ألغام وكفيل وعراء .. رحلة نازحي غرب الموصل إلى الجحيم
لم يكترث أحد بمصيرهم قبل انطلاق حملة تحرير غرب الموصل من قبضة تنظيم داعش في العراق، ولم يعيرهم أحد اهتماما بعدما بدأت الحملة وشرعت الجموع في النزوح عن المدينة.
رحلة النازحين عن آخر قطعة يحكمها داعش في العراق، لا تختلف كثيرا عن الجحيم في حد ذاته، فكل خطوة يخطوها النازح هو عرضة فيها للهلاك.
مجرد إظهار الرغبة في الرحيل عما يسميها داعش " دولة الخلافة" يهدر دم النازح الذي يعتبره عناصر تنظيم الدولة خائنا ويجب قتله، ونفذ داعش إعدامات بحق العشرات من محاولي الهرب.
الألغام
النجاة من مقاصل داعش لا تعني السلامة، فمن هنا تظهر معاناة أخرى وهي خطر السير بين الألغام التي زرعها تنظيم داعش؛ لعرقلة تقدم القوات العراقية والميليشيات المرافقة له، ويصبح النازحون عرضة للموت لعدم تحديد مسارات آمنة يسيرون فيها.
إن تمكن الفارون من ويلات الحرب من عبور الألغام سالمين فلا يعني ذلك أن المحنة قد انتهت، حتى يبدأ فصل جديد وهو العيش في ظروف غير صالحة للعيش الآدمي حيث نقص كل الخدمات والمرافق والأغذية والأدوية.
نقص سبل المعيشة
في المخيمات التي جهزتها الحكومة العراقية لاستقبال النازحين يوجد أضعاف العدد المخصص لاستقبالهم فينامون في العراء، وفي شرق مدينة الموصل التي حررتها القوات العراقية نهاية يناير الماضي يعاني النازحون من نقص كل الخدمات في المدينة التي أصبحت أشبح لمدينة الأشباح.
ومن يفكر من النازحين في الهروب من حياة يتضرع أهلها جوعا ويموتون من تفشي الأمراض بالانتقال إلى العاصمة بغداد يصطدمون بعراقيل غريبة وضعتها الحكومة العراقية، بتطبيق نظام الكفيل لمنع النازحين العراقيين من التنقل داخل بلادهم، ما جعلهم يفترشون الأرض بين المحافظات.
البرلمان يحذر
ومنذ يومين حذر البرلمان العراقي، غياب تحديد مسارات وطرق للنازحين من غرب الموصل أدى إلى مقتل عدة عائلات بعد دخولهم حقل ألغام زرعه تنظيم "داعش"، وطالبت لجنة المرحلين والمهجرين بالبرلمان الحكومة بسرعة تحديد محاور وطرق النازحين من الجانب الأيمن لمدينة الموصل.
ونبه رئيس لجنة المرحلين والمهجرين رعد الدهلكي أن موجة النزوح الكبرى ستبدأ عند دخول القوات المشتركة الأحياء السكنية الغربية والجنوبية في الموصل".
وذكر زياد السنجري الناشط الحقوقي بالموصل أنه مع استئناف العمليات العسكرية على الجهة الغربية من الموصل بدأت عمليات نزوح من الأحياء الجنوبية مثل أحياء المأمون والمنصور وحي النفط ودور السكر والغزلاني والجوسق.
46 ألفا
وأوضح في حديثه لـ"مصر العربية" أن عدد النازحين من غرب الموصل وصل 46 ألفا معظمهم نساء وأطفال ويمثلون 10% من سكان الموصل في الجانب الأيمن الغربي فقط، مفيدا بأن الآلاف نزحوا باتجاه طريق بغداد الدولي وتمركزوا في مقاطعة العقرب أولى نقاط التفتيش الرئيسيّة قبل دخول الموصل.
وأكد السنجري أن الحكومة المحلية أثبتت فشلها التام ولم تستطع تقديم أي معونات إنسانية، كذلك الأمر مع الحكومة المركزية التي لا تمتلك أي خطة إنسانية ولم تستطع تقديم أي خدمة للنازحين الذين يعانون علما الجوع والعطش الشديد نتيجة الحصار المفروض على المدينة.
أكبر من إمكانيات المنظمات
ولفت إلى أن المنظمات الإنسانية تحاول جاهدة تقديم المعونات لكن أعداد السكان الهائلة أكبر من إمكانيات تلك المنظمات.
التقصير الإعلامي أيضًا في نظر الناشط الحقوقي بات واضحا ويثير التساؤلات حول أهمية سكان الجانب الأيمن وأسباب التعتيم المتعمد على أوضاع الناس الصعبة .
ازدواجية معايير
واختتم:" المجتمع الدولي أثبت ازدواجية في المعايير والاهتمام عندما يسلط الضوء على معاناة اَهلنا في حلب ويهمل مدينة الموصل إحدى اقدم مدن العالم وأهمها في التاريخ القديم وحتى الجديد".
من جانبه حمل طالب المعماري البرلماني العراقي كل من الحكومة المركزية والمحلية والمنظمات الدولية بالتقصير المباشر في حق النازحين رغم علمهم مسبقا بأن العمليات سيسفر عنها نزوح كبير لمئات الآلاف من أهل المدينة.
وأكمل لـ"مصر العربية":" منذ اللحظات الأولى للعملية نزح أكثر من 250 ألفا عن الموصل متجهين لمخيمات جهزتها الحكومة لاستقبالهم واتضح أنها لا تستوعب أكثر من 120 ألفا".
وأكد المعماري أن النازحين يعانون أشد المعاناة من نقص الخدمات والمرافق والغذاء المناسب والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية وخلافه.
وانطلقت عملية تحرير الموصل 17 أكتوبر من العام الماضي تقودها القوات العراقية بجانب قوات البشمركة الكردية وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية سيئة السمعة وتحت غطاء جوي من التحالف الدولي التي تتقدمه الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي نهاية يناير الماضي أعلنت القوات العراقية تمكنها من السيطرة على شرق مدينة الموصل وتبقى غربها بيد التنظيم وهي ما تعرف بـ"المدينة القديمة" ويقبع بها قرابة الـ750 ألف مدني، وانطلقت عملية تحرير غرب الموصل 19 فبراير الماضي التي تسببت في نزوح الآلاف من الأهالي.