8 أسباب تمنع حفتر من خوض معركة طرابلس
تهديد خليفة حفتر، بدخول العاصمة طرابلس، بعد المظاهرات التي طالبت برحيل المليشيات عن العاصمة، يطرح أكثر من تساؤل حول إمكانية قائد القوات المسيطرة على معظم أجزاء الشرق الليبي على دخول طرابلس في الوقت الحالي.
ورغم الدعم الإقليمي والدولي الذي يحظى به حفتر، من عدة دول على غرار مصر والإمارات بالإضافة إلى فرنسا وروسيا إلا أن تحقيق ها الهدف يبدو مستبعدا لعدة أسباب أبرزها:
1 - حفتر، أخفق لحد الآن في السيطرة الكاملة على مدينة بنغازي (عاصمة الشرق الليبي)، منذ إطلاقه عملية الكرامة في منتصف مايو 2014، بالرغم من أن مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي (تحالف ثوار شاركوا في الإطاحة بنظام القذافي) لا يتجاوزن المئات، حسب تصريحات سابقة للواء الركن عبد السلام جاد الله، قائد أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دوليا)، الذي أشار إلى أن عدد قواتهم تقدر بـ30 ألف جندي وضابط، مدعومين بـ25 ألف عنصر من الثوار (المناهضين لحفتر)، مما يعني أن معركة طرابلس لن تكون سهلة بالمرة، مقارنة بمعركة بنغازي.
2 - الطبيعة الجهوية والقبلية في الغرب الليبي (إقليم طرابلس) ترفض فكرة أن تقوم قوات من إقليم برقة (الشرق) بدخول مناطقهم وبالأخص العاصمة طرابلس، ويعتبرون ذلك وكأنه أشبه بالغزو الأجنبي، ويظهر ذلك من خلال إعلان كتائب الزنتان (أكبر حلفاء حفتر) رفضهم لإعلان قوات حفتر في وقت سابق استعداده لبدء معركة طرابلس خاصة أن علاقة حفتر، مع كتائب الزنتان وجيش القبائل علاقة تحالف وليست علاقة تبعية، وهذا التحالف مبني على العداء المشترك لمصراتة. والزنتان تريد السيطرة مجددا على طرابلس بدعم من قوات حفتر، لكنها من المستبعد أن تسمح لهذه القوات القادمة من الشرق أن تدخل طرابلس خارج قيادتها، وهذا أحد الخلافات الجوهرية بين حفتر وقادة الزنتان.
3 - حلفاء حفتر في الغرب الليبي، وأبرزهم كتائب الزنتان بقيادة أسامة الجويلي، وجيش القبائل (ورشفانة) بقيادة عمر تنتوش، وقّعوا اتفاقات صلح مع كتائب مصراتة (أكبر قوة مناهظة لحفتر في الغرب)، أوقفوا بذلك المعارك في جنوب وغرب طرابلس، بعد أن حاولوا في وقت سابق السيطرة عليها بدون جدوى، واعتبرت هذه المصالحات بمثابة انشقاق على حفتر، الذي عارضها، وحاول عزل عمر تنتوش، كما تبرأ أكثر من مرة من كتائب الزنتان، مما أضعف موقفه في الغرب وشل حركته بشكل كبير، بالرغم من وجود عناصر مازالت موالية له تنحدر من قبيلة الزنتان وتم طردها في 2014 من طرابلس، لكن حركتها مازالت مشلولة في الوقت الحالي، وملتزمة عمليا بوقف إطلاق النار.
4 - قوات حفتر وبالرغم من الهالة الإعلامية التي ترافقها إلا أنها تفتقد لتسليح جيد وقوات مدربة، وهذا ما كشفه قادة منشقون عن حفتر، على غرار وزير الدفاع في حكومة الوفاق مهدي البرغثي، الذي كان أحد قادة المحاور في قوات حفتر، وصرح أن "حفتر لم يستطع بناء حتى كتيبة واحدة"، واتهمه "باستعمال آلاف المرتزقة الأجانب"، بينما كشف عبد السلام جاد الله العبيدي، أن حفتر، لا يملك ضباط أكفاء في التخطيط العسكري، كما أن أغلب من يقاتل إلى صفه هم المدنيون المسلحون من اللجان الثورية التي شكلها النظام السابق، وأشار إلى أن حفتر، لا يملك سوى نحو 16 طائرة عسكرية قديمة من نوع ميغ 21، وميغ23، قامت مصر بإعادة صيانتها (دُمر بعضها خلال المعارك أو بسبب خلل فني)، وليس معروفا إن كان حفتر تمكن من الحصول على طائرات جديدة من حلفائه الإقليميين والدوليين.
وذكرت مصادر ليبية للأناضول، فضلت عدم الكشف عن نفسها، أن مصر والإمارات يزودان حفتر بأسلحة خفيفة وذخائر وعربات عسكرية، لكنه يريد أسلحة نوعية أكثر تطورا على غرار الطائرات والدبابات، لذلك يسعى لتفعيل اتفاقيات القذافي العسكرية مع روسيا والموقعة في 2008، والمجمدة بسبب قرار أممي لحظر السلاح على ليبيا، وهو ما لم يتحقق لحد الآن بسبب هذا الحظر.
5 - عسكريا يواجه حفتر، عقبة كبيرة أمامه في طريقه للزحف على العاصمة طرابلس من الشرق، وتتمثل في كتائب مصراته، والتي تمتلك أشبه بجيش صغير، يضم 17 ألف مقاتل، و5 آلاف سيارة مسلحة، بالإضافة إلى عدد غير محدد من الدبابات، وطائرات ميج25 وطائرات نقل عسكري تم صيانتها وإعادة تعديلها بشكل سمح لها بالمساهمة في وقت سابق في قصف تنظيم "داعش" الإٍهابي في مدينة سرت، بالإضافة إلى صواريخ أرض-أرض، والتي تمثل سلاحا استراتيجيا بالنسبة لمصراته، سمح لها بحسم معركة مطار طرابلس ضد كتائب الزنتان، في 2014، بالإضافة إلى دفاعات جوية محدودة المدى خاصة صواريخ "سام7" المضادة للحوامات (تم إسقاط مروحية لحفتر في الجفرة في فبراير/شباط الماضي)، ولكن يعتقد (حسب بعض التسريبات) أنها تمكنت من امتلاك أنظمة دفاع جوي أكثر تطورا بمساعدة أكرانيا وبريطانيا.
وتتمركز قوات مصراتة في سرت (450 كلم شرق طرابلس)، وفي مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، وفي طرابلس نفسها، وحتى عندما حاولت قوات حفتر، الالتفاف على مصراته من جهة الجنوب، اصطدمت بالقوة الثالثة، التابعة لكتائب مصراتة، والمتمركزة في قاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وأيضا في مدينة "سبها" عاصمة إقليم برقة (750 كلم جنوب غرب طرابلس)، ورغم تمكن قوات محمد بن نائل (اللواء المجحفل 12) من السيطرة على قاعدة براك الشاطئ الجوية (قاعدة مهجورة شمال سبها تستخدم كمخزن للذخائر)، إلا أن القوة الثالثة لمصراته عادة ما تسترجع هذه القاعدة إما بالقوة أو بالتفاوض مع شيوخ قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها عناصر بن نائل، فالقبيلة في ليبيا لها دور هام في حسم بعض الخلافات العسكرية.
كما أن الفريق الركن علي سليمان كنه، الذي كلفه ضباط الجيش بالجنوب بقيادة القوات المسلحة في المنطقة الجنوبية، رفض الخضوع لحفتر، أو التبعية لقوات بن نائل في براك الشاطئ، وأعلن الحياد إلى حين توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ناهيك على نفوذ قوات مصراته في مناطق حساسة مثل مدينة غدامس الواقعة بالقرب من مثلث الحدود مع الجزائر وتونس، وبلدتي أوباري وغات معقلي طوارق ليبيا في أقصى الجنوب الغربي، وتجلى هذا النفوذ في سيطرة القوة الثالثة لمصراته على طائرتي شحن إماراتيتين نزلتا في مطاري غدامس وأوباري في 2014، اعتقادا منهما أن المطارين تابعين لكتائب الزنتان، مما كشف حينها تغير خريطة النفوذ والسيطرة في إقليم فزان.
6 - العامل الدولي ليس لحد الآن في صالح حفتر بالكامل، فالأمم المتحدة تعترف بحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج في طرابلس، والتي يناصبها حفتر العداء، مما يجعل قواته من الناحية القانونية على حافة أن تصبح "خارجة عن الشرعية"، فضلا على أن دول إقليمية ودولية لا تحبذ توسيع مدى الحرب الأهلية حتى لا تصبح شاملة وتهدد أمن المنطقة، فإيطاليا تخشى على استثماراتها النفطية في إيطاليا ومن تدفق مزيد من المهاجرين السريين إلى أراضيها، وتونس تتخوف من تأثير ذلك على أمنها واستقرارها وتدفق اللاجئين و"المتطرفين" على أرضها، وأيضا تداعيات ذلك على حركة التجارة مع ليبيا، والجزائر لا ترغب في أن يؤدي ذلك إلى اختراقات أمنية للجماعات المتطرفة القادمة من ليبيا عبر حدودها الجنوبية الشرقية، فضلا على أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية متوجسون من تمدد النفوذ الروسي في ليبيا عبر حفتر، لذلك فإن أي خطوة لهذا الأخير نحو طرابلس، ستواجه بتحفظ أكثر من طرف دولي وإقليمي.
7 - لم يتمكن حفتر لحد الآن من حسم جميع معاركه في الشرق الليبي، فمجلس شورى ثوار بنغازي، يسيطر على منطقة وسط البلد (تضم حيي الصابري وسوق الحوت)، كما أن سرايا الدفاع عن بنغازي، يتربصون بقوات حفتر بالقرب من الهلال النفطي، أما مدينة "درنة" شرقي بنغازي، فلازالت خاضعة لسيطرة تحالف كتائب "مجلس شورى مجاهدي درنة" المناوئ لحفتر، والتي قامت بعدة هجمات محدودة على قواته مطلع مارس الجاري، ومن الصعب على حفتر، القيام بهجوم واسع، من بن جواد إلى طرابلس على طول 600 كلم، في حين أن ظهره مكشوف، وخطوط إمداده الطويلة قد تتعرض لهجمات سرايا الدفاع.
8 - كما أن حفتر يواجه انشقاقات من قيادات كبيرة في قواته بالشرق، على غرار انشقاق الناطق باسم قواته محمد حجازي، (من قبيلة الحاسة)، ومهدي البرغثي، قائد كتيبة الدبابات 204، وزير الدفاع في حكومة الوفاق، (من قبيلة العبيدات أكبر قبائل الشرق)، والعميد فرج البرعصي (من قبيلة البراعصة)، ورغم أن هذه الانشقاقات لم تؤد إلى تخلي قبائل الشرق عن حفتر، إلا أنها وفرت لـ"أبنائها المنشقين" الحماية الاجتماعية ضد محاولات حفتر لاستهدافهم، وقد ترفض قبائل الشرق المشاركة في هجوم على إقليم طرابلس حتى لا تتوحد قبائل الغرب ضدها، وفق معادلة قبلية غير مكتوبة، ولكن القبائل الليبية تعرف حدودها، ولا ترغب في استنهاض تاريخ قديم من الصراعات.
جدير بالذكر أنه وبالرغم من أن حفتر أعلن أكثر من مرة ومنذ إطلاق عملية الكرامة في 15 مايو 2014، أن طرابلس هدفه الرئيسي، لكن ومنذ معركة المطار في 2014، لم تهاجم قواته أو أي قوة حليفة له طرابلس، باستثناء هجمات جيش القبائل (قبائل ورشفانة الموالية لنظام القذافي) بقيادة عمر تنتوش، التي وصلت إلى جنوب العاصمة طرابلس، والتي كان هدفها تحرير بلدات ورشفانة التي طردت منها، وليس السيطرة على العاصمة، كما أن كتائب الزنتان أقصى تقدم لها بعد معركة سيطرتها على قاعدة الوطية الجوية (غرب طرابلس) وبلدة ككلة (جنوب غرب طرابلس).