الجوع يفتك بأرواح اليمنيين.. هكذا يحتضر «البلد السعيد»

كتب: أيمن الأمين

فى: العرب والعالم

16:30 07 أكتوبر 2018

قبل أعوام كان يسمى بالبلد السعيد، رغم وقوعه في منطقة قاحلة يغلب عليها الجبال الصخرية الملتهبة صيفا من شدة الحرار، والباردة شتاءا من شدة البرودة، لكن وبعد سنوات من الحرب والاقتتال الداخلي، أصبح أتعس بلد عربي، يطارده الجوع والمرض والفقر.. هكذا حال اليمن، البلد الخليجي الذي لم يتوقف فيه الرصاص والدماء لقرابة 5 سنوات.

 

اليمن في السنوات الأخيرة، ضربه الفقر والجوع والمرض، لم يعد قادرا على احتضان أهله، وسط انقسام سياسي وعسكري، بين الحكومة الشرعية اليمنية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وبين جماعة الحوثي..

 

وجاءت الحرب قرابة الخمس سنوات الماضية، لتحول مأساة اليمن الفقير بين بلدان المنطقة إلى كارثة إنسانية وصور شتى من الانتهاكات يتصدرها الجوع الذي يفتك بالأطفال والنساء"..

ويواجه اليمن واحدة من أسوأ أزمات الجوع التي شهدها العالم، حيث يعاني 18 مليون شخص من الجوع (من أصل نحو 27 مليوناً)، أو ما يقرب من ثلثي عدد السكان الذين لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم التالية، وفق الأمم المتحدة.

 

مصير مجهول

 

الأيام الأخيرة كشفت عن أزمة جديدة تطارد اليمن، وتضع أهله بين مطرقة الجوع وسندان الفقر، فكان انهيار العملة أحد أهم الأزمات التي تطارد اليمنيين، والذي حذرت منه الأمم المتحدة، متحدثة عن مصير مجهول يطارد اليمن.

 

وحذرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، ليز غراندي، من أن انهيار العملة المحلية "الريال" يفاقم من خطر المجاعة الذي يواجه ملايين الأشخاص في هذا البلد الذي يعيش حرباً دموية منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف.

 

وقالت غراندي في بيان،: "لقد تضرر ملايين اليمنيين من المعدمين الذين يعانون من الجوع جراء الانخفاض السريع والخارج عن السيطرة في قيمة الريال اليمني".

 

وأكدت المسئولة الدولية أنه في حال استمرت قيمة الريال اليمني بالانخفاض، فإن مابين ثلاثة ملايين ونصف إلى أربعة ملايين يمني آخرون سيقعون في ظروف ما قبل المجاعة.. موضحة أن أسعار السلع الغذائية الأساسية في اليمن ارتفعت بشكل حاد في الأسابيع الأربعة الماضية، بسبب الانخفاض السريع في قيمة الريال.

 

وأشارت إلى أنه عندما ترتفع أسعار القمح أو زيت الطهي أو الحليب في الأسواق المحلية، ولو بزيادة بسيطة، فسيصبح التأثير كارثياً وفورياً.

وأضافت: "أصبح الوضع لا يطاق بالفعل، وسنصل إلى نقطة اللارجعة ما لم يتم القيام بشيء لإنقاذ الريال اليمني، خصوصاً أن اليمن يعاني أصلا من أسوأ أزمة إنسانية في العالم ويعيش عدد لا يحصى من الناس في جميع أنحاء البلاد منذ سنوات، بالكاد على قيد الحياة وهم على شفا الانهيار".

 

ولفتت إلى أن الأسر التي كانت بالكاد تستطيع شراء ما تحتاج إليه، أصبحت فجأة غير قادرة على ذلك نتيجة الانخفاض السريع في قيمة الريال.

 

خطة دولية

 

وكان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيث، أعلن قبل يومين، عن خطة دولية عاجلة، ستنفذ خلال أسبوعين، لإنقاذ الاقتصاد في اليمن، ووقف انهيار العملة المحلية "الريال".

 

وقال غريفيث إن أفضل سبيل لحل الأزمة الإنسانية في اليمن هو إصلاح الاقتصاد، ومن ثم فإن الحد من هبوط العملة المحلية الريال يأتي على رأس الأولويات الدولية.

وتشير إحصائيات للأمم المتحدة إلى أن 3.5 ملايين شخص مرشحين قريباً للحاق بـ 8 ملايين آخرين يواجهون بالفعل خطر المجاعة، ما يرفع العدد إلى نحو 12 مليون شخص، أي قرابة نصف السكان في اليمن، يواجهون خطر المجاعة.

 

ووصل سعر الدولار إلى 770 ريالاً يمنياً للمرة الأولى في تاريخه، بعد أن كان يعادل 215 ريالاً قبل الحرب؛ ما قد يرفع معدل التضخم إلى 80% مع نهاية العام، وفقاً لخبراء اقتصاديين.

 

وبحسب بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، انكمش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1247 دولاراً عام 2014 إلى 485 دولاراً عام 2017؛ ما تسبب في انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر الوطني، المقدَّر بـ600 دولار للفرد في العام.

 

وتُظهر تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع نسبة الفقر إلى 78.8% عام 2017 مقارنةً بنسبة 49% عام 2014.

 

جماعة الحوثي

 

في السياق، قمعت جماعة الحوثي المسلحة، مسيرات احتجاجية في شوارع صنعاء، رافضة للجوع وتدهور الأوضاع المعيشية بعد تهاوي العملة الوطنية وانهيار الاقتصاد.

 

وقال شهود عيان، إن مسلحي الحوثي اختطفوا عدد من الطلاب والطالبات، بعد أن تجمعوا أمام بوابة جامعة صنعاء للخروج في مسيرات احتجاجية ضد الجوع.

 

ولفت المصدر إلى أن الحوثيين، أغلقوا بوابه الجامعة وعززوا تواجدهم  بمئات المسلحين والأطقم العسكرية والأسلحة الثقيلة. وفقا لـ "يمن مونيتور.

 

وتخشى جماعة الحوثي من اندلاع ثورة جياع ضدها، من داخل جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية، التي أشعلت شرارة الثورة ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 2011م.

ومنذُ مطلع الأسبوع الماضي، أطلق نشطاء يمنيون على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات للخروج في مظاهرات واسعة في كل أنحاء البلاد رفضاً للجوع وتدهور الأوضاع المعيشية بعد تهاوي العملة الوطنية وانهيار الاقتصاد.

 

ثورة جياع

 

من جانبه، يرى الناشط السياسي اليمني عبد الله أحمد، أن "أي ثورة جياع ستطيح بالقوى الموجودة حالياً، وليس بالضرورة إفراز قوى جديدة، لكنها حتماً ستغيّر شكل التحالفات والخارطة السياسية الراهنة".

 

واستبعد أحمد في تصريحات صحفية، اندلاع ثورة قوية للجياع في الوقت الراهن، "ليس لأن الشعب غير قادر؛ بل لأن الناس يعيشون تحت قبضة أمنية حديدية بمناطق الحوثي من جهة، كما أنهم فقدوا الأمل في جدوى الخروج إلى الشارع من جهة أخرى، بفعل ما واجهه اليمن من أزمات بعد ثورة فبراير 2011، وانقلاب الحوثيين الذي بدأ على شكل تظاهرات تنادي بإصلاحات سعرية".

 

ولم يستبعد الناشط السياسي اليمني أي تغييرات قادمة، فهو يرى أن "حركة الشارع تتسم باللاقواعد، وقد يقول الشارع اليمني كلمته في أي لحظة".

يذكر أنه قبل أسابيع، اعترفت الأمم المتحدة بخسارتها "معركة المجاعة في اليمن"، محذّرة من انتشار كبير للكوليرا بين سكانه، في حين دعت واشنطن إلى حماية صوامع ومستودعات الحبوب القريبة من ميناء الحديدة.

 

وفي أحد جلسات مجلس الأمن الدولي، والتي أعدت وقتها، لمناقشة الأوضاع الإنسانية المتردّية في اليمن، قال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: إن "اليمن يشهد حالياً أسوأ انتشار لوباء الكوليرا"، محذّراً من أن "الأمم المتحدة خسرت معركة المجاعة في اليمن".

 

ومنذ أبريل 2017، تم الإبلاغ عن أكثر من 1.1 مليون حالة يُشتبه بإصابتها بالكوليرا، و2310 حالات وفاة مرتبطة بها في جميع أنحاء اليمن، وفق إحصاءات أممية.

 

ويعيش اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف تقوده السعودية، وقوات جماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران.

 

اتفاق سلام

 

وفي الثامن من سبتمبر الماضي، انهارت مشاورات للتوصل لاتفاق سلام في اليمن في جنيف ترعاها الأمم المتحدة بعدما امتنع وفد جماعة الحوثيين عن الحضور ورفضه مغادرة صنعاء على متن طائرة الأمم المتحدة، وطلب طائرة عُمانية خاصة لتقله إلى المشاورات وتنقل معه إلى مسقط عدد من الجرحى والعالقين، وتعود بهم إلى صنعاء، وهو ما رفضته الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً والتحالف العربي الداعم لها بقيادة السعودية، مبررين ذلك بأن الحوثيين يريدون نقل جرحى وعالقين إيرانيين وآخرين من حزب الله اللبناني يقاتلون إلى جانبهم.

 

وأدى انهيار قيمة العملة في اليمن، الذي ارتفاع حاد في الأسعار، فيما دفع استمرار القتال إلى تفاقم ما تعتبره الأمم المتحدة "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

 

 

وتقود السعودية تحالفاً عربياً عسكرياً ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في صنعاء.

 

وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل أكثر من 11 ألف مدني، وجرح مئات الآلاف، وتشريد ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وفرار الآلاف خارجها.

 

وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بـ"الأسوأ في العالم"، وتؤكد أن أكثر من 22 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية العاجلة، بمن فيهم 8.4 مليون شخص لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة، ويعاني نحو مليوني طفل من النقص الحاد في التغذية.

 

 

 

 

اعلان