صحيفة أمريكية: تنبأنا بكورونا لكن الواقع كان أكثر كارثية
قالت صحيفة "بولوتيكو" الأمريكية إنها تنبأت بتفشي فيروس "كورونا" الجديد قبل أن يبدأ حتى في الصين، عبر سيناريو تخيلي، صاغت ملامحه في أكتوبر الماضي، معتبرة أن المرض كان مدهشا للكثيرين من الأمريكيين وحول العالم، إلا أنه كان بالنسبة إليها كان بمثابة "ديجافو"، (وكأننا شاهدناه من قبل).
وإلى ترجمة نصية للتقرير المثير للجدل، والذي كتبه كل من "صامويل برانين" و"كايثلين هيكس"..
في أكتوبر الماضي، اجتمعنا مع مجموعة من الخبراء للتفكير فيما يمكن أن يحدث إذا أصاب سكان العالم وباء عالمي فجأة، وكان المرض في هذا السيناريو المتخيل، هو فيروس "كورونا" جديد مُعد بشدّة.
من أجل سيناريو الوباء التخيلي، جمعنا حوالي 20 خبيرًا في الصحة العالمية والعلوم البيولوجية والأمن القومي والاستجابة للطوارئ والاقتصاد في مقرنا في واشنطن العاصمة.
كانت الجلسة مصمّمة لاختبار الأساليب الأمريكية في مواجهة التحديات الصحية العالمية التي قد تؤثر على الأمن القومي، وبوصفنا متخصصين في التخطيط الاستراتيجي للأمن القومي، نصحنا المسؤولين الحكوميين وأعضاء الكونجرس والرؤساء التنفيذيين، وغيرهم من القادة حول كيفية التخطيط للأزمات قبل وقوعها، وذلك باستخدام سيناريوهات واقعية لكنها متخيّلة في الوقت ذاته، مثل هذا السيناريو.
استكشف الخبراء الذين اجتمعنا بهم كيفية تصرف الأمريكيين والمجتمع الدولي خلال الوباء العالمي، وكيف سيضغط على الموارد والبيروقراطية والعلاقات الدولية، بعدها جعلنا الحاضرين ينصحون بما يجب فعله في الحاضر المتخيل، لتجنب مخاطر الوباء.
العالم تغير
ما وجدناه - بشكل عام - هو أن العالم قد تغير بطرق تجعل من الصعب للغاية احتواء التفشي، وقد تحققت بعض الأخطاء فعلًا في العالم الحقيقي مع تحقق الوباء.
ومع ذلك، لا يزال هناك وقت للتفكير بعناية أكبر حول كيفية الاستجابة لكل من هذه الفاشية والفاشيات المستقبلية المحتملة.
اخترنا سلالة جديدة من فيروس "كورونا" للسيناريو التخيلي لأن العلماء توافقوا على أن هذا المسبب المحتمل لوباء في المستقبل، فقد حدثت تفشيات الأمراض الحديثة مثل "سارس" و"متلازمة الشرق الأوسط التنفسية" بسبب عائلة فيروس "كورونا".
كان المستقبل الذي وصفناه مبنياً على أبحاث خبراء متخصصين درسوا الأوبئة الحديثة، بما في ذلك زملاؤنا في "برنامج الأمن الصحي العالمي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، والباحثون في مركز "جونز هوبكنز" للأمن الصحي.
أوجه التشابه بين محاكاتنا المتخيلة وتفشي المرض الحقيقي اليوم ليست متطابقة تمامًا.
فقد افترضنا انطلاق فيروس مصنّع في مختبر للمرة الأولى في أوروبا (بالصدفة أو عمدًا؛ تركنا الأمر مفتوحًا)؛ بينما من المحتمل أن يكون فيروس "كوفيد-19" الحقيقي قد نشأ من الحيوانات البرية التي تباع في سوق اللحوم وتم اكتشافه للمرة الأولى في ووهان بالصين.
لكن الجوانب الأخرى متشابهة للغاية: ففي السيناريو الخاص بنا، كان الفيروس شديد العدوى وكان معدل الوفيات به 3.125%، وصحيح أن المعدل الحقيقي للفيروس الجديد ما يزال غير معروف، لكن نحو 3.4% من حالات "كوفيد-19" المبلغ عنها ماتت وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
إذن ما الذي حدث في السيناريو التخيلي وتحقق؟ وما توقعاتنا لما سيحدث لاحقًا؟
سيناريو تخيلي
انتشر فيروس "كورونا" في السيناريو التخيلي كما ينتشر فيروس اليوم، حيث قفز بين الدول عبر السفر الجوي الدولي، ما تسبب في مشاكل ليس فقط لأنظمتها الصحية، ولكن للاقتصادات والقادة السياسيين.
انتشرت العدوى المتخيلة بسرعة من الحالة المصابة الأصلية في مطار "برلين تيجيل" إلى مجموعة من الوجهات الدولية المترابطة.
نقل شخص مصاب الفيروس أولًا أثناء عبوره المطار، ثم انتقل إلى مطار "جون إف كينيدي الدولي" في نيويورك، حيث سافر إلى عدة وجهات إضافية في نيويورك، مواصلًا نقل الفيروس، وفي الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ انتقال الفيروس من أول إنسان في مطار "تيجل"، انتشر فيروسنا بسرعة في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال شرق آسيا والشرق الأوسط.
افترض السيناريو أن الحكومات ستتجه أولاً إلى تدابير قصيرة الأجل لمحاولة إبطاء الانتشار، مثل حظر السفر وإغلاق الحدود.
وجدنا أن عمليات الحظر هذه لم تفعل شيئًا يذكر لإبطاء انتشار الفيروس؛ فبحلول الوقت الذي اتخذت فيه تلك القرارات، كان قد بدأ بالفعل في الانتشار عبر ممرات جوية دولية.
كان الفيروس التخيلي يشبه "كوفيد-19" في كونه مُعديًا قبل أن يظهر المصابون أعراضًا خطيرة، لهذا تأخرت السلطات في اللحاق به كما يحدث الآن.
كما توقع خبراؤنا أن يكون لحظر السفر تأثير غير مقصود يتجلى في تدهور التعاون الدولي وتعطيل التجارة، وذكروا أن حظر السفر يسهل تطبيقه، ولكن من الصعب إلغاؤه، فيما يعرقل حركة الناس، وبالتالي يضر الاقتصادات القائمة على الوظائف الخدميّة، مثل الاقتصاد الأمريكي.
في السيناريو، افترضنا أن النشاط الاقتصادي تباطأ بشكل كبير، وذلك بسبب الآثار المباشرة على صحة العمال وجهود الحكومة لمنع المزيد من انتشار الفيروس.
اضطراب تجاوز التوقعات
لكن الاضطراب في العالم الحقيقي تجاوز توقعاتنا في بعض الأحيان، خاصة في حالة تدابير الحجر الصحي غير العادية المفروضة في الصين.
افترضنا أيضًا أن الدول ستلجأ إلى التحفيز المالي والنقدي لتهدئة الأسواق ودعم النمو، وهي استجابة رأيناها بالفعل في العالم الحقيقي، مثل القرار الاستثنائي الذي اتخذه "بنك الاحتياطي الفيدرالي" في 3 مارس بخفض سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية.
بدأ العالم يتعامل مع الوباء العالمي بعد 3 أشهر من التفشي الأوّلي، وفقًا للسيناريو المتخيل، وخلال ذلك الوقت، تسابقت الحكومات ومجتمعات البحث البيولوجي ومصنعو الأدوية لتطوير علاجات ولقاح لهذا الفيروس الجديد، كما هو الحال اليوم.
ولكن، نظرًا لطول الأبحاث والاختبارات، رأينا أن النتائج ستستغرق أكثر من عام، وهي المدة بالضبط التي يتوقعها المسؤولون الأمريكيون الرسميون الآن، قبل التوصل للقاح لفيروس "كوفيد-19".
توصلنا في نهاية النقاش لعدد من العِبر الواضحة التي يجب أن نراعيها في أزمتنا الحالية، ونستعين بها كي ننجح في تجاوز الأزمات المقبلة.
دروس استشرافية
• من أهم الأفكار التي استنتجناها من السيناريو أن الإجراءات المبكرة والوقائية مهمة للغاية. من المهم بناء الثقة والتعاون على الصعيدين المحلي والدولي بين الحكومات والشركات والعمال والمواطنين قبل اندلاع الأزمات.
• استنتجنا أيضًا أن التواصل أمر حيوي، لكن تراجع الثقة يجعل الأمر أكثر صعوبة، حيث تتمثل أحد العناصر الأساسية في معالجة الأوبئة في النظام العام والتقيد بالبروتوكولات، والتقنين، وغيرها من التدابير التي قد تكون ضرورية، ولكن اليوم، أصبحت ثقة الجمهور في المؤسسات والقادة هشة، مع وجود أدلة روتينية على التضليل المتعمد من قبل الجهات الأجنبية والمسؤولين المنتخبين على حد سواء.
تدمر البيانات الكاذبة بشأن العلوم بشكل خاص مصداقية العلماء ومسؤولي الصحة الذين يسعون إلى توجيه السياسة، ومسألة مناهضة اللقاحات مثال واضح على ذلك، كما أن الاستخدام الواسع للتضليل عبر الإنترنت، من جانب الجهات الحكومية وغير الحكومية، لتقليل ثقة الجمهور في الحكومات والمؤسسات، يصبح أمرًا خطيرًا بشكل خاص في بيئة الأزمات الهشة أصلًا.
• التعاون الدولي مهم أيضًا، فالفيروس لا يعرف حدودًا، كما رأينا بالفعل مع ظهور المرض في العالم الحقيقي، لكن العالم الحقيقي يتفوق في زيادة انعدام الثقة بين الدول. ففي خضم التوترات التجارية، والتدخل المتزايد للدول في شؤون دول أخرى، وتزايد التوترات العسكرية في المناطق الساخنة في جميع أنحاء العالم، أصبحت منظمات مثل منظمة الصحة العالمية محاصرة بشكل متزايد، وغير قادرة على أداء وظيفتها المحايدة، وهذه التوترات تعطل مشاركة المعلومات.
• أكد السيناريو أن القطاع الخاص سيكون حيوياً لإدارة تفشي المرض، فهو الذي يملك الجزء الأكبر من الابتكار التكنولوجي لإنتاج العلاجات.
الاستنتاج الرئيسي للسيناريو الخاص بنا هو أن القادة لا يأخذون الصحة على محمل الجد كقضية أمنية وطنية.
فعلى الرغم من وجود هيئات مكرسة للتنسيق العالمي، خاصة منظمة الصحة العالمية، فإن البلدان تعطي الأولوية للاعتبارات المحلية في أوقات الأزمات، ويصبح التنسيق والتعاون الدولي من الأفكار الأقل أهمية. وحتى داخل الاتحاد الأوروبي، تتخذ الدول قراراتها المستقلة الخاصة بها في التصدي للوباء.
سيناريوهات كاشفة للهشاشة
لم يكن هذا أول سيناريو تخيلي لفاشية، يثير تساؤلات جدية حول قوة النظام الصحي العالمي، فقد قام مركز "جونز هوبكنز للأمن الصحي" بتطوير واحد خاص به، لكن هذه التحذيرات لم تؤخذ بجدية كافية.
ربما من حظنا أن الوباء الحقيقي بدأ في الصين، فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذات قاعدة علمية متطورة نسبيًا ونظام حكم فريد من أعلى إلى أسفل يمنحها قدرة غير عادية على التحكم ومراقبة عدد هائل من السكان.
وعلى الرغم من الأخطاء الكبيرة في البداية، فقد تعاملت الصين مع هذه الفاشية بقوة، لكن من المرجح أن يبدأ الوباء التالي من بلد أو منطقة فقيرة، تخضع لحكم ضعيف ولديها بنية تحتية ضعيفة للصحة العامة.
كان سيناريو فيروس "كورونا" الذي قمنا بصياغته أحد سيناريوهات 3 لاستكشاف دور الحكومة عندما يتقاطع الأمن مع التكنولوجيا الناشئة.
تخيل الاثنان الآخران سيناريو تستخدم فيه الصين الذكاء الاصطناعي عسكريًا، وسيناريو لحملة تضليل ضخمة وهجوم سيبراني تقوم بها أحد الدول الكبيرة ضد الولايات المتحدة.
في جميع مسارات التهديدات التي استكشفناها، كان الاكتشاف المبكر وثقة بين الشعوب والحكومات وتبادل المعلومات وتسخير الابتكار في القطاع الخاص من الأمور الحيوية للحد من المخاطر بشكل فعال.
يمكن أن تكون السيناريوهات والعمل الاستشرافي أدوات قوية في تخيل المستقبل المحتمل، ولكن يجب علينا أن نفعل ما هو أفضل.
يجب أن نضع سياسة تمنع أو تستعد للأحداث المستقبلية التي لا نريدها.