الأزمة الخليجية والتدخل العسكري.. هل انسدت كل الطرق؟
في الأعراف الدبلوماسية، يعرف مبدأ عام، مفاده عندما تنغلق كل الأبواب أمام حل أي أزمة، فما من سبيل إلا التحرك عسكريًّا.
مثال ذلك، الأزمة الخليجية التي تُحاصِر المنطقة العربية وتُحاصَر فيها قطر، لا يبدو أنّ حلًا يلوح في أفقها، وبالتالي جاء الحديث عن تدخل عسكري، قيل إنّه تم إجهاضه.
موقع «ذي إنترسبت» الأمريكي قال إنّ السعودية والإمارات كانتا تخططان لغزو قطر عسكريًّا في صيف 2017، لكن مساعي وزير الخارجية الأمريكي - آنذاك - ريكس تيلرسون أثنت البلدين عن تفعيل مخططهما.
الموقع اعتبر أنّ جهود الوزير الأمريكي شكّلت أحد أبرز أسباب إقالته من منصبه في وقت لاحق.
وفي التفاصيل، ينقل الموقع عن مصادر استخباراتية في الخارجية الأمريكية، أن «تيلرسون أجرى عدة اتصالات حينها مع المسؤولين السعوديين لثنيهم عن القيام بهذا التحرك»، لكن تقارير تحدثت آنذاك عن أنّ هدف هذه المساعي كان تخفيف التوتر بين قطر ودول الحصار وليس وقف أي عمل عسكري محتمل ضد الدوحة.
وقد كشف مصدرٌ للموقع أنّ تيلرسون الذي تعامل على نطاق واسع مع الحكومة القطرية عندما كان رئيسًا تنفيذيًّا لشركة «إكسون موبيل»، دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي ولي العهد - آنذاك - الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى عدم مهاجمة قطر أو تصعيد الأعمال العدائية ضدها.
كما دعا الوزير الأمريكي للاتصال بنظرائه في السعودية وتوضيح خطورة الإقدام على عمل عسكري من هذا النوع.
وبحسب الموقع، استجاب محمد بن سلمان لضغوط تيلرسون؛ مخافة تقويض العلاقات السعودية الأمريكية على المدى الطويل.
وبالرغم من ذلك، يذكر الموقع أنّ «تدخلات تيلرسون وقرار العدول عن التحرك العسكري تسبّبت في فورة غضب لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بحسب مصدر مقرب من العائلة الحاكمة في الإمارات».
وأشار الموقع إلى أنّ «البلدين الخليجيين (السعودية والإمارات) سعيا بقوة لإقالة تيلرسون لاستيائهما إزاء محاولاته المستمرة للوساطة وإنهاء حصار قطر»، كما أوضح أنّ سفير الإمارات في واشنطن «يوسف العتيبة كان يعلم بإقالة تيلرسون لثلاثة أشهر قبل صدور القرار» رسميا في مارس 2018، حسبما ورد في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
الموقع كشف أنّ عناصر استخبارية قطرية كشفت مخطط الغزو منذ مطلع صيف 2017، وأن تيلرسون بدأ مساعيه لوقفه بعد أن أخطرته الحكومة القطرية وسفارة واشنطن في الدوحة.
وقد أكدت تقارير استخبارية أمريكية وبريطانية بعد ذلك بشهور رسميًّا وجود المخطط.
وتنص الخطة التي أشرف عليها وليا العهد السعودي والإماراتي، وكانت على بعد أسابيع قليلة فقط من تنفيذها - وفق الموقع - على مشاركة قوات سعودية برية في عبور الحدود البرية إلى قطر، والتوغل بمسافة 70 ميلًا صوب العاصمة الدوحة بدعم من القوات الإماراتية.
وبعد اجتياز قاعدة العديد الجوية، التي تضم حوالي 10 آلاف جندي أمريكي، تقوم القوات السعودية ببسط سيطرتها على العاصمة الدوحة.
الأزمة الخليجية بدأت في الخامس من يونيو من العام الماضي، عندما أعلنت دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرضت عليها حصارًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا، بداعي دعمها للإرهاب، فيما نفت الدوحة هذا الاتهام عن نفسها، وتحدثت عن محاولات للنيل من سيادة قرارها الوطني.
وعلى مدار أيامها وأشهرها، لم يغب الحديث عن «امتداد عسكري» تبلغه الأزمة، تتعرض بموجبه الدوحة لهجوم ممن يسمون أنفسهم بـ«رباعي المقاطعة»، بينما تصفه قطر بـ"دول الحصار".
ولعل أبرز ما جاء في سياق الحديث عن «التدخل العسكري» هو ما جاء على لسان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي تقود بلاده جهود للوساطة بين الطرفين.
«الصباح» كان قد كشف في سبتمبر الماضي، عن "وقف عمل عسكري" في الأزمة الخليجية، وهو ما أثار وقتها جدلًا بين طرفي الأزمة حول ما إذا كان قد جرى طرح هذا الخيار أم لا.
أمير الكويت قال في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في البيت الأبيض: «المهم إنّه عسكريًّا، أوقفنا أن يكون هناك شيء عسكري».
وبعد تصريحات أمير الكويت، قال وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مداخلة مع قناة «الجزيرة»، ردًا على سؤال حول ما إذا كان «العمل العسكري قد صار شيئا من الماضي»: «من المؤسف أن يكون مثل هذا الخيار مطروح أمام دول من منظومة مجلس التعاون الخليجي تجاه دولة عضو في هذه المنظومة».
وأضاف: «منظومة التعاون الخليجي قامت في الأساس على الأمن الجماعي وعلى أن يكون هناك تحالف ما بين هذه الدول، فإذا كان مثل هذه الدول التي تعتبر شقيقة لديها مثل هذا الخيار تجاه دولة شقيقة فماذا نتوقع من الدول الأخرى؟ وماذا أبقينا للدول الأخرى؟».
أيضًا، أصدرت «الدول الأربع» بيانًا مشتركا قالت فيه إنّها «تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري»، مؤكدة أنّ "الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال"، وأنّ "الأزمة مع قطر ليست خلافًا خليجيًّا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية".
وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أكد أيضًا أن «الدول الأربع» لم ولن تسعى لتهديد قطر عسكريًّا، وشدد في الوقت نفسه على عدم السماح لأي طرف بتهديد أمن شعوبها واستقرارها.
الوزير قال - عبر «تويتر»: "أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تكلم من قلبه بما نطمح إليه من استقرار للمنطقة، وهو يعلم أنَّ التصعيد العسكري لم يأتِ من الدول التي قاطعت قطر".
وأضاف: "ما إن انتهى أمير الكويت من مؤتمره، حتى رأينا سلبية الموقف القطري، بوضع الشروط والعراقيل أمام أي حوار يلبي مطالب الدول الداعي لمكافحة الإرهاب، في حين أوصدت دولنا أبوابها في وجه شر الإرهاب المستطير والأذى الآتي من قطر، فتحت قطر أبوابها للجنود والآليات في تصعيد خطير".
وصرَّح كذلك: "الدول الأربع لم ولن تسعى لأي تهديد عسكري لقطر، إلا أنها، وكما يعرفها العالم، لن تسمح لأي طرف كبر أو صغر شأنه، بتهديد أمن شعوبها واستقرارها".
الدكتور أنور قرقاش، وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية قال - هو الآخر: «فزع الدوحة وهشاشة موقفها وراء الترويج لأوهام الخيار العسكري».
وشدد - في تغريدات على "تويتر" - على أنَّ الدول الأربع أكدت منذ اليوم الأول للأزمة أن الحل سيكون دبلوماسيًا، وأن تحركاتها ستكون ضمن حقوقها السياسية، معتبرًا أنَّ حالة تخبط أصبح مُلازمًا لسياسة ودبلوماسية الدوحة في التعامل مع التطورات.
وقال: "المطالب الثلاثة عشر الركن الأساسي لحل الأزمة، وهي حصيلة تراكم سياسات مُضرة وانعدام الثقة في الدوحة، وتصريحات أمير الكويت أيا كانت القراءة أكدت مركزيتها".
الخارجية الكويتية ردت هي الأخرى على لسان "مصدر مسؤول"، إذ جدَّد تأكيد الكويت على موقفها المبدئي والهادف إلى التهدئة بدلًا من التصعيد، والحوار البناء بدلًا من القطيعة.
كما حذر المصدر من استمرار الخلاف وانعكاساته المهددة للأمن والاستقرار في المنطقة وعلى مسيرة مجلس التعاون، وأشار إلى أن الكويت ستواصل مساعيها الخيّرة لرأب الصدع، ويحدوها الأمل في الوصول الى نهاية سريعة للخلاف المؤسف.
لكن يبرز سؤالٌ، "ماذا لو جرى التدخل العسكري؟"، وهنا صدرت العديد من التحذيرات جرّاء ذلك، أبرزها ما صدر عن القائد السابق للقوات المسلحة التركية عبد الله هاغر.
القائد التركي السابق، قال في تصريح سابق لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إنّ أي مواجهة عسكرية في الأزمة ستشعل حربًا عالمية جديدة، تكون بدايتها في الخليج.
قطر ذاتها كانت قد حذَّرت من أي تصعيد عسكري، فقال وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثانٍ إنَّه لا يمكن حل أي أزمة من خلال المواجهة، بل عبر الجلوس إلى طاولة النقاش، كما يجب أن يكون الحوار بناء على أسس واضحة، وأكَّد أنَّ أي تصعيد عسكري سيكلف المنطقة عواقب باهظة للغاية.
طرح "مصر العربية" العديد من الأسئلة، على السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق بشأن التدخل العسكري وجدواه وإمكانية حدوثه.
مرزوق - في مستهل حديثه - استبعد إمكانية اللجوء إلى تصعيد عسكري في الأزمة.
وقال إنَّ دول الحصار لا تجرؤ على اتخاذ هكذا تصعيد ضد قطر، وذلك تحسبًا لأي تداعيات عقب ذلك.
"الدبلوماسي السابق" اعتبر أنَّ المطالب الـ13 التي سبق أن تقدّمت بها دول الحصار هي أعلى ما يمكن اتخاذه في هذه الأزمة، معتبرًا أنَّ هذه الدول بلغت "أعلى الشجرة".
وأضاف: "هذه الدول وصلت لأعلى الشجرة وبالتالي فالخطوة المقبلة هي النزول لأنها لن تصعد في الهواء.. هذا عرف دبلوماسي.. هذه الدول طالبت قطر بأقصى ما يمكن أن تطلبه منها بحيث أنَّها لا تملك أن ترفض شيئًا".
وأضاف أنَّ النهج الذي اتبعته الدول الأربع لم يكن دبلوماسيًّا، معتبرًا أنَّها لم يعد يتبقى لها إلا بدء التراجع إزاء التعامل مع قطر بحثًا عن أرضية لحل توافقي سياسي يرضي كل الأطراف.
هذا الأمر لم يعتبره "مرزوق" بمثابة تقديم تنازلات من قبل الدول المقاطعة، لكنه أوضح: "سقف المطالب الذي تمّ وضعه منذ بداية الأزمة لم يكن دبلوماسيًّا ولا سياسيًّا ولا معقولًا، فالدبلوماسية تعني تقديم أشياء والحصول على أخرى وليس تصعيد المطالب على النحو الذي جرى في الأزمة مع قطر".
مرزوق وضع حلًا للتوافق في هذه الأزمة، من خلال السماح لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بـ"زحزحة" هذه المطالب وتعديلها من أجل الوصول إلى حلول وسط.
واقترح "مرزوق" أن يضع أمير الكويت "صيغة التوافق" بين الأطراف المتنازعة، تؤيده الدول المقاطعة بزعم احترامها للشيخ الصُباح، وتوافق عليه الدوحة للسبب نفسه.
محاولات الوساطة التي تمت من أجل حل الأزمة رفض "الدبلوماسي السابق" إدراج الولايات المتحدة بها، قائلًا: "أمريكا لا تتوسط.. هي فقط تعطي تعليمات، وأنا أظن أنها أمرت الدول المقاطعة بالنزول من فوق الشجرة (تخفيف مطالبها)".
الأزمة الخليجية – يرى "مرزوق" – بألا رابح من ورائها، ويوضح: "الدول العربية كلها ستخسر، فدول المقاطعة التي حاصرت الدوحة ستخرج خاسرة على الأقل ماء وجهها، وقطر أيضًا التي عاندت لبعض الوقت ستخسر هي الأخرى لأنها ستعتبر بشكل ما تعرضت للإهانة على المستوى الخليجي والعربي".