حربٌ دون قتال.. ماذا يعني انضمام «الناتو» للتحالف الدولي ضد داعش؟
"أن يشترك حلف عسكري في تحالف قتالي فهذا معناه اشتراكه في المعارك أمَّا أن يكون الانضمام دون العمليات القتالية فهنا تدور التساؤلات وتثار الريبة".. قرر حلف الشمال الأطلسي "الناتو" أن يكون عضوًا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة "داعش"، لكنَّه أعلن عدم مشاركته على الأرض.
صدر القرار من مقر "الناتو" الجديد بالعاصمة البلجيكية بروكسل، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو أول اجتماع لهم في الحلف منذ انتخابه رئيسًا في 20 يناير الماضي، وجاء الإعلان جاء على لسان أمين عام "الناتو" ينس ستولتنبرج، الذي قال إنَّ الحلف سينضم إلى التحالف لكن دون المشاركة في العمليات القتالية.
ستولتنبرج أشار إلى أنَّ ترامب أبدى التزامًا قويًّا بالدفاع عن الحلف، وأنَّ ترامب كان حادًا في حديثه عن ضرورة أن تسدد الدول الأعضاء مستحقاتها في الحلف.
تصريحات ترامب عن "الناتو" تعيد إلى الأذهان تصريحاته التي كان قد أدلى بها فورًا انتخابه رئيسًا حين وصف الحلف بأنَّه "منظمة عفا عليها الزمن"، إلا أنَّ إشراك الناتو في التحالف وإن كان بعيدًا عن العمليات القتالية فإنَّه يأخذ منحى جديدًا مفاده أنَّ الولايات المتحدة باتت تقود بعدًا عالميًّا ضد الإرهاب.
هذا البعد يتجسَّد في أنَّها تقود التحالف الدولي الذي يخوض عمليات في سوريا والعراق، كما أنَّها تتولى دور التنسيق لتشكيل "ناتو إسلامي" عقب القمة الإسلامية الأمريكية التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض قبل أيام، إلى جانب حلف "الناتو" التي تشكِّل الولايات المتحدة 70% من قوته.
رسالة سياسية
ربما يحمل قرار الناتو بالانضمام إلى التحالف الدولي رسالة سياسية أكثر منها عسكرية، مفادها هي "الوحدة ضد الإرهاب"، غير أنَّ هذا الطرح مردود عليه بأنَّ مستقبلًا جيدًا للعلاقات بين الحلف وإدارة ترامب ليس مضمونًا، فالرئيس الأمريكي لم يعين حتى الآن مبعوثًا أمريكيًّا لدى الحلف، وكذا لا يوجد خبير في وزارتي الدفاع أو الخارجية الأمريكيتين مسؤولٌ بشكل مباشر عن القضايا الأوروبية.
واللافت أنَّ تناقضًا كبيرًا يظهر على ترامب بين حين وآخر فيما يتعلق بأوروبا، ففي مطلع العام الجاري وصف وصف الاتحاد الأوروبي بأنَّه أداةٌ في يد ألمانيا، وقال إنَّ خروج بريطانيا شيء عظيم وأنَّ دولًا أخرى ستخرج منه أيضًا، كما لا يخفي الرئيس الأمريكي نية بلاده الخروج من اتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ، وهو كذلك لا يرضى عن اعتبار الاتحاد الأوروبي طرفًا في الاتفاق النووي مع إيران.
إلا أنَّه عقب لقاءاته بمسؤولين أوروبيين وجولته الخارجية التي شملت إيطاليا وبلجيكا، عاد حاليًّا يصف الاتحاد الأوروبي بـ"الرائع".
خطوة لن تفيد
يقلِّل محللون من جدوى الخطوة، ومدعى هذا التقليل أنَّ الحلف لن يشارك في الأساس في الأعمال القتالية، وأيضًا أنَّ أغلب الدول الأعضاء في الحلف هي في الأساس منضمةٌ إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ما يعني أنَّه لا يوجد ما يؤشر إلى أنَّ تغييرًا ملحوظًا سيطال المنطقة في القريب العاجل.
هذا الطرح أقرَّته روسيا، فصرَّح ممثلها الدائم لدى "الناتو" ألكساندر جروشكو بأنَّ انضمام الحلف للتحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة" لن يشكل إضافةً كبيرةً، مرجعًا ذلك إلى أنَّ كل دوله تعتبر مشاركة بالتحالف بشكل أو بآخر.
جروشكو قال، في مقابلة مع قناة "روسيا 24": "لقد أقرت خطة عمل تسمح للحلف بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. من وجهة نظر القيمة المضافة، فهذه الخطوة ستضيف القليل، بما أنَّ كل البلدان وأعيد وأكرر كل البلدان الأعضاء في الحلف تعتبر مشاركة في هذا التحالف".
غير أنَّ تفسيرًا لعدم المشاركة في الأعمال القتالية هو أنَّ الحلف يؤمن بالنظرية العالمية الحالية في مكافحة الإرهاب والتي تقوم على مبدأ محاربة الجماعات المتطرفة على يد أهالي المنطقة التي تنتشر فيها هذه الجماعات بعد تدريبهم وتأهيلهم ومدهم بالعتاد والسلاح وغير ذلك من أشكال الدعم اللوجستي والاستخباري.
عقيدة الناتو
عقيدة الناتو تطورت كثيرًا، لا سيَّما منذ عام 1991 حيث انتقل من "الردع" إلى "الدفاع عن المصالح الجماعية لأعضائه خارج أراضيه، والمثال المعاصر على ذلك هو تدخله في الأزمة الليبية عام 2011، المستمرة حتى الآن.
تحليليًّا، تمَّ التعامل مع تدخل الناتو في ليبيا على أنَّه تنفيذ عملي لـ"قمة إسطنبول" عام 2004، حيث اتفقت الدول الأعضاء أن يكون هناك دور أكبر للحلف في منطقة الشرق الأوسط والعمل على التدخل بشكل سريع لدرء المخاطر التي تهدد الدول الأعضاء، وهو ما فسَّر بشكل واضح تدخل القوات في الصراع الدائر بين مقاتلي المعارضة والجيش الليبي التابع للرئيس الراحل معمر القذافي، وتزويد المقاتلين بالعتاد والسلاح وشن هجمات جوية وصاروخية أفقدت الجيش الليبي قدراته القتالية تمامًا، ما أثَّر بشكل رئيسي على سير العمليات على أرض المعركة وتمكين العناصر المسلحة من السيطرة على الأمور.
مدنيون.. ضحايا الغارات
على الأرض أيضًا، لا يسلم المدنيون من تدخلات الغرب، فغارات التحالف في سوريا أو العراق أسقطت آلاف القتلى، ومن ذلك مثلًا ففي بداية مايو الجاري مرَّ ألف يوم على بدء تدخُّل التحالف في سوريا لطرد ما برر دخوله بها "الجماعات الإرهابية"، وهم بالفرض جدلًا بضعة عشرات آلاف، لم ينتهوا في غارات الألف يوم، قتل منهم بعضهم، لكنَّ أعمال القتل هذه لم يسلم منها المدنيون، وهم بعضٌ من نحو مليون قتيل في سوريا، سقطوا منذ 2011.
الأيام الألف لم تخلُ من مقتل مدنيين بفعل الغارات "الدولية"، فحسب إحصاء للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل 1256 مدنيًّا، بينهم 383 طفلًا و221 سيدة، في عمليات قوات التحالف ضد تنظيم "الدولة" بقيادة واشنطن في سوريا، منذ انطلاقها عام 2014.
وبحسب إحصاء الشبكة، فإنَّ قوات التحالف قتلت مدنيًّا على الأقل يوميًّا، منذ انطلاق عملياتها في سوريا، وأشارت إلى أنَّ الهجمات التي نفَّذتها قوات التحالف في عامي 2014 و2015، اتَّصفت بأنَّها كانت مركزة وأكثر دقة في استهدافها للمواقع العسكرية التابعة لتنظيم "الدولة" وأقلَّ تسبُّبًا في وقوع الضحايا المدنيين، مقارنةً مع الهجمات التي تمَّ تنفيذها في العام الماضي حتى مايو الجاري، والتي كانت أكثر عشوائية وفوضوية بشكل ملحوظ، حسب نص تقريرها.
الشبكة كشفت أنَّ قوات التحالف قتلت بين مطلع يناير من العام الماضي وبداية مايو الجاري ما لا يقل عن 998 مدنيًّا، بينهم 304 أطفال و178 سيدة، أي بمعدل 80% من مجمل الضحايا الذين قُتلوا منذ بداية التدخُّل.
مصطلح "المجازر" استخدمته الشبكة في وصفها لما وقع بفعل غارات التحالف، فتحدَّثت عن 51 مجزرة منذ التدخُّل في 23 سبتمبر 2014 إلى الآن، بينها 34 "مجزرة" في محافظة الرقة لوحدها أي بنسبة 67%، و12 في محافظة حلب "شمال".
الشبكة أوضحت أنَّ قوات التحالف اصطفّت في نهاية 2015 بشكل علني إلى جانب تنظيم "ب ي د" -الامتداد السوري لمنظمة "بي كا كا"- تحت مبرر محاربته لتنظيم "الدولة"، وقالت عن ذلك: "هذا الأسلوب الذي اعتمدته قوات التحالف الدولي يعتريه خلل واضح، فلا يمكن هزيمة تنظيم داعش المتطرف المستند إلى أيديولوجيا دينية متشددة، بالاعتماد على تنظيم متطرف يستند إلى أيديولوجيا عرقية متشددة، انفصالية عن الدولة والمجتمع السوري".
وكما تقول الشبكة، فإنَّ قيادة قوات التحالف اعترفت بقرابة 74 حادثة في سوريا، ومن ذلك ما ذكرته القيادة الأمريكية المركزية في بداية أبريل الماضي أنَّها قتلت 299 شخصًا في كلٍ من سوريا والعراق، دون أن تُمايز بين الدولتين.
اعتراف قيادة قوات التحالف بسقوط ضحايا مدنيين في عملياتها تراه الشبكة وحده ليس كافيًّا، وأضافت أيضًا: "على الرغم من مرور كل هذه المدة الزمنية، لم نسمع بعملية محاسبة أو اعتذار أو تعويض أو عزل للمسؤولين عن ارتكاب حوادث تُشكِّل جرائم حرب".
العراق أيضًا لم تسلم من ذلك، فقتل مئات المدنيين في غارات للتحالف، وآخر شاهد على ذلك اعتراف الجيش الأمريكي أمس الخميس بأنَّ غارة شنَّتها إحدى مقاتلات التحالف في شهر مارس الماضي، أسقط 105 مدنيين في الموصل.
وقبل شهرين، أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" تقريرًا، تحدَّثت فيه عن أنَّ مئات المدنيين العراقيين قُتلوا في غارات جوية شنَّتها قوات التحالف في العراق.
المنظمة قالت إنَّ التحالف فشل في اتخاذ الإجراءات "الكافية" لحماية المدنيين خلال المعركة التي يخوضها إلى جانب الحكومة العراقية لاستعادة الموصل التي تعد المعقل الحضري الأكبر لدى تنظيم "الدولة".
الارتفاع المفاجئ لعدد ضحايا الغارات الجوية من المدنيين أثار الكثير من التساؤلات حول مشروعية تلك الهجمات بحسب المنظمة، التي أكَّدت أنَّ واحدةً من أكثر الهجمات دموية منذ سنوات، نفذت في السابع عشر من مارس الماضي، وراح ضحيتها 150 من المدنيين، ما دفع السلطات الأمريكية والعراقية لإعلان سلسلة من التحقيقات بشأن هذا الحادث وغيره.
في ليبيا أيضًا، لم يسلم المدنيون من غارات الناتو، فبحسب منظّمة "هيومان رايتس ووتش" ومنظّمة العفو الدوليّة ومنظّمات أخرى تُعنى بحقوق الإنسان، تسّببت غارات حلف "الناتو" بمقتل أكثر من 70 مدنيًّا في كلّ أنحاء ليبيا، مع أنَّ السكّان المحلّيين والشهود يقولون إنَّ العدد أكبر.
وما يؤكِّد تعمُّد الاستهداف، أكَّد صحفيّون وخبراء في الأمم المتّحدة ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان بعد التحقيق بالوفيّات، وفاة المدنيّين في كلّ مواقع القصف وأيضًا عدم وجود أيّ أهداف عسكريّة محتملة بالقرب من المباني المدنيّة المدمّرة.
الانضمام.. ماذا يعني؟
الباحث والمحلل السوري ميسرة بكور شدَّد على أهمية انضمام "الناتو" إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، موضِّحًا أنَّ بعض الحلف هي في الأصل شريك فعلي في الحرب على الإرهاب.
وقال – لـ"مصر العربية": "سياسة أوباما كانت تميل إلى تجحيم التدخل العسكري في المنطقة، لكنَّ ترامب يحاول دفع الحلف إلى مشاركة التحالف في مكافحة الإرهاب، سواء لوجستيًّا واستخباراتيًّا أو التدريب أو المراقبة أو إنشاء منصات صواريخ كما حدث في تركيا".
وأضاف: "الخطوة مهمة في حد ذاتها وهي في الاتجاه الصحيح، لكن إذا لم يتدخل الناتو عسكريًّا فمن الصعب تغيُّر الوضع على الأرض، وعمليًّا فأمريكا يمكنها القضاء على التنظيمات الإرهابية وأسَّست لها جيشًا من العصابات الكردية، فهي تحارب الإرهاب بإرهاب أشد تطرفًا".
وأشار إلى أنَّ كثيرًا من مخابرات الدول الأعضاء في الحلف تنشط في سوريا ولديها عدة معلومات حول تمركز قيادات تنظيم "الدولة".
بكور تحدَّث عن عمليات قتل يومية تمارسها قوات التحالف الدولي سواء في سوريا أو العراق ضد المدنيين، مستشهدًا بغارات للتحالف شرقي سوريا أمس أوقعت نحو 35 قتيلًا، فضلًا عن كشف الجيش الأمريكي أنَّ غارة للتحالف أسقطت 105 قتلى من المدنيين بالموصل العراقية في شهر مارس الماضي، وقال: "لا نقبل أن يبرر التحالف قصف هذه المناطق بأنَّه حصل على معلومات من العصابات الكردية هناك".
ويرى المحلل السوري أنَّ الغرب سياسة "الأرض المحروقة" يتبع من أجل تحقيق أهدافه في المنطقة، متابعًا: "يعتمدون على أشخاص على الأرض أشد تطرُّفًا من تنظيم الدولة سواء الحشد الشعبي الذي يحدِّد النقاط التي على أمريكا قصفها ونتيجة ذلك يُقتل مئات المدنيين كما فعل الأكراد في سوريا بإعطائهم معلومات عن مناطق للنازحين ما تسبَّب في كوارث".
الأكراد – كما يقول بكور – يريدون حرق هذه المنطقة وطرد كل العرب منها، بهدف ترسيخ حلمهم في تأسيس الدولة الكردية.
وردَّ الباحث السوري على سؤاله بإمكانية التعويل على الغرب لمكافحة الإرهاب في المنطقة بعدة تساؤلات: "أين داعش الذي استخرج من مدن الموصل؟ أين قتلى داعش؟ أين جنود داعش الذين استخرجوا من الموصل؟.. يتحدثون عن أنَّه لا يتبقى في الموصل إلى حي أو حيان فأين آلاف الجنود الذين كانوا محاصرين؟.. لماذا لم تحرّر المناطق من داعش رغم كل هذه الحشود البرية والبحرية والجوية؟".
وهو يشير إلى أنَّ جهات معنية تحرك تنظيم "الدولة" بعدما صنعته، يقول بكور: "الوظيفة المكلف بها داعش لم تنتهِ حتى اليوم، ومازال الغرب بحاجة إلى التنظيم في المرحلة المقبلة".
بعض ممارسات التحالف الدولي وحلف الناتو يراها بكور تشير إلى سعيهما لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وهنا ذكر: "الولايات المتحدة تدعم الأكراد وهؤلاء يزعزون استقرار تركيا وكذلك المنطقة ورغم أنَّ أردوغان اشتكى هذه التصرفات الأمريكية في قمة الناتو ببروكسل إلا أنَّ الحلف لم يناقش ذلك، بل إنَّ الحديث يدور حول نقل القاعدة الألمانية من تركيا إلى لبنان أو حتى سوريا باعتبار أنَّ ألمانيا هي ثاني أكبر دعم للأكراد بعد أمريكا".