التسوية الوطنية .. سراب يروج لسنة العراق
على أنقاض مبادرات سابقة للمصالحة الوطنية دعا التحالف الوطني العراقي " الشيعي" الحاكم من جديد لتسوية سياسية لعراق ما بعد استعادة الموصل وهزيمة داعش، الأمر الذي يثير تساؤلا لماذا تطرح الآن مثل هذه المبادرات ومثيلاتها لم يكتب لها النجاح وتحولت لأوراق مبللة بالدماء؟
وتبنّى التحالف الوطني، بقيادة عمار الحكيم، طرح مبادرة ضمن مشروع "التسوية السياسية" الهادفة إلى إنهاء الأزمات الداخلية والخارجية، وتهيئة العراق لتحقيق تنمية بعد طرد تنظيم داعش الذي سيطر عام 2014 على ثلث مساحة البلاد.
خطورة ما بعد داعش
ويأتي طرح ملف التسوية السياسية بعد تحذيرات أطلقتها أطراف داخلية وخارجية من خطورة مرحلة ما بعد طرد داعش من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، جراء غياب التوافق السياسي على قضايا أساسية تتعلق بالمدينة ذات الأغلبية العربية السنية، ومنها طبيعة الإدارة في ظل التعددية السياسية والقومية والطائفية في نينوى، التي تشهد عملية عسكرية ضد التنظيم منذ 17 أكتوبر الماضي لطرد داعش منها .
وتقول القوى السُّنية في العراق إن ظهور تنظيم الدولة، واكتساحه العديد من المحافظات العراقية عام 2014، جاء نتيجة الخلافات السياسية، وتفرّد أطراف شيعية بالحكم في بغداد، وغياب الرؤية المشتركة لإدارة المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والسياسية، وهو ما تنفيه الحكومة العراقية.
محتوى المبادرة
وتعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف العراقية الملتزمة بالعملية السياسية أو الراغبة في الانخراط بها، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب، وتعتبر مسار التسوية الوطنية مكمّل لمسارات المصالحات المجتمعية التي تُترجم على شكل أوامر وإجراءات وتشريعات تخدم المجتمع بكل طوائفه وقومياته.
كما تضمنت المبادرة أنه لا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي أو تكفيري أو عنصري، وتمثيل المكونات والأطراف العراقية يجب أن يخضع للقبول بالثوابت الواردة بهذه المبادرة، تتعهد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بتقديم مساعيها السياسية الحميدة بما في ذلك تحشيد الدعم لعملية المصالحة الوطنية من خلال التيسير وتقديم النصح والدعم والمساعدة في تعزيز والدفع بهذه المبادرة الى الامام داخلياً وإقليمياً ودولياً.
مصالحات سابقة
ومر العراق منذ عام 2003 إلى الآن بالعديد من برامج المصالحة والتسويات السياسية، وشكلت هيئة وطنية للمصالحة برئاسة (إياد علاوي)، وعقد العديد من مؤتمرات الشرف والثقة بين الفرقاء العراقيين، إلا أن كل هذه المسميات لم تصل إلى نتيجة تذكر، بل إن ما حدث عام 2014 واجتياح داعش لأغلب محافظات العراق السنية كان دليل على فشل كل محاولات التسوية والمصالحة ومواثيق الشرف.
بدوره قال المحلل السياسي العراقي الدكتور عبد كريم الوزان، إن الحديث عن تسوية سياسية لابد أن يكون مع جميع فئات المجتمع العراقي في الداخل والخارج، وذلك لأن الداعين لهذه التسوية يريدونها سياسية أكثر من اجتماعية من أجل مصالح فئوية وشخصية.
سراب
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن ما سمى بالتسوية التاريخية مازالت مجرد كلمات حتى لم تكتب عناصرها على ورق رسمي، وهذا يظهر عدم جديتها، لافتاً إلى أن تسميتها بالتاريخية أكبر بكثير من الحقيقة المرة.
وأوضح أن مثل هذه الدعوات يراد منها إلهاء الشارع العراقي، بمشروعات سياسية عبارة عن سراب، مؤكداً أنه من الترف السياسي إطلاق هذه الدعوة قبل لم شمل العراقيين المشتتين في الأرض، فضلاً عن البدء في محاسبة المجرمين والفاسدين الذي مازالوا يتربعون على تلال من الفساد السياسي.
وأشار إلى أن ساسة العراق منذ 2003 تحصلوا على خبرة ومكر سياسي جعلهم يتفهمون خيوط اللعبة السياسية وتمكنوا جيداً من إدارة الأحداث والتأثير في القوى المحلية والإقليمية التي ترتع في العراق.
فرض أجندة القوي على الضعيف
فيما قال الباحث السياسي العراقي أحمد الملاح، إن التسوية السياسية في العراق نتيجة فرض أجندة القوي على الضعيف، فلا يمكن الحديث عن تسوية "تاريخية" في العراق بين مكوناته وما تزال التشريعات تصدر مخالفة لمفهوم التسوية والشراكة.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن قانون الحرس الوطني الذي تم إجهاضه لصالح قانون الحشد الشعبي، نوع من أنواع قتل التسوية وفرض أجندة المنتصر.
وأوضح أن التسوية قد تكون تاريخية إذا كان الطرف المتغلب في العراق (التحالف الوطني) يمتلك القرار السياسي المستقل ليضع حجر الأساس لعودة العراق موحد بإعطاء جميع المكونات حقوقها دون تسويف أو تمثيليات مضحكة لتلميع صورة التحالف أمام الرأي العام الدولي.
وأكد أن التحالف لا يمتلك قرار مستقل، ولا يمتلك رؤية لعراق موحد يتساوى فيه المواطنون بالحقوق والواجبات، ملمحا إلى أن ١٣ عاما من الحكم كافية لإظهار حقيقة وجود هذا النفس الوحدوي للعراق من عدمه.