زيارة أمير قطر لإثيوبيا.. تحقيق مصالح أم مكايدة سياسية؟
يعتزم أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، إجراء زيارة لإثيوبيا، الإثنين المقبل، هي الأولى من نوعها منذ تسلمه السلطة في بلاده 25 يونيو 2013 وتهدف إلى "تعزيز الشراكة" بين البلدين.
جاء ذلك بحسب بيان صحفي صادر عن السفارة القطرية بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وصل الأناضول نسخة منه.
ومن المقرر أن يبحث أمير قطر خلال الزيارة التي تستغرق يومين مع رئيس الوزراء الاثيوبي هيلي ماريام ديسالين، ورئيس البلاد ملاتوتشومي، العلاقات الثنائية، وسبل تعزيز مجالات التعاون بين البلدين، إضافة لجملة من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفق بيان السفارة.
دلالات هامة
الزيارة لمرتقبة لأمير قطر تأتي في توقيت هام، يحمل العديد من الدلالات ، فهي تأتي بعد أقل من 4 شهور من زيارة وزير خارجيته محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لإثيوبيا في ديسمبر الماضي، في مؤشر على مسعى واضح من قطر لتعزيز شراكتها مع أديس أبابا خلال الفترة القادمة.
كما أن الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين إثيوبيا ودول الخليج إزدهارا واضحا، تمثل في زيارات متبادلة بين مسؤولين سعوديين وإثيوبيين خلال الفترة القصيرة الماضية، إضافة إلى إعلان سلطنة عمان الأربعاء الماضي إنشاء سفارة لها في أديس أبابا.
كذلك فإن الإعلان عن الزيارة لإثيوبيا – التي تشهد علاقتها مع مصر توترا على خلفية بناءها سد النهضة الذي تتخوف القاهرة من تأثيره على حصتها في المياه – يأتي بعد أسبوع من التراشق الإعلامي القطري المصري، الذي رافق خروج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء قيام أمير قطر بإلقاء كلمته خلال القمة العربية في الأردن 29 مارس الماضي.
ومنذ عزل الرئيس الأسبق، محمد مرسي، شهدت العلاقات بين مصر وقطر توتراً على خلفية اتهامات مصرية للدوحة بدعم وإيواء قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" التي ينتمي إليها مرسي وتصنفها القاهرة "إرهابية"، وهو ما نفته قطر.
أيضا الزيارة تأتي قبل نحو 3 شهور من الموعد المقرر لاكتمال سد النهضة في يوليو المقبل، الأمر الذي يتوقع أن يحدث نموا اقتصادي كبير في إثيوبيا ، يسهم في استقطاب استثمارات قطرية وخليجية إليها.
وتتخوف مصر من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه النيل، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما تقول إثيوبيا إن السد لن يمثل ضرارا على مصر والسودان.
كذلك تأتي الزيارة بعد أقل من 3 شهور من بدء أديس أبابا ولايتها لمدة عامين كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي يسهم في تعزيز التعاون بين البلدين في حل مشاكل المنطقة.
أيضا تعد هذه أول زيارة لأمير قطر منذ توليه الحكم لدولة أفريقية – غير عربية- في ظل سعي متنامي من الدوحة لتعزيز علاقتها مع القارة السمراء، ولا سيما بعد نجاح وساطاتها في حل العديد من مشاكل دول القارة ، إلى جانب انضمامها عام 2014 كعضور مراقب في الاتحاد الأفريقي.
والدولة التي تحصل على عضوية مراقب من الإتحاد الأفريقي يسمح لها بالمشاركة في كافة أنشطة الإتحاد الأفريقي، لكن لا يسمح لها بالتصويت على القرارات التي يصدرها.
أيضا تأتي الزيارة في شهر إبريل الذي شهد محطات بارزة في تاريخ العلاقات بين البلدين، ففي أبريل 2013، أجرى أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، زيارة إلى أديس أبابا، كانت الأولى لزعيم قطري إلى إثيوبيا منذ استئناف العلاقات بين البلدين في أكتوبر 2012 والتي أقدمت اديس أبابا على قطعها أيضا في إبريل 2008.
مصالح لا مكايدة
ورغم أن توقيت الزيارة قد يعتبره البعض مكايدة سياسية مع مصر التي توتر علاقها مع كل قطر وأديس أبابا، ولا سيما بعد ما شهدته القمة العربية ، إلا أن الواقع والدلائل تؤكد أن أهداف الزيارة تتجاوز المكايدة الساسية إلى توجه واضح ومحدد نحو شراكة إستراتيجية تتحقق فيها مصالح اقتصادية وسياسية متبادلة لكل من الدوحة وأديس أبابا، وسط سعي متواصل من قطر ( الدولة الخليجية الغنية) لتنويع استثماراتها الخارجية ، لتحقيق التنويع الاقتصادي تحقيقا لرؤية قطر 2030 الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز.
وعلى الصعيد السياسي، تأتي الزيارة في إطار سعي قطري متواصل لبناء تحالفات مع الدول الهامة لتعزيز دورها كلاعب دولي هام، مع توجه نحو افريقيا خلال الفترة القادمة التي نجحت الدوحة في من خلال وساطاتها في حل الكثير من مشاكلها ، وهو الأمر الذي يتحقق في إثيوبيا (العضو غير الدائم في مجلس الأمن، ودولة مقر الاتحاد الأفريقي).
وتحظى إثيوبيا بثقة كبيرة من المجتمع الدولي، باعتبارها قوة رئيسية في «القرن الإفريقي» تمتاز بقدراتها العسكرية القوية.
ولذلك تأتي أهمية زيارة أمير قطري لاثيوبيا ، باعتبارها مقراً للإتحاد الأفريقي، وواحدة من الدول الصاعدة بسرعة اقتصاديا، وبضخامة عدد سكانها (100مليون نسمة)، وبما تتمتع به من أراضي زراعية شاسعة وخصبة، ومياه غزيرة، وثروة حيوانية ضخمة، إلى جانب نفوذها الجيوسياسي الكبير على المستوى القاري والإقليمي، فيما تمثل قطر لاثيوبيا حليفاً استراتيجياً قوياً يمكن أن يلعبا معاً دوراً كبيراً في تطوير علاقات التعاون الثنائي بما توفره أثيوبيا من فرص للاستثمار في عدة مجالات .
وهذه الأهداف كشف عنها صراحة وزير خارجية قطر خلال مؤتمر صحفي عقده خلال زيارته لأديس أبابا في ديسمبر الماضي ، قال خلاله "أن دولة قطر تعول كثيرا على دور إثيوبيا على المستوى الدولي في حفظ الأمن والسلم الدوليين وذلك من خلال عضويتها في مجلس الأمن 2017 / 2019 وخصوصا فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية."
واعرب عن "تطلعه لإسهاماتها الإيجابية لوضع حد لمعاناة الشعوب العربية في سوريا والعراق وليبيا واليمن".
وأكد أن البلدين "وضعا خارطة طريق لترجمة البرامج المشتركة على أرض الواقع والدفع بعلاقاتهما إلى الأمام خصوصا في مجالات الاستثمار والاقتصاد والسياحة والأمن، مشيرا إلى أن رجال الأعمال في البلدين سيتبادلون الزيارات للتعرف على فرص الاستثمار."
شراكة اقتصادية وتنموية
أيضا الأهداف ذاتها ، أكد عليها المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية"نيقيري لينشو"؛ مشيرا إلى إن الزيارة المرتقبة لأمير دولة قطر ستعمل على توطيد العلاقات الإثيوبية – القطرية في كافة المجالات خاصة المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية؛ والسياحة؛ والثقافة وغيرها من مجالات التعاون الثنائي.
واشار إلى أن قطر وإثيوبيا دولتان مهمتان وهذا سيساعد البلدين لتأسيس علاقات شراكة اقتصادية وتنموية وستكون إثيوبيا بوابة قطر نحو أفريقيا.
وامتدح "لينشو" علاقات إثيوبيا بدول الخليج؛ واصفا علاقات بلاده بالدول العربية تأريخية وقديمة.
وقال إن علاقات بلاده بدول الخليج شهدت تطوراً في مختلف المجالات.
وأوضح " لينشو " أن زيارة أمير قطر لإثيوبيا تأتي في سياق التكامل بين إثيوبيا ودول الخليج.
ووقّعت قطر وإثيوبيا في ديسمبر، 11 اتفاقية تعاون في مجالات اقتصادية عدة، على هامش زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أديس أبابا.
وتنوعت الاتفاقيات في قطاعات، السياحة، والاستثمار، والبنية التحتية، ودعم التقارب الثنائي بين رجال الأعمال والمال في البلدين؛ وسبل تعزيز التعاون في مجال السلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.
وساطات رائدة
بدورها أعتبرت مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الافريقي؛ أميرة الفاضل، زيارة أمير قطر لمقر الاتحاد الافريقي تاريخية ومهمة وستعزز العلاقات الافريقية العربية.
وأشادت " الفاضل "، بجهود امير قطر ومساهماته في حل النزاعات في مناطق عديدة بإفريقيا ، وقالت انه يمثل احد الشركاء الرئيسين لإفريقيا ودولة قطر عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي .
وأضافت أن أمير قطر بذل جهود فاعلة في منطقة شرق افريقيا خاصة في القضايا الإنسانية ، مشيرة إلى جهوده في السودان والصومال .
وقالت إن دولة قطر تعتبر دولة رائدة في المجال الاجتماعي والإنساني ولدينا رؤية في الاتحاد الافريقي في كيفية الاستفادة من خبرات وتجارب قطر في هذه المجالات .
ونجحت الوساطة القطرية في وضع نهايات سعيدة لكثير من أزمات ومشاكل القارة السمراء في السنوات الماضية، ابرزها جهودها في السعي لإحلال السلام في دارفور غرب السودان عبر اكثر من اتفافية سلام بين الأطراف المتنازعة، ونجاحها في الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا عام 2016، وتمكنها من لعب دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا في نوفمبر 2015، كذلك نجاحها في إبرام اتفاقية سلام بين حكومتي جيبوتي وإريتريا؛ لتسوية النزاع الحدودي القائم بينهما، في مارس 2011.