كورونا والإنفلونزا الإسبانية والأزمة المالية العالمية.. ما الجديد هذه المرة؟ (تحليل)

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

21:15 02 أبريل 2020

لم يشهد العالم منذ الثلاثينيات من القرن الماضي أن تواجه الاقتصادات المتقدمة والناشئة معًا مزيجًا من انهيار التجارة العالمية، وانخفاض أسعار السلع العالمية، والانكماش الاقتصادي، كل ذلك بشكل متزامن.

 

لكن، هذه الأيام، تجمع كل هذا فعليًا، وباء غير مسبوق في مسألة انتشاره وتأثيراته الميدانية والسياسية والاحتماعية والاقتصادية، منذ جائجة الإنفلونزا الإسبانية التي ضربت الكوكب بعد الحرب العالمية الأولى، وحرب نفطية تزامنت مع تراجع الطلب على الخام الأسود بسبب "كورونا".

 

باختصار بات العالم الآن أمام لحظة فارقة وطأتها شديدة، ففي حين يعد تحول عدوى ما إلى وباء أمر نادر الحدوث نسبيا، إلا أن أحدا لم يطلع على حلقة تاريخية قد توفر أي نظرة ثاقبة بشأن العواقب الاقتصادية المحتملة لأزمة "كورونا"، التي تتكشف حول العالم.. حسنا، يبدو أن هذه المرة مختلفة حقا.

 

استجابة سياسية

 

وتعد الميزة الرئيسية في هذه الحلقة، أو ما يجعلها فريدة، هي الاستجابة السياسية.

 

وتعطي الحكومات حول العالم الأولوية للتدابير التي تحد من انتشار المرض وتنقذ الأرواح؛ بما في ذلك الإغلاق الكامل لمنطقة ما، كما حدث في الصين، أو حتى دول بأكملها، مثل ما حدث في إيطاليا وأسبانيا وفرنسا.

 

وتطول القائمة لتشمل الكثير من الدول؛ بما في ذلك الولايات المتحدة، التي فرضت حظر سفر دولي صارم وحظرت جميع أنواع الفعاليات العامة.

 

وتقول الاقتصادية الأمريكية، "كارمن راينهارت" إن الإجراءات العالمية الحالية لا يمكن أن تكون قريبة من الاستجابة السياسية لتفشي الفيروس الأكثر فتكا في العصر الحديث؛ أي جائحة "الأنفلونزا الأسبانية" عامي 1918-1919.

 

كان هذا الوباء، الذي أودى بحياة 675 ألفا في الولايات المتحدة فقط، وما لا يقل عن 50 مليونا في جميع أنحاء العالم، قد حدث على خلفية الحرب العالمية الأولى.

 

وتضيف: في عام 1918، وهو العام الذي بلغت فيه وفيات "الأنفلونزا الأسبانية" ذروتها في الولايات المتحدة، كان فشل الأعمال التجارية أقل من نصف معدل ما قبل الحرب، وكانت أقل في عام 1919.

 

الإنفلونزا الإسبانية

 

ومدفوعا بجهود الإنتاج في زمن الحرب، تقول "راينهارت"، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة 9% في عام 1918، ونحو 1% في العام التالي، حتى مع احتدام الأنفلونزا.

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن عدم اليقين الشاسع المحيط باحتمالات انتشار "كورونا" داخل الولايات المتحدة والعالم، ومدة توقف الاقتصاد المطلوبة لمكافحة الفيروس؛ يجعل التنبؤ بآثار ذلك صعبا للغاية.

 

وتضيف: "لكن، بالنظر إلى حجم ونطاق صدمة "كورونا"، التي تعمل في نفس الوقت على تراجع الطلب وتعطيل العرض، فمن المرجح أن تتجاوز الآثار الأولية على الاقتصاد تلك الآثار المترتبة على الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009".

 

وتؤكد أن الميزانيات العامة للشركات ستخرج من الأزمة الحالية أكثر اضطرابا، القروض المضمونة، التي توسعت البنوك في إصدارها بشكل سريع في الأعوام الأخيرة، تشترك في العديد من أوجه التشابه مع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري سيئة السمعة التي كانت سببا رئيسيا في الانهيار المالي عام 2008، مما يشير إلى أن الأزمة المتوقعة من كورونا ستفوق الأزمة المالية العالمية في 2008.

 

ومع تضرر الكثير من الصناعات بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، وإصابة شرائح واسعة من قطاع الخدمات بالشلل، فإن حالات التعثر والإفلاس بين الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من المتوقع أن ترتفع، رغم حزم التحفيز المالية والنقدية.

 

وفي حين أثرت الأزمة المالية وأزمة الديون في الثمانينيات على الأسواق الناشئة، أصابت الأزمة المالية العالمية غالبا الاقتصادات المتقدمة بشكل أكبر.

 

تدهور الأسواق الناشئة

 

لكن في الأعوام الـ5 الماضية، تدهورت ميزانيات الأسواق الناشئة العامة والخاصة على حد سواء، وتباطأ النمو بشكل ملحوظ.

 

وفي ظل تساوي الأمور الأخرى، فإن التخفيض الكبير في سعر الفائدة الذي قام به مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، والإجراءات الأخرى التي تم الشروع فيها استجابة للوباء، من شأنها أن تخفف من الظروف المالية للأسواق الناشئة أيضا. لكن هناك أشياءً أخرى تبرز الكثير من الاختلافات.

 

إضافة إلى ذلك، فإن انهيار أسعار النفط والسلع يقلل من قيمة العديد من صادرات الأسواق الناشئة؛ وبالتالي يؤثر على وصول هذه الدول إلى الدولارات.

 

وأخيرا، كان النمو الاقتصادي في الصين محركا مهما (من خلال القروض) لأكثر من 100 دولة نامية منخفضة إلى متوسطة الدخل في العقد الماضي. وبالتالي، فإن سلسلة البيانات الاقتصادية الصينية الضعيفة في أوائل عام 2020 تثير احتمال انخفاض القروض الخارجية بشكل كبير.

 

وتختتم "كارمن" تحليلها بالقول: صحيح أن جذور الصدمة الحالية مختلفة إلى حد كبير، وكذلك تختلف الاستجابة السياسية، لكن سياسات الإغلاق والتباعد لأجل إنقاذ الأرواح تحمل أيضا تكلفة اقتصادية باهظة.

 

وتردف: ربما تتطور حالة الطوارئ الصحية إلى أزمة مالية هائلة، ومن الواضح أن هذه هي اللحظة التي ينتظرها ويخشاها الجميع بالنسبة لصناع السياسات المالية والنقدية.

اعلان