احتجاجات لبنان.. هذه خيارات السعودية وإيران المتوقعة

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

21:00 03 نوفمبر 2019

ظلت لبنان من أكثر الدول العربية التي تحولت إلى ساحة نفوذ خلفية لقوى إقليمية، فالبلد الذي يعيش الآن أضخم موجاته من الاحتجاج، خلال السنوات الأخيرة، يواجه سيناريوهات متعددة، القاسم المشترك في جميعها هو أنها ستكون محل اهتمام كبير من تلك القوى في المنطقة.

 

نتحدث هنا تحديدا عن 4 قوى رئيسية لها تماس مباشر بدرجات مختلفة مع الواقع اللبناني، وهي إيران والسعودية وتركيا وإسرائيل.

 

وإذا كانت الأولى هي صاحبة نصيب الأسد في خريطة النفوذ داخل لبنان، ممثلا في حزب الله كأكبر جيش غير رسمي مسلح في المنطقة، فإنها ستكون صاحبة الخسارة الأكبر من أي تطور سياسي دراماتيكي للأحداث هناك، بطبيعة الحال.

 

وبشكل بدا غريبا، جاء التراجع المفاجئ الذي مني به النفوذ السعودي في لبنان، خلال السنوات القليلة الماضية، لصالح الرياض في المقام الأخير، بعد أن بات الحراك اللبناني الشعبي الحالي يشير بأصابع الغضب إلى القوى الإقليمية صاحبة النفوذ في البلاد، باعتبارها المسؤول الأول عن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتفشي الفساد.

 

مسرح نفوذ

 

ولطالما كان ينظر إلى لبنان على أنه مسرح قيم يمكن لتلك الدول الأكثر قوة والأكثر ثراء في المنطقة أن تمارس فيه معركتها السياسية بالوكالة.

 

ولكل دولة من هذه الدول سجل حافل في استغلال الانقسامات الطائفية في لبنان لتحقيق مكاسب خاصة بها.

 

وكما أسلفنا، تحتفظ إيران حاليا بأكبر قدر من النفوذ في لبنان من خلال وكيلها السياسي القوي حزب الله.

 

وصعد حزب الله لأول مرة في لبنان في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بصفته راعيا للشيعة، الذين تم تهميشهم دائما قبل ذلك الوقت عن الاتفاقات المتعاقبة لمشاركة السلطة بين السنة والمسيحيين.

 

وتركت الاشتباكات العنيفة، التي اندلعت كجزء من الأزمة السياسية في لبنان عام 2008، حزب الله باعتباره الفصيل المسلح المهيمن في هذا البلد العربي، وهو وضع يحتفظ به حتى اليوم.

 

من جانبها، دعمت السعودية رئيس الوزراء "سعد الحريري"، الذي يملك استثمارات وممتلكات في المملكة، وحلفاءه السنة في لبنان، كوسيلة لتوجيه نفوذها في البلاد ومواجهة القوة الشيعية المدعومة من إيران، المتمثلة في حزب الله وحركة أمل.

 

لكن تورط المملكة في لبنان، ودعمها لحكومة "الحريري"، انحسر وتراجع، بسبب تراجع ثقتها في أن هؤلاء الوكلاء يمكنهم أخذ مكان حزب الله في السلطة.

 

وفي الأعوام الأخيرة، ضعف النفوذ السياسي للمملكة في لبنان، ويرجع ذلك جزئيا إلى رؤية بيروت للرياض بوصفها الطرف الأكثر تدخلا في شؤونها، خاصة بعد الأقاويل التي انتشرت حول اعتقال "الحريري" واستقالته شبه القسرية من داخل الرياض عام 2017.

 

ونتيجة لذلك؛ تراجع موطئ قدم السعودية السياسي في لبنان في الوقت الذي عزز فيه "حزب الله" قبضته.

 

مصلحة للسعودية

 

ويرى تحليل نشره موقع "ستراتفور"، مؤرا، أن قرار السعودية بالابتعاد عن السياسة اللبنانية، إلى حد كبير، قد يكون الآن في صالحها، وسط موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي سيطرت على لبنان في الأسابيع الأخيرة، والتي باتت موجهة للقوى الأكبر في البلاد، وهي تلك المرتبطة بإيران.

 

وكانت تدابير التقشف والضرائب المقترحة، التي تهدف إلى مساعدة بيروت على التخفيف من حدة الأزمة المالية، هي السبب والشرارة الأولية للاحتجاجات التي اندلعت في 18 أكتوبر المنصرم.

 

لكن في الأيام التي تلت ذلك، تطورت المسيرات إلى حملة أكبر بكثير لمكافحة الفساد ضد النخبة الحاكمة في لبنان.

 

وفي محاولة يائسة وغير ناجحة لتهدئة الاضطرابات، اقترحت بيروت إصلاحات وفوائد اقتصادية جديدة، لكن المتظاهرين نظروا على نطاق واسع إلى هذه الخطوة على أنها قليلة جدا ومتأخرة جدا، واستمروا في التدفق إلى الشوارع للتعبير عن قائمة المظالم والمطالب المتزايدة.

 

المشهد الآن يشير بوضوح إلى أن تيار المستقبل الذي يقوده "الحريري"، وحزب الله "الممثل الرئيسي للشيعة"، وكذلك الحركة الوطنية الحرة "أكبر الممثلين المسيحيين في البلاد"، رموزا للفساد وهدفا لسهام المحتجين.

 

لا إنقاذ

 

ووفقا للتحليل، تخطط السعودية الآن إلى الاستفادة من  الانخفاض المحتمل في النفوذ الشعبي لحزب الله، لكنها لن تتدخل بشكل مباشر الآن.

 

وبطبيعة الحال لن تقدم السعودية على محاولة إنقاذ لبنان ماليا الآن، رغم قدرتها على ذلك، وذلك بسبب رغبتها في أن تظل تلك الاحتجاجات متوهجة لتؤثر بشكل أكبر على النفوذ الإيراني داخل لبنان.

 

والسعودية قد فعلت ذلك من قبل فعليا، ففي عام 2006  نقلت الرياض فجأة 5 مليارات دولار من المساعدات الأمنية المخصصة للبنان إلى السودان بدلا من ذلك، مشيرة إلى المخاوف بشأن نفوذ حزب الله وإيران المتزايد في لبنان.

 

وبالنسبة لـ"الحريري"، المستقيل من الحكومة، والرئيس "ميشال عون"، فإن هذا النقص في التمويل من دول الخليج هو سيف ذو حدين، فمن ناحية، يمكن لخطة إنقاذ نقدية أن تفعل المعجزات بالنسبة للحكومة اللبنانية المثقلة بالديون، لكن من ناحية أخرى، فإن عدم وجود دعم سعودي أو إماراتي علني يساعد في إبعاد بيروت عن روايات التدخل الجيوسياسي والفساد التي يهتف بها المحتجون حاليا في الشوارع.

 

بشكل عام، لا تزال الاضطرابات الحالية في لبنان قضية داخلية حتى الآن. ولن يظهر هذا التأثير الجيوسياسي الأوسع للاضطرابات اللبنانية إلا إذا أدى عدم الاستقرار الحالي إلى تعديل سياسي فعلي، سواء كان ذلك باستقالة الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات جديدة، أو حدوث تعديل في ميزان القوة الطائفية، أو في الحد الأقصى، حدوث إعادة هيكلة أساسية لكيفية عمل الحكومة اللبنانية.

اعلان