خبراء: الخصخصة وراء التعديل الوزاري الأخير في تونس
أثار التعديل الوزاري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، السبت الماضي، العديد من ردود الأفعال المختلفة، خاصة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية).
واعتبر الاتحاد أن التعديل الوزاري، "لا يقوم على تقييم حقيقي للأداء الحكومي، ولا يستجيب لواقع البطالة، والعجز الذي تعرفه بعض الوزارات رغم أهميتها.. إنه تعديل خاضع لصفقات سياسية لا تراعي مصلحة البلاد، لا نجاعة الأداء".
وقرر رئيس الحكومة التونسية السبت الماضي، إجراء تعديل وزاري تم بمقتضاه تعيين أحمد عظوم، وزيراً للشؤون الدينية، ورجل الأعمال خليل الغرياني وزيراً للوظيفة العمومية والحوكمة، خلفا لعبيد البريكي، وعبد اللطيف حمام، كاتب دولة مكلف بالتجارة خلفاً لفيصل الحفيان.
واعتبر بيان للاتحاد العام التونسي للشغل، أن "الغاية من التعديل هو إبعاد الرأي العام الوطني عن الاهتمام بقضايا تعتزم الحكومة تنفيذها كتصفية حصصها في البنوك العمومية وخصخصة الخطوط التونسية والخدمات الحيوية في قطاعات المياه والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها".
ورأى أن تعيين رجل أعمال على رأس وزارة الوظيفة العمومية، خطوة استفزازية للموظفين وسعياً لضرب مكاسبهم، وتنفيذاً لرغبة جامحة للتفريط في المرفق العمومي، تلبية لتوصيات صندوق النقد الدولي".
وتتمثل أهم توصيات صندوق النقد الدولي للحكومة التونسية، في إصلاح القطاع المصرفي وتسريح الموظفين والزيادة في الضرائب، والحد من ارتفاع كتلة الأجور التي بلغت 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار.
كانت وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي صرحت، الأحد أن الحكومة تسعى لإطلاق حزمة جديدة من الإصلاحات في القطاع العام والقطاع البنكي والضرائب، لإنعاش الاقتصاد التونسي.
وأشارت الزريبي إلى "أن الحكومة تدرس بيع حصص في ثلاثة بنوك مملوكة للدولة خلال العام الجاري (بنك الإسكان، الشركة التونسية للبنك، البنك الوطني الفلاحي)، بهدف إنقاذها من أزمتها".
وقالت إن "الدولة تنوي أيضاً، بيع مساهمات صغيرة تملكها في سبعة بنوك مشتركة أخرى".
ويرى متابعون للشأن الاقتصادي في تونس، أن تعيين رجل الأعمال والقيادي البارز باتحاد أرباب العمل، خليل الغرياني على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومقاومة الفساد، هو اتجاه نحو خصخصة المؤسسات العمومية، خاصة أنه جاء بدلا من عبيد البريكي، النقابي البارز والقيادي بالاتحاد التونسي للشغل.
وتساءل سليم بسباس، النائب وعضو لجنة المالية والتخطيط والتنمية في مجلس نواب الشعب، عن سبب تواجد الملف الاقتصادي والخصخصة لدى وزارة الوظيفة العمومية.
وأضاف أن خصخصة المؤسسات المالية من مهام وزارة المالية، والمؤسسات الصناعية من مهام وزارة الصناعة، "بالتالي لا يمكن أن تلعب وزارة الوظيفة العمومية هذا الدور".
ويشاطره الرأي، الوزير السابق مسحن حسن، الذي أكد "أن الخصخصة ليست من مشمولات وزارة الوظيفة العمومية، والحكومة لا يمكن أن تقوم بها، إلا عبر المرور بلجنة المالية والتخطيط، وأيضاً عبر مجلس نواب الشعب".
وقال حسن في تصريح لوكالة "الأناضول": "لا ننكر أن المؤسسات العمومية أصبحت اليوم تمثل عبئاً على ميزانية الدولة، لكن لا بد أولاً من إعادة هيكلتها وإصلاحها، وبعد ذلك التفكير في إدخال شريك استراتيجي أو إدماجها أو الخروج منها".
تجدر الإشارة، إلى أن وفداً من صندوق النقد الدولي سيقوم بزيارة إلى تونس، في نهاية مارس المقبل لمناقشة الشريحة الثالثة من القرض، ومدى تقدم الإصلاحات التي تعهدت الحكومة التونسية بتنفيذها، وبينها خصخصة البنوك.
وأكد الاستشاري في الاستثمار محمد الصادق جبنون، أن "خصخصة البنوك هو حل اضطراري لكنه ليس موفقاً لأنه وقع ضخ مليار دينار (445 مليون دولار) في البنوك الرئيسية الثلاثة من أموال دافعي الضرائب لإنعاشها، "هذه البنوك الثلاثة هي في مرحلة إعادة هيكلة وبدأت في التعافي التدريجي".
وتابع جبنون "بالنسبة إلى بقية مساهمات الدولة في البنوك الأخرى، فلا بد من النظر فيها بتمعن ولا يمكن أن تقع الخصخصة بصفة عشوائية".
وشدّد على أن "البنوك العمومية تساهم بـ 41% من الأصول البنكية، ولها أهمية كبرى في الاستثمار العمومي.. لا يمكن التفويت فيها بسهولة للرأسمال الخاص، لأن أول خطوة سيقوم بها هو طرد العمالة بصفة مكثفة".
من جهة أخرى، قال إن "التعديل الوزاري جاء بطريقة متسرعة وأظهر وجود أزمة حكم في تونس، نظراً لتفتت الأغلبية القائمة وعدم قدرتها على مواجهة التحدي الاقتصادي والاجتماعي والذي يعتبر اليوم التحدي الرئيسي"
وزاد: "نسبة نمو بـ 1% لا يمكن أن تستجيب لطموحات التونسيين من تشغيل ورقي اجتماعي".
ومع وصول أعداد العاملين في القطاع العام إلى 650 ألف موظف، وزيادات الأجور في السنوات الأخيرة وصلت تكلفة الأجور إلى 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أعلى المعدلات في العالم.
لكن الزريبي تعهدت بخفض تكلفة الأجور إلى نحو 14% على الأقل بنهاية العام الحالي، على أن تبلغ نحو 12.5% بحلول 2020، وهي مهمة تبدو شاقة للغاية، بحسب محللين.