روحاني رئيسًا لإيران.. ولاية جديدة بعد سنوات عجاف
بنسبة تفوّق كبيرة، حسم الرئيس الإيراني حسن روحاني الانتخابات الرئاسية ليفوز بولاية ثانية، متفوقًا على منافسه "المحافظ" إبراهيم رئيسي.
الداخلية الإيرانية أعلنت أنَّ روحاني حصل على أكثر من 23 مليون صوت بنسبة 57% من جميع الأصوات، بينما منافسه إبراهيم رئيسي حصل على أكثر من 15 مليون صوت، بما نسبته 38.5%، في حين حصل مير سليم على 478 ألفًا و215 صوتًا، و215 ألفًا و450 صوتًا لصالح هاشمي طبا.
واجه روحاني "68 عامًا"، الذي اكتسح الانتخابات قبل أربعة أعوام بعد أن وعد بانفتاح إيران على العالم ومنح مواطنيها مزيدًا من الحريات في الداخل، تحديًا قويًّا من رئيسي أحد تلاميذ الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
ولم يسلم فوز روحاني من حديث عن خروقات جرت خلال العملية الانتخابية، حسب مجلس صيانة الدستور، فيما رجَّحت "الجزيرة" أن تكون تسوية للخلافات قد جرت بشأن الحديث عن خروق في الاقتراع بعد جلسة مطولة أجريت صباح اليوم بمقر وزارة الداخلية، بحضور ممثلي روحاني ورئيسي، وموافقة مجلس صيانة الدستور المشرف على الانتخابات على هذه النتائج.
فوز روحاني جاء كعادة إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية على فوز الرئيس بدورتين متتاليتين، ولم يشذّ عن هذه القاعدة سوى الرئيس الأول حسن بني صدر الذي تمَّ عزله عن منصبه إثر خلاف بينه وبين زعيم الثورة الخميني.
من هو روحاني؟
ولد روحاني في 12 نوفمبر 1948 في منطقة سرخة بمحافظة سمنان شرقي طهران، وكان والده تاجرًا ووالدته ربة منزل، وهو حائز شهادة دكتوراه من جامعة جلاسكو في إسكتلندا.
وكان روحاني إلى جانب الخميني عندما تمَّ نفيه إلى فرنسا قبل 1979، ثمَّ أطلق مسيرةً سياسيةً طويلةً وصنّف حتى العام 2000 بأنَّه في صفوف المحافظين قبل أن يتقرب من المعتدلين والإصلاحيين.
وكان روحاني نائبًا بين عامي 1980 و2000، ثمَّ انتخب عضوًا في مجلس الخبراء، الهيئة المكلفة الإشراف على عمل خائمني.
وتولى روحاني منصب نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني كما كان كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي بين عامي 2003 و2005، وفي هذه الفترة حاز لقب "الشيخ الدبلوماسي"، لكنَّه أقصي من هذا المنصب بعد انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2005.
وانتخب روحاني رئيسًا في 2013 بنسبة 50.7% من الأصوات من الدورة الأولى بفضل دعم الإصلاحيين، وبعد انتخابه أعلن أنَّ نهاية عزل إيران هي أولويته.
وفي يوليو 2015، أبرم روحاني اتفاق ينص على أنَّ تحد طهران برنامجها النووي للاستخدام المدني مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على البلاد.
وروحاني الذي يعرف عنه انفتاحه على الحوار مع الغرب، نجح في التوصل إلى مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، لتسوية أزمة الملف النووي بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن "الأخير" منع أي مفاوضات أخرى مع واشنطن.
اقتصاد
عندما انتُخب روحاني عام 2013، كانت إيران تعاني من تضخم بلغت نسبته 35%، وانهيار في قيمة العملة الوطنية بمقدار الثلثين في العام السابق، كما كان الاقتصاد يعاني من الشلل تحت وطأة العقوبات الدولية.
وكذلك، هبطت صادرات النفط وإنتاج السيارات - وهي الصناعة التحويلية الأولى في إيران - بمقدار الثلثين، وسط مطالبات العاملين في مجال الصناعة بأجورهم المتأخرة بعد أن ضاقوا ذرعا بهذه الأوضاع.
آنذاك، شنَّ روحاني حملةً ضد السياسات الشعبوية التي انتهجها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ووعد بأن يعطي أولوية للوظائف والإنتاج على إعادة التوزيع، وتعهد بالسيطرة على التضخم، والتفاوض على اتفاق مع الغرب لإنهاء العقوبات، إضافة إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي.
وفي حملته الانتخابية قبل أربع سنوات، وعد روحاني بتوفير أربعة ملايين فرصة عمل، لكن بحسب مدير المركز الإيراني للإحصاء، ارتفعت وتيرة البطالة ووصلت في 2016، إلى 22%، أي حوالى خمسة ملايين عاطل عن العمل، وتؤكد المصادر غير الرسمية والمختصون أن الرقم يصل إلى سبعة وربما عشرة ملايين.
ونجح روحاني – طبقًا لما وعد به – في خفض معدل التضخم لأقل من 10% للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود، ورُفعت العقوبات بموجب الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، واستقر سعر الصرف على مدار الأعوام الأربعة الماضية، لكنَّ أيضًا العديد من الإيرانيين يعانون الإحباط بعد أن كانوا يتوقعون أن تؤدي هذه النجاحات إلى تحسين مستويات معيشتهم وفرصهم الوظيفية.
في رئاسته، اتبع روحاني سياسة مالية جامدة أدَّت إلى تعميق الركود وتأخير التعافي، حيث أبقى معدل الاستثمار الحكومي في الأصول الثابتة عند 5% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ضعف ما كان عليه إبان رئاسة أحمدي نجاد، لكن لا يزال في النهاية منخفضًا للغاية، إذ يُعدّ الاستثمار الحكومي في الأصول الثابتة المحرك التقليدي للنمو الاقتصادي في إيران، ولم تكن نسبته تقل عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي في أوقات الرخاء، حسبما كتب للجزيرة، جواد صالحي أصفهاني أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا.
وحسب تقييمه، فرغم أنَّ الاقتصاد بدأ في النمو مجدّدًا بعد انكماش استمر عامين، إلا أنَّ حجم هذا التعافي الحالي ومدى ثباته واستمراريته أمر مختلف عليه، فنظرًا لاعتماد هذا النمو المستجد في غالبه على مضاعفة إنتاج النفط، فإنَّه لم يسفر عن زيادة في دخول معظم الأسر، ولم يخلق فرصًا وظيفية جديدة، لذلك فبعد أن توقع مراقبو صندوق النقد الدولي الذين يزورون إيران مرتين كل عام، أن يبلغ معدل النمو 6.6% في العام المالي 2016-2017، خفضوا توقعاتهم إلى نصف هذه النسبة للعام المالي 2017-2018.
ومؤخرًا، تنصَّل روحاني في المناظرات الانتخابية من وعوده بتوفير ملايين فرص العمل، وعلى الرغم من أنَّ السنة الأخيرة من ولايته شهدت نموًا وصل إلى 6.6% إلا أنَّ هذا النمو تحقَّق بسبب تزايد صادرات النفط عقب الاتفاق النووي، ولم يكن نصيب القطاع غير النفطي من هذا النمو سوى 0.8%.
منتقدو روحاني يرون أنَّ السبب الرئيسي في المشكلات الاقتصادية يعود لتركيز الحكومة على السياسة الخارجية، ويعتقد هؤلاء أنَّه وبعد عامين على توقيع الاتفاق النووي لم تشهد البلاد انفراجةً في الأوضاع الاقتصادية، في حين يعزو أنصار الرئيس ذلك إلى قيمة النفط المتهاوية والفساد، على الرغم من تسلم بعض الأرصدة المجمدة من واشنطن.
الاتفاق النووي
انتخاب روحاني لولاية جديدة يتيح – كما يرى خبراء – الفرصة لمواصلة تطبيق سياسة الانفتاح على العالم التي بدأها بالاتفاق النووي التاريخي المبرم مع الدول العظمى في يوليو 2015 خلال ولايته الأولى.
وقبل اعتلائه السلطة التنفيذية في البلاد، كان لروحاني دور واضح في المفاوضات النووية، فقد كان الأمين العام لمجلس الأمن القومي لمدة تناهز 15 عامًا، وكان المسؤول عن المفاوضات النووية ولم يسحب الملف النووي منه إلا في 2005، نتيجة استياء المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، من مسار المفاوضات، واعتلاء أحمدي نجاد السلطة إلى غاية 2013، لكن الظروف تغيرت حينها وجعلته يظهر بمظهر السياسي المعتدل ويكسب نتيجة ذلك أصوات الإصلاحيين الذين تم إقصاؤهم عن المشهد السياسي منذ 2005 إثر الانتخابات الرئاسية.
ولا شك أنَّ تمكُّن روحاني من عقد الاتفاق النووي وكسر العزلة عن البلاد يُحسب لصالحه، لكنَّ هذه المفاوضات أُطلقت بإيعاز من المرشد الإيراني قبل شهور من وصول روحاني للسلطة.
ويرى كثيرون أنَّ روحاني كان محظوظًا بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي كان يريد الاتفاق مع إيران حول البرنامج النووي بأي ثمن، الأمر الذي عزَّز من موقع روحاني في السلطة، لكنَّ حسن الطالع هذا شارف على نهايته مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وحديثه عن رغبته بإلغاء الاتفاق النووي أو إعادة التفاوض حوله في الحد الأدنى.
العلاقات مع العرب
حين تسلَّم روحاني السلطة كانت علاقة إيران بالدول العربية تمر بمرحلة من التوتر نتيجة مساندة النظام الإيراني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكانت هناك آمال بأن يسهم روحاني في إيجاد حل للأزمة السورية إلا أنَّه لم يحدث.
وشهدت السنوات الأخيرة تدهورًا خطيرًا في العلاقات مع الدول الإسلامية، لا سيَّما بلدان الخليج ومنها السعودية نجم عنه قطع "الأخيرة" للعلاقات الدبلوماسية مع طهران إثر الاعتداء على سفارتها، تبعه إغلاق سفارات كل من البحرين والصومال والسودان وجيبوتي وكومور والمالديف في طهران.
حقوق الإنسان
وكالة "الأناضول" قالت إنَّ سنوات حكم روحاني شهدت رقمًا قياسيًّا في حالات الإعدام في البلاد، بما لا يقل عن ثلاثة آلاف حالة، منها العشرات تحت سن الثامنة عشرة بالإضافة إلى عشرات النساء وعلى رأسهن ريحانة جباري التي أدينت بقتل مسؤول سابق في الاستخبارات بعد محاولته اغتصابها.
ورغم أنَّ حكومة روحاني دعَّمت محاولات إلغاء حكم الإعدام، إلا أنَّ مواقفه في الدفاع عن أحكام إعدام المعارضين ينبغي ألا تُنسى، فقد اعترض روحاني على المظاهرات التي أعقبت انتخابات 2009، وسمى المتظاهرين بأعداء الثورة وطالب القضاء بمواجهتهم بحزم.
ولم ينجح الرئيس الإيراني بتحقيق وعوده برفع الإقامة الجبرية عن زعيمي الحركة الخضراء موسوي وكروبي، كما بقي الفضاء الأمني مسيطرًا على الجامعات، كما لم تتحقق وعوده بعودة الإيرانيين إلى البلاد للمساهمة في إعمارها، ولم يشهد عهده انخفاضًا في حدة التضييق على حرية الرأي، بل اعتقل كثير من النشطاء وزادت الضغوط على السجناء السياسيين.
واحتلت إيران في 2017، المرتبة 165 من بين 180 دولة في حرية الإعلام، حيث طبّقت حكومة روحاني رقابة صارمة على وسائل الإعلام، وحاولت التعرُّف على هويات جميع مستخدمي الإنترنت وضبط بياناتهم، وشهدت هذه المرحلة إغلاق العديد من الصحف بالرغم من ولائها للثورة مثل "آسمان"، "نشاط"، "هم ميهن"، "بهار".