إلغاء الحج بات شبه مؤكد.. كيف تتعامل السعودية مع الأيام الصعبة؟
من المرجح جدا أن تعلق السعودية موسم الحج هذا العام لمنع تفشي وباء "كورونا"، حيث تشعر المملكة بالقلق إزاء الآثار الصحية للفيروس، بالنظر إلى أن العديد من مواطنيها لديهم أمراض أخرى.
يعاني 40% من السعوديين من السمنة المفرطة، و17.9% يعانون من مرض السكري و 15% يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
أعدت الرياض الرأي العام بالفعل لإمكانية إلغاء الحج من خلال منصاتها الإعلامية التي تديرها الدولة، كما حدت المملكة بشدة من وصول الجمهور إلى الكعبة، أقدس موقع في الإسلام، منذ فبراير الماضي.
ومع ذلك، فإن إلغاء الحج سيعيق هدف رؤية المملكة 2030 لتعزيز إيرادات السياحة، وهو هدف مركزي لتنويع الاقتصاد.
ومن المرجح أن يقوم المستثمرون في القطاع الخاص بتجميد التزاماتهم تجاه القطاع السياحي حتى يتضح متى يمكن رفع قيود "كورونا".
يستحوذ الحج على ما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي غير النفطي في عام 2019 (نحو 12 مليار دولار).
وبموجب رؤية 2030، تهدف الرياض إلى زيادة هذه الإيرادات عبر جلب العمرة لـ15 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2022 و30 مليون بحلول عام 2030.
جاءت عمليات الإغلاق أيضًا عندما بدأت السعودية الترحيب بالسياحة غير الدينية في المملكة، وهو هدف رئيسي آخر لرؤية 2030.
قبل تفشي مرض "كورونا"، كان من المتوقع أن يزور 25.8 ملايين سائح وحاج المملكة العربية السعودية هذا العام، وفقًا لمركز المعلومات السعودي لأبحاث السياحة. لكن بدلاً من ذلك، لم تشهد المملكة فعليًا أي زوار أجانب.
ومن أجل الاستفادة من الطفرة السياحية المتوقعة بعد الوباء، ستواصل السعودية استخدام صندوق الاستثمارات العامة لتمويل مشاريع البنية التحتية السياحية التي من المقرر إطلاقها خلال العامين المقبلين، كما يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في "ستراتفور"، "ريان بول".
كما أن مشروع البحر الأحمر، الذي يضم سلسلة واسعة من مناطق الجذب السياحي التي يجرى بناؤها على طول الساحل السعودي، ليس من المقرر أن يبدأ افتتاحه بعد عام 2022، وبالتالي من المرجح أن يشهد تمويلًا مستمرًا.
من المقرر أن يفتتح مشروع "نيوم" الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار على الحدود الشمالية الغربية السعودية بالقرب من الأردن وإسرائيل ومصر في مرحلة ما بعد الوباء.
هذا، إلى جانب حقيقة أن المشروع هو أحد الأولويات السياسية الأولى لولي العهد "محمد بن سلمان"، لكن الموقع البعيد للمدينة المقترحة والجاذبية غير المعروفة له كمكان للعيش، وكذلك بطء وتيرة إعادة الهيكلة الاقتصادية داخل السعودية، قد تعيق النجاح العام للمشروع.
الحفاظ على رأس المال
ويرى "ريان" أنه من المحتمل أن يؤخر صندوق الاستثمارات العمل في المشاريع الأحدث المصممة لبناء القطاع السياحي للحفاظ على رأس المال حتى يبدأ الوضع الاقتصادي العالمي في التحسن.
وأضاف: سيؤدي هذا النقص في التمويل الجديد إلى زيادة عرقلة الاستراتيجية العامة للمملكة في ملف الحج وصناعة السياحة العلمانية بحلول عام 2030.
وتابع المحلل: ومن المرجح أن تقدم السعودية أيضًا قروضًا أو عمليات إنقاذ للصناعات والشركات ذات الصلة بالسياحة التي تأثرت بشكل مباشر بأزمة "كورونا"، أو إلغاء الحج.
وأردف: من المرجح أيضا أن تتمتع شركة الطيران الوطنية السعودية بدعم من الدولة للمساعدة في إبقائها واقفة على قدميها من أجل التعافي بعد الوباء، لكن المساعدات الحكومية لن تكون كافية لتعويض خسارة إيرادات شركة الطيران بالكامل، مما يعني أن تسريح العمال وتخفيضات الميزانية لا تزال محتملة.
للحد من الضربة المباشرة للتداعيات الاقتصادية، يتوقع اقتصاديون أن تشهد الفنادق الفردية والمطاعم والشركات المحلية، خاصةً في المدن المقدسة (مكة والمدينة) إعفاءات من الرسوم ومتطلبات الترخيص، بالإضافة إلى القروض المدعومة من الدولة التي قد تكون سخية ومحفزة.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون هذه الجهود كافية لضمان بقاء جميع الشركات والوظائف صامدة.
انكماش القطاع
ونتيجة لذلك، سينكمش قطاع السياحة في السعودية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
وقد تشهد ميزانيات البلديات والمقاطعات في المناطق التي تعتمد على عائدات موسم الحج أيضًا تعزيزات مباشرة من الخزانة الوطنية للمساعدة في استيعاب موجات جديدة محتملة من البطالة.
ومع ذلك، يمكن لجهود التحفيز هذه أن تعرقل استراتيجيات الدولة المصممة لإصلاح نظام الرفاهية العامة الحالي في المملكة من خلال خلق توقعات جديدة للسعوديين لرؤية الدعم الحكومي المستمر.
لكن هذه الجهود ستعالج فقط جانب العرض من سياحة الحج والعمرة، وليس الطلب، لأن قيود السفر حول العالم تبقي المسلمين في بلادهم.
وحتى لو خفت حدة الوباء في الجزء الأخير من العام للسماح ببدء العمرة، فإن السعودية ستناضل من أجل إقناع الدول الإسلامية بالسماح لمواطنيها بالمشاركة في الحج والعمرة هذا العام حتى ظهور لقاح وتوزيعه على نطاق واسع.
وبالفعل، حظرت بعض الدول، بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا، السفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج هذا الصيف.
وقد تقرر دول أخرى ذات تعداد سكاني كبير، مثل باكستان والهند ومصر، تقييد أو تعليق السفر الديني إلى المملكة هذا العام، وربما لفترة أطول، خوفًا من إصابة مواطنيها في المناطق المكتظة والأماكن المقدسة بمكة والمدينة.
وسيجعل الركود الاقتصادي الناجم عن الوباء من الصعب على الحجاج في جميع أنحاء العالم توفير تكلفة رحلة إلى السعودية للحج أو العمرة.
وستبقى الرياض حساسة لهذه التحديات، وستضطر لتعديل السياسة والتحفيز المالي للحفاظ على قطاع السياحة وكذلك خطط التنويع الاقتصادي الأكبر. لكن التعافي المستدام غير مرجح بدون لقاح "كورونا"، مما يحد من الإيرادات السعودية من السياحة حتى عام 2021.