 1984، توفي والده وهو في الثالثة من عمره، ما جعل والدته تتزوج من عمه للحفاظ على الرباط الأسري.
تلقى تعليمه الابتدائي ثم انقطع عن الدراسة ليساعد على توفير لقمة عيش أسرته الفقيرة، حيث عمل في قطعة أرض ملك خاله، ثم اتجه إلى التجارة الموازية، لتعرفه شوارع سيدي بوزيد بائعًا متجولاً يقود عربته أمامه.
ولم يكن البوعزيزي مهتما بالشأن السياسي، وإنما كان منخرطا في الحزب الحاكم آنذاك (التجمع الدستوري الديمقراطي)، من باب البحث عن الأمان، كما كان مثل أغلب شباب المناطق الداخلية المحرومة محبا لموسيقى "الراي" الجزائرية والتونسية التي تتحدث عن الموت والهجرة السرية وحرق النفس وقهر الزمان، وغيرها من المشاعر السلبية التي كانت تسيطر على جيل بأكمله شعر بالقطيعة مع الرمز والقيمة في مجتمع طالما عانى من التغريب ومن تهميش الفئات الشعبية.
تأجيج الغضب
وحتى السابع عشر من ديسمبر2010 كان الرئيس السابق زين العابدين بن علي يعيش حياته العادية في قصر الجمهورية بقرطاج، يحتضن ابنه محمد زين العابدين، ويتابع بعض ملفاته الخاصة على جهاز الكمبيوتر، في حين كان عدد من المقربين منه يسعون إلى إعداد قائمات جديدة للمناشدين الذين يطلبون من ابن علي "تلبية رغبة الجماهير والقبول بالترشح لانتخابات العام 2014".
كانت حادثة إضرام البوعزيزي النار في جسده يوم 17 ديسمبر كافية لتؤجج الغضب في النفوس، وربما لتحيي جذوة الغضب الكامنة في صدور أبناء سيدي بوزيد، الذين انطلقوا يوم 18 ديسمبر 2010 في تنظيم مسيرات احتجاجية ومظاهرات صاخبة، سرعان ما وجدت صدى لها في وسائل الإعلام الأجنبية وعلى صفحات "فيسبوك"، لتتسع رقعتها نحو مدن وقرى المحافظة مثل الرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان وجلمة والمكناسي، ثم نحو محافظة القصرين المجاورة، التي أعطت للاحتجاجات زخمًا بلغ ذروته بسقوط عدد من القتلى برصاص الأمن.
وإذا كان مُشعل الثورة قد فارق الحياة بعد إحراق نفسه بنحو عشرين يوما، فإن ذلك الحادث حوله إلى أيقونة لثورات شعوب انتفضت ضد حكامها في عدد من الدول العربية، وأسقطت -بالإضافة إلى بن علي- نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ونظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ثم الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح فضلاً عن اهتزاز الأنظمة العربية بأسرها.
رسالة البوعزيزي
ورغم انقشاع سحب الظلم والغطرسة ونيل جزء كبير من الكرامة المنشودة، تراءت هواجس جديدة أمام شعوب اعتقدت أنها راهنت على الحرية والانعتاق، لكنها لم تغنم غير مزيد من الإحباط واليأس.
رسالة البوعزيزي لم تقبر في مدينته سيدي بوزيد أو بلده تونس فحسب، بل تجاوزتها إلى جميع أنحاء العالم، فبعد أن استعارت بلدان عربية من التونسيين شعار انتفاضتهم الأبرز: "ارحل"، واعتراف أكثر من دولة برمزية ثورة التونسيين، أقامت فرنسا في فبراير 2011 تمثالا تذكاريا تخليدًا للبوعزيزي، وأطلقت اسمه على الساحة التي تقع في الدائرة الرابعة عشرة من العاصمة الفرنسية.