من « بوابة أهرامات » السودان .. الإعلام يفاقم الأزمة بين القاهرة والخرطوم
لم تهدأ الأزمة السياسية بين السودان ومصر على خلفية تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير اللجوء لمجلس الأمن لحل مشكلة حلايب وشلاتين، ومن ثم دعوته لتشكيل لجنة لترحيل المصريين من المنطقتين، حتى فاقم الإعلام المصري الخلاف من باب ترميم أهرامات السودان على نفقة دولة قطر، لدرجة أن مسؤولين حكوميين سودانيين انتقدوا وسائل الإعلام المصرية.
وهاجم إعلاميون مصريون زيارة الشيخة موزة بنت ناصر والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، إلى منطقة مروة الأثرية شمال السودان والتي تضم أهرامات البجراوية التي يتم ترميمها بمشروع قطري- سوداني للآثار.
ووصف بعض إعلامي مصر هذه الأهرامات بأوصاف أغضبت محللين ومسؤولين سودانيين ما دفعهم للرد باتهام إعلامين بمصر بمحاولة طمس الحضارة السودانية، مشيرين إلى أن الأهرامات السودانية أقدم من المصرية بألفي عام.
ملاسنات
واستند معلقون مصريون في ردودهم خلال الأزمة، على تصريحات نُسبت إلى الرئيس السوداني عمر البشير باللجوء إلى التحكيم الدولي في أزمة مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، وادعاءات بأن مصر تحرّض معارضين سودانيين، وتسلّح جيش جنوب السودان.
الخلافات بين القاهرة والخرطوم ليست وليدة اللحظة، فسجل الخلاف بين البلدين ممتد لسنوات كثيرة مضت، وهي ما تلبث أن تنبعث من الرماد على أقل كلمة، ففضلاً عن النزاع على أسبقية بناء الأهرام والتباري في إثبات ما إن كانت حضارة الفراعنة بدأت من الجنوب (السودان) وامتدت شمالاً (مصر)، أم العكس، فهناك خلافات على مياه النيل وأخرى على منطقة حلايب وشلاتين .
وكانت الشيخة موزة بنت ناصر زارت الخرطوم وبقيت بها ثلاثة أيام، والتقت خلالها الرئيس السوداني عمر البشير، وزارت مناطق أثرية، من بينها أهرام البجراوية شمالي السودان.
ومنذ عام 2013، تمول قطر مشروع "أهرام السودان" لحماية الآثار السودانية، بتكلفة 135 مليون دولار، ويتجاوز عدد الأهرام في السودان الـ300 هرم، وفق باحثين ومختصين، بينهم عالم الآثار السويسري، شارل بوني، الذي ينقب في المناطق الأثرية بالسودان منذ عام 1965.
استنكار
واستنكر وزير الإعلام، والمتحدث باسم الحكومة السودانية، أحمد بلال عثمان، ما قال إنها "تعليقات تسيء إلى الآثار والحضارة السودانية". ووصف تلك التعليقات بـ"المهينة للسودان وأصدقائه"، مشدداً على أنهم سيتعاملون معها "بكل جدية وحسم".
لكن سرعان ما تدارك وزيري الخارجية المصرية والسوادنية حيث اتفقا الوزيران على "عقد جولة التشاور السياسي القادمة بالخرطوم على مستوى وزيري الخارجية خلال النصف الأول من شهر أبريل 2017،" وفقا لتقرير التلفزيون المصري.
وأضاف التقرير أن الوزيرين "أكدا رفضهما الكامل للتجاوزات غير المقبولة أو الإساءة لأي من الدولتين أو الشعبين الشقيقين تحت أي ظرف من الظروف ومهما كانت الأسباب أو المبررات.
تدار دبلوماسي للأزمة
وشددا على ضرورة تكثيف التعامل بأقصى درجات الحكمة مع محاولات الإثارة والتعامل غير المسؤول من جانب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية، الذين يستهدفون الوقيعة والإضرار بتلك العلاقة بما لا يتفق وصلابتها ومتانتها والمصالح العليا لشعبي البلدين الشقيقين."
بدوره أكد السفير السوداني بالقاهرة عبدالمحمود عبد الحليم، إن العلاقات بين مصر السودان أقوى من الهدم الذي يمارسه الإعلام الخاص بين البلدين الشقيقين طوال السنوات الماضية.
واستغرب السفير السوداني بالقاهرة في تصريحات لـ"مصر العربية" من سعي بعض وسائل الإعلام الخاصة المصرية للتفريق بين القاهرة والخرطوم، رافضًا تدخل أي طرف الشؤون الداخلية للدولتين.
وأضاف أن "السودان صاحب سيادة على أراضيه وما يفعله بداخله شيء خاص به، خاصة أن بلاده لا تتدخل في شؤون أي دولة أخرى، كما رفض التعليقات السلبية لبعض السياسيين والإعلاميين في مصر فيما يخص أهرامات السودان"، داعيا إلى ضبط النفس لتجاوز هذا التوتر لكون السودان ومصر مستقبلهم واحد.
إعلام غير مسؤول
وقال الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن العلاقات بين مصر والسودان تاريخية، لافتاً إلى أن الدبلوماسين في البلدين قادرين على تجاوز هذه الأزمة المصطنعة من إعلام الدولتين.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أنه لابد أن يكون هناك حدود للإعلام خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول، وحمل وسائل الإعلام الخاص المسؤولية كاملة عن أي توترات طارئة حدثت بين القاهرة والخرطوم.
وأوضح أن ما يحدث يشير إلى وجود تراكمات من المفترض أن تكون غير موجودة بين دولتين كانتا كيانا واحداً وتربطهما الكثير من العلاقات السياسة والاجتماعية والتجارية، مؤكداً أن هناك قوى تستفيد من مثل هذه الخلافات ومن الممكن أن تسعر نارها بشكل يضر البلدين.
أجندات إعلامية
فيما قال الناشط السياسي السوداني، حسن مبروك، إن تصعيد بعض وسائل الإعلام المصري الخاص تدل على أن هناك أجندات لهذه الوسائل تعمل على هدم القيم والعلاقات، فبدلاً من تناول الحدث ومناقشة كيفية الاستفادة منه يتم تسييسه وفقاً لوجهات نظر معينة.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن السودان ومصر لديهما أزمات مشتركة في كل شيء خاصة في الوضع الاقتصادي المذري الذي يستدعي البحث عن مجالات كالسياحة لتكون موردا يساعد في تحسين الوضع المعيشي سواء للمصري أو للسوداني.
وطالب مبروك الأطراف التي تصدر الأزمات بين مصر والسودان بضرورة البناء على كل شيء مشترك بين البلدين وهي كثيرة وتجاوز نقاط الخلاف بكثير، مؤكداً أن الجدل الحالي مجرد استهلاك لطاقة الجانبين ولن يخدم على السلطة سواء هنا أو هناك.
وجغرافياً، يعتبر البلدان جسماً واحداً يفصله خط إداري، لم يفلح طيلة عقود في فصل الأواصر الاجتماعية والقافية، كما أن هذا الجسد الواحد المقسم إلى بلدين يتغذى، منذ الأزل، على شريان واحد هو نهر النيل، وهو الأمر الذي ترك الأثر الكبير على علاقة البلدين عبر التاريخ.