«الحرب في أرض الإخوة».. هل اقتربت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
في زمنٍ آخر غير بعيد، كانت قلوب كثيرة تهفو لكل قتيل يسقط من حزب الله اللبناني وتهلِّل لكل ضربة يُسقطها بالاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يصبح مطاردًا يعجز عن لم قتلاه وجرحاه ومفقوديه في أرض الإخوة.. هناك في سوريا.
"طريق القدس يمر بالقلمون وبالزبداني وحمص وحلب ودرعا".. بهذا المبرر من قبل أمينه العام حسن نصر الله، أوغلت بندقية حزب الله بعيدًا عن الجنوب المتاخم لحدود إسرائيل، لتتجه نحو الشمال (في سوريا)، فباتت معركة فلسطين ضد الاحتلال جارية على أجساد السوريين، غير أنَّ مشاركة الحزب في الحرب السورية فرضت تطورات، قادت إلى احتمالية نشوب حرب بين الحزب والاحتلال قريبًا.
عدة مؤشرات يقود التفكير فيها إلى أنَّ أتون حرب قادمة تلوح قريبًا، فإسرائيل راهنت على استنزاف الحزب بمشاركته في الحرب السورية كطرفٍ يدافع عن نظام بشار الأسد، إلا أنَّ الرياح أتت بما لا تشتيه السفن، فباتت تل أبيب تعتبر حزب الله حاليًّا أكثر خطرًا عليها.
هجومٌ في سوريا.. إسرائيل تواجه حزب الله
الخوف الإسرائيلي مصدره ما رُصد عن تعاظم القوة والخبرة القتالية للحزب، فتحرص تل أبيب على عدم حصوله على صواريخ نوعية يمكنها أن تهدد قلب إسرائيل، وذلك عبر استهدافها أي مستودع للحزب في سوريا أو شحنة أسلحة آتية إليه، كما أنَّها لا تفرط بأي فرصة لاستهداف قيادييه في سوريا.
ما يؤكِّد ذلك ميدانيًّا، جاء تعرُّض موقع عسكري مجاور لمطار دمشق الدولي يوم الخميس الماضي لهجوم، اُتهمت إسرائيل بالوقوف ورائه.
يوم الهجوم، قال التلفزيون الحكومي السوري إنَّ إسرائيل قصفت موقعًا عسكريًّا جنوب غربي مطار دمشق بالصواريخ، لكنه لم يذكر إصابة أي أسلحة أو مخازن وقود.
ونقلًا عن مصدر عسكري، أضاف التلفزيون أنَّ "العدوان الإسرائيلي" أسفر عن انفجارات بالموقع نتجت عنها خسائر مادية.
وبعد ذلك، أشارت مصادر إسرائيلية إلى أنَّ طائرة شحن إيرانية كانت قد حطت في المطار قبل ساعات قليلة من الغارة، بينما صرَّح وزير المخابرات الإسرائيلي إسرائيل كاتس، لإذاعة جيش الاحتلال: "الواقعة التي حدثت في سوريا تتماشى تمامًا مع سياسة إسرائيل بالتحرك لمنع إيران من تهريب الأسلحة المتطورة لحزب الله عبر سوريا".
أيضًا، أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنَّ تل أبيب سترد كلما حصلت على معلومات تشير إلى نية لنقل أسلحة متطورة لحزب الله.
التصعيد الكلامي - على الأقل حتى الآن - بلغ حدًا كبيرًا وصل إلى تهديد الحزب بتفجير مفاعل ديمونا النووي وذلك على لسان الأمين العام للحزب حسن نصر الله، الذي قال إنَّ التهويل الإسرائيلي على لبنان والحديث عن حرب لبنان الثالثة مستمر، مشيرًا إلى أنَّ الموقف الإسرائيلي يتطور فيما يتعلق بلبنان وبحزب الله بالتحديد، وهذا مؤشر خطر.
ونقل عن نصر الله قوله أيضًا:"الظروف السياسية لشن حرب على لبنان موجودة دائمًا، والغطاء العربي الذي سمح لإسرائيل بالاعتداء على لبنان عام 2006 هو اليوم موجود أكثر من ذلك الوقت".
وأضاف قبل أيام: "المسألة بالنسبة لإسرائيل ليست مسألة إذن أمريكي ولا إذن عربي بل المسألة هي أنها غير واثقة من أنها ستنتصر في حربها على لبنان، وهذا يعني أن ما تمثله المقاومة من قوة وما تمثله بيئة المقاومة من ثبات واحتضان كبير وعميق هو عنصر القوة الأساسي إلى جانب الجيش اللبناني، واليوم أضيف إليهم موقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الثابت والراسخ، هذه هي عناصر القوة في لبنان".
جولة صحفية.. الحزب يستعرض
أحد التطورات الأخيرة أيضًا كانت الجولة الإعلامية التي نظَّمها حزب الله لمجموعة من الصحفيين على الحدود مع فلسطين.
وخلال هذه الجولة، اعتبر مسؤول الحزب التحصينات التي قام بها جيش الاحتلال في الأشهر القليلة الماضية بالقرب من الحدود مثل حفر خنادق وبناء عوائق إسمنتية لمنع أي تسلل مفاجئ يمكن أن يقوم به مقاتلو الحزب في الحرب المقبلة، مظهرًا من مظاهر ضعف إسرائيل وخوفها من حزب الله، ودليلاً على تغير العقيدة العسكرية الإسرائيلية من هجومية إلى دفاعية.
حرب 67.. رائحة حرب تلوح
الأجواء التي سبقت حرب 1967 تقول مجلة "نيوزويك" الأمريكية إنَّها مشابهة للوضع الراهن، وكذلك عقدت مقارنةً بين الدور الروسي قبيل تلك الحرب وبين دورها الحالي في سوريا، فقالت إنَّ روسيا لم تبالِ عندما أغلق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مضيق تيران عام 1967، ما أدَّى إلى قطع طرق السفن من الوصول إلى ميناء إيلات في إسرائيل، الميناء الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر.
وتضيف المجلة أنَّ تحركات القوات المصرية والسورية على الحدود الإسرائيلية إلى جانب الخطاب الناري لعبد الناصر مهَّدت الطريق إلى الحرب، في غضون كل ذلك أمدت موسكو المصريين والسوريين بمعلوماتٍ خاطئة حول تحركات القوات الإسرائيلية.
وأنهى الإسرائيليون كل ذلك بضربةٍ عسكريةٍ خاطفة، قضت على "الأصدقاء العرب" لروسيا في ستة أيام، وفي تلك العملية احتل الإسرائيليون الضفة الغربية، وغزة، وسيناء، وأغلب هضبة الجولان.
المجلة ترى أنًّه بعد 50 عامًا على حرب 1967، يبدو التاريخ مستعدًا ليعيد نفسه، حيث أنَّ حلفاء روسيا مرةً ثانية يستفزون إسرائيل، التي قد لا ترى في النهاية أي خيار سوى أن تضرب أولًا، لا سيَّما أنَّها تحذِّر من أنَّ هذه الحرب مثل حرب الأيام الستة عام 1967، قد تغيِّر المنطقة تمامًا.
حربٌ مسرحها سوريا
مسرح الحرب هذه المرة – كما تقول المجلة - سيكون في سوريا، لكنَّ العامل المسبب للصراع المقبل ليس استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وإنما أخطر وكلاء إيران في المنطقة حزب الله.
تقديرات المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى أنَّ إيران تقود نحو 25 ألف مقاتل في سوريا بما في ذلك أفراد من الحرس الثوري ومسلحون شيعة من العراق وأفغانستان وباكستان.
وتحدَّث ضابط إسرائيلي كبير عن أنَّ قدرات حزب الله تزداد من حيث التدريب والتسليح وهذا مصدر خطر مباشر على أمن إسرائيل، حيث بات الحزب أقرب إلى جيش نظامي منه إلى ميلشيا بدائية.
وبالاستناد إلى تقارير عسكرية إسرائيلية، يملك الحزب حاليًّا 130 ألف صاروخ مقابل 15 ألفًا كانت في حوزته في حرب يوليو 2006، ما يجعله قادرًا على إطلاق ألف صاروخ يوميًّا على إسرائيل إذا نشبت الحرب.
ما يمثل خطورةً أيضًا هو نوعية السلاح، فلدى الحزب حاليًّا صواريخ بعيدة المدى من طراز M-600 من صناعة سورية، وهي مشابهة لصاروخ "الفاتح 110 الإيراني"، والقادر على الوصول إلى 300 كيلو متر، ويمكنه حمل رأس متفجر بزنة 500 كيلو جرام، بالإضافة إلى صواريخ "سكود" التي تصل إلى 700 كيلو متر التي تستطيع إصابة مبنى الكنيست بالقدس، ومفاعل ديمونا في النقب، ومحطات الطاقة في عسقلان.
لماذا لا؟
الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى أنَّه من غير المتوقع اندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل في الوقت الراهن، لافتًا إلى أنَّ المتوقع هو الاستمرار في العمليات الخاصة والقصف الموضعي.
وأضاف – لـ"مصر العربية": "إسرائيل تمارس هذه العمليات الخاصة منذ فترة، حيث تقصف بعض شحنات الأسلحة التي تُنقل من سوريا إلى لبنان، فضلًا عن قصف مواقع ومخازن وتنفيذ عمليات اغتيال لعدد من قادة الحزب بدءًا من عماد مغنية ثم استهداف ابنه سمير وعدد آخر من القادة، إلا أنَّ الحزب لم يرد".
التوسع القتالي في سوريا اعتبره غطاس أكسب الحزب خبرات قتالية كبيرة، جعلته يتعامل كأنَّه جيش شبه نظامي، غير أنَّه منهك القوة، حيث أنَّ عددًا كبيرًا من عناصره قتلوا في الحرب السورية، في ظل أيضًا حالة عدم قبول له في لبنان، وهو ما يجعل من المستبعد توقع اندلاع حرب بين الجانبين.
يقول غطاس إنَّ إسرائيل اتبعت استراتيجية جديدة، وضعها رئيس الأركان الجنرال إيدنجوت عندما كان قائدًا للمنطقة الشمالية، وتسمى استراتيجية الضيعة المحروقة، موضِّحًا أنَّه تعني أنَّ أي صاروخ يُطلق من حزب الله تجاه الأراضي الإسرائيلية يكون الرد عليه بحرب شاملة تنسف أو تزيل المنطقة الجنوبية التي تسكنها الأغلبية الشيعية.
هذه الاستراتيجية طبَّقها الاحتلال جزئيًّا في غزة حينما أزال أحياء كاملة في القطاع، كما يرى غطاس، الذي أشار إلى أنَّ الأمر سيكون مختلفًا مع حزب الله، مشدِّدًا على أنَّه إذا نشبت حرب فإنَّ كلفتها ستكون عاليةً جدًا على الطرفين، ما يجعلهما يستبعدان الحرب الشاملة على الأقل في المدى المنظور.
غطاس أشار إلى أنَّ إيران لا يمكن لها أن تتورط في مثل هذه الحرب، متابعًا: "قرار الحرب هو قرار خطير ويُحسب بدقة، ولا أعتقد أنَّه في مصلحة حزب الله أو إيران الدخول حاليًّا في حالة حرب مع إسرائيل، لأنَّ الحزب في حالة عزلة إقليمية وعربية ودولية ولأنَّ إسرائيل متفوقة عسكريًّا فإنَّ خسائر الحزب ستكون كبيرة".