مقاضاة إسرائيل على الاستيطان.. تلويح فلسطيني هل يترجم لأفعال؟
مع كل مشروع أو قانون استيطاني لحكومة الاحتلال الإسرائيلية جديد تلوح السلطة الفلسطينية بنيتها مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية على التهامها المزيد من أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس الشرقية، غير أن هذا التلويح لم يترجم لفعل ملموس بعد.
وبشكل نهائي أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء الإثنين الماضي، ما يسمى بـ"قانون التسوية"، الذي يتيح مصادرة أراض مملوكة لفلسطينيين لغرض الاستيطان، ويمنع المحاكم الإسرائيلية من اتخاذ قرارات بتفكيك مستوطنات عشوائية مقامة على تلك الأراضي، ويعتمد بدلا من ذلك مبدأ التعويض بالمال أو الأراضي، ما يعني شرعنة إسرائيلية لتلك المستوطنات العشوائية.
وعلقت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان أول أمس الأربعاء، قائلة إن "انتهاكا جسيما بحجم هذا التشريع الاستعماري يستدعي عقد جلسة عاجلة وخاصة لمجلس الأمن، لاتخاذ الإجراءات والقرارات الملزمة والكفيلة بوضع حد لتغول إسرائيل الاستيطاني، وتمردها على قرارات الشرعية الدولية".
وعادت السلطة الفلسطينية إلى التلويح بمقاضاة إسرائيل، إذ رأت الخارجية أن "في مقدمة تلك الإجراءات اعتماد الآليات الدولية الملزمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2334 (الرافض للاستيطان)، ودعم التوجه الفلسطيني إلى محاكمة إسرائيل كقوة احتلال أمام المحاكم الدولية المختصة".
فحص أولي
ووفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، فإن القيادة الفلسطينية "تسعى إلى العودة إلى مجلس الأمن، ووضع أعضائه الخمسة عشر أمام مسؤولياتهم، بشأن كيفية الضغط على حكومة (بنيامين) نتنياهو لوقف التوسع الاستيطاني".
وفي 23 ديسمبر الماضي، تبنى مجلس الأمن قرارا (رقم 2334) يشدد على أن الاستيطان "غير شرعي"، ويدعو إلى "وقفه فورا وبشكل كامل".
لكن نتنياهو أعلن رفضه للقرار، بل وزاد من وتيرة الاستيطان، وهو ما يرجعه منتقدون إلى تصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المؤيدة لإسرائيل، على عكس سلفه أوباما، الذي كان دائم الانتقاد للاستيطان.
أبو يوسف أضاف، في تصريح لوكالة "الأناضول": "سنذهب إلى المؤسسات الدولية وإلى أطراف المجتمع الدولي كلها، فما تقوم به حكومة نتنياهو من شرعنة البؤر الاستيطانية (عبر قانون التسوية) بالضفة الغربية مخالف لكل القوانين الدولية".
واعتبر أن "الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر في غاية الأهمية، وقد أرسلنا إلى المحكمة منذ سنوات مجموعة ملفات، على رأسها الاستيطان، وبدورها فتحت المدعية العامة للمحكمة فحصا أوليا منذ أن انضمت فلسطين (عام 2012) إلى معاهدة روما (المؤسسة للمحكمة)، وأصبحت عضوا بالمحكمة".
ومضى قائلا إن "الفحص الأولي الذي تقوم به المدعية العامة للمحكمة لا يزال مستمرا، والملف الذي قدم إليها يحتوي على تفصيل بالمستوطنات الاستعمارية جميعها، ويتم تعزيزه (بمعلومات جديدة) من فترة إلى أخرى".
وأوضح المسؤول الفلسطيني أن "الملف لا يزال أمام المدعية العامة للمحكمة، فإما أن تفتح تحقيقا، أو تنتظر إحالة الملف من قبل السلطة الفلسطينية للنظر في قضية الاستيطان.. يوجد قرار لدى القيادة الفلسطينية بإحالة ملف الاستيطان إلى المحكمة، وعندما تتم إحالته سيفتح تحقيق كامل بالاستيطان، لكن لا أعرف متى سيتم تنفيذ هذا الأمر".
خيارات أخرى
قبل أيام، أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نقلا عن مصادر عربية وغربية، بأن إدارة ترامب توعدت القيادة الفلسطينية بأن أي توجه إلى المحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل سيثير ردود فعل عاصفة من واشنطن، بينها وقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية.
وهو ما نفاه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قائلا: "لا توجد ضغوط، لكن هناك آليات أخرى تعمل عليها القيادة الفلسطينية في مواجهة الاستيطان، ومنها التوجه إلى مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان.. المحكمة الجنائية الدولية ليست الخيار الوحيد أمامنا".
وتابع أبو يوسف: "نحن ذاهبون إلى المحكمة الجنائية، التي تعتبر قراراتها أقوى من محكمة العدل الدولية، التي أوصت بإزالة جدار الفصل العنصري (في الضفة الغربية) وتعويض المتضررين، حيث لا تعد قراراتها (محكمة العدل) ملزمة".
واعتبر أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 (الرافض للاستيطان) من شأنه "تقوية الموقف الفلسطيني، في أي خطوة ينوي اتخاذها مستقبلا، سيما وأنه جاء بإجماع دولي".
غياب الردع
من جانبه، رأى الخبير الفلسطيني في القانون الدولي، حنا عيسى، أن الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية "ليس كل شيء، ولا بد أن يكون هناك قرار من مجلس الأمن (بإحالة الملف إلى المحكمة وهو ما يصطدم بالفيتو الأمريكي)، عند ذلك ستستطيع المحكمة القيام بدورها على أكمل وجه".
وتابع بقوله: "التوجه إلى المحكمة الجنائية كان منذ أن تم الاعتراف بفلسطين عام 2012، وجرى تقديم الأوراق اللازمة، حتى أصبحت فلسطين دولة كاملة العضوية في المحكمة.. يجب أن نعلم أن هذه المحكمة لا توجد بها دول عظمى، وبالتالي فطابعها قانوني، لكن جوهرها سياسي، وهناك معوقات كبيرة أمامنا كفلسطينيين".
ومستنكرا، تساءل عيسى: "الذهاب إلى المحكمة يحتاج إلى إجراءات وسنوات طويلة، فمتى ستكون محاسبة إسرائيل (؟!).. الأصل أن يكون هناك قرار من مجلس الأمن يلاحق ويدين السلطات الإسرائيلية، وعندها يمكن أن نقول إن المحكمة الجنائية تقوم بواجباتها".
وشدد على أنه "هناك إجراءات يمكن اتخاذها تدريجيا ضد إسرائيل، ومنها معاقبة إسرائيل اقتصاديا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن إبقاء الوضع كما هو دون ردع، فيشجع إسرائيل على القيام بما تشاء".
وبشأن إن كانت السلطة الفلسطينية تتعرض فعلا لضغوط كي لا تقاضي إسرائيل، أجاب عيسى بأن "الضغوط تُمارس على السلطة منذ نشأتها (في 1993).. إسرائيل تتهمنا بتهم باطلة، وتظهر نفسها كأنها هي الحامية لاتفاقيات أوسلو (للسلام عام 1993)، مع العلم أنها أنهت تلك الاتفاقيات في 29 (مارس) 2002، عندما اقتحمت مدن الضفة الغربية بعملية "السور الواقي".
وختم الخبير الفلسطيني بأن "إسرائيل لم ولن تعط الفلسطينيين أراضيهم، حيث أبقت 61% من الأراضي الفلسطينية تحت سيطرتها الإدارية والأمنية، كما أنها تهوّد الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر هذا القانون.. باختصار ليس اسمه قانون التسوية، بل هو قانون ضم الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، كما جرى عام 1948، حين جرى ضم الأراضي الفلسطينية عند إقامة إسرائيل".