فيديو| «إغراءات واستقطاب».. هل تنجح الأيدي الناعمة لإثيوبيا في جذب السودان؟
منذ بداية أزمة سد النهضة وانتهجت أثيوبيا سياسة المماطلة في المفاوضات، بحسب خبراء، ولكن يبدو هذه الأيام أنها تسلك نهجا جديدا من خلال محاولات التقارب مع السودان، وهو ما تعكف حاليا عليه بجذب الخرطوم إليها من خلال تصريحات وغزل في تاريخ العلاقات، والتي تقول إنه لن يزعزها رغبات المتآمرين.
فمنذ فترة وتسير بعض الصحف والمواقع الأثيوبية على وتيرة الحديث عن عمق العلاقات الأثيوبية السودانية، وأوجه التعاون والاتفاق بين البلدين، ولكن ماذا سيكون مصير سد النهضة في ظل هذه المحاولات من التقارب الأثيوبي رغم مخاوف السودان من مخاطر السد عليها؟، وماذا عن التقارب المصري السوداني، وتأثير ذلك على المفاوضات؟.
بداية نشير إلى أنه لايزال هناك تعاون ثنائي مصري أثيوبي في بعض المشاريع التي تنفذها مصر لدول حوض النيل، ومنها إنشاء معمل للأبحاث الهيدروليكية بدولة أثيوبيا، ومعمل مركزي لتحليل نوعية المياه بدولة جنوب السودان ، ومركز للتنبؤ بالفيضان بدولة الكونغو الديموقراطية، وفقا لوزارة الري المصرية.
مزاعم التآمر
في منتصف ديسمبر 2020 تعرضت عناصر القوات المسلحة السودانية حول منطقة "جبل أبو طيور "المتاخمة للحدود الإثيوبية" للقصف الأثيوبي مجددا، ما ما أسفر عن استشهاد عدد من الجنود وخلّف عددا آخر من المصابين في صفوف القوات السودانية إضافة إلى خسائر في المعدات، وفق بيانات رسمية.
ذلك الهجوم الذي كاد أن يُحدث خلافات بين الجانبين الأثيوبي والسوداني، سرعان ما حاولت أثيوبيا لملمة الأمر لصالحها، فقدمت قرابين الود والمديح للخرطوم، بل واتهمت أطراف أخرى بمحاولة زعزعة الثقة بينهم.
وقبل أيام صرح رئيس الوزراء الدكتور أبي أحمد، قائلا :"أثيوبيا تتابع عن كثب ما تقوم به بعض الجهات التي تريد أن تشوه علاقات حسن الجوار الحميمة والفريدة من نوعها بين السودان وإثيوبيا"، مؤكدا أن العلاقات التاريخية والأزليه بين الشعبين السوداني والأثيوبي أعمق من أن تزعزعها رغبات المتهورين وغدر المتآمرين، بحد وصفه.
رسالة آبي أحمد للشعب السوداني
في أعقاب ذلك القصف الذي شنته "الشفتة" الأثيوبية كان واضحا في بيان المتحدث الرسمي للجيش السوداني اتهامه للجيش الأثيوبي بذلك الاعتداء المتكرر على الأراضي الزراعية السودانية، إلا أن أثيوبيا تدرك جيا أن هذه المرة الظروف مختلفة، فهناك حرب داخلية تدور على أرضها، وكذلك خلافات سد النهضة لاتزال تحلق في الأفق.
وحتى تمتص أثيوبيا الغضب السوداني جراء ذلك الاعتداء، سارعت إلى مخاطبة الشعب السوداني، حيث أصدرت الخارجية الأثيوبية بيانا أعربت فيه عن تعاطفها مع ضحايا الاشتباكات، وقدت تعازيها لأسر الضحايا، وقالت لا ترى سببا لدخول البلدين حالة عداء، بل يجب عدم الانجراف للعداء.
وقال آبي أحمد، رئيس الوزراء الأثيوبي، إن حكومته عازمة على تجفيف بؤر الخلافات وإيقاف الاشتباكات نهائيا على المناطق الحدودية مع السودان، حسبما ذكر في رسالة وجهها إلى الشعب السوداني.
وأضاف آبي أحمد في رسالته للشعب السوداني:"إن العلاقات التاريخية والأزليه بين الشعبين السوداني والأثيوبي أعمق من أن تزعزعها رغبات المتهورين وغدر المتآمرين، فمثل هذه الأحداث لا ترقى لأن تمثل العيش المشترك لشعبينا عبر تاريخهما المديد، وطموحاتهما في تحقيق التنمية والرخاء".
وفي مداعبة أيضا لأحلام الشعب السوداني، قال رئيس الوزراء الأثيوبي إنه يسعى أن تكون مناطق الخلافات بين البلدين مناطق ومساحات للتعاون والتآزر الاجتماعي والاقتصادي،
وفي محاولة للتغطية على ما قامت به قواته حيال الجيش السوداني، قال آبي أحمد إن هناك جهات تتحرك دون هوادة في بث الشكوك والفرقة بين حكومتي البلدين، وهذه الجهات هي من خططت ومولت ونفذت المواجهات الأخيرة التي حدثت في المناطق الحدودية بين أثيوبيا والسودان، بهدف تشويه علاقات حسن الجوار الحميمة والفريدة من نوعها بين الخرطوم وأديس أبابا.
يأتي ذلك بينما أعلن السيد فيصل محمد صالح، وزير الإعلام السوداني، إن بلاده سيطرت على معظم الأراضي التي "تعدى" عليها الإثيوبيون قرب الحدود بين البلدين، لافتا إلى أن "الخرطوم تؤمن بالحوار لحل أي مشكلة، لكن جيشها سيقوم بواجبه لاسترجاع كل أراضيه.
مغريات أثيوبيا للسودان
لم تكن الاعتداءات الأثيوبية على الحدود السودانية المحاولة الأولى لجذب الأطراف السودانية إلى شباكها، فقد بدى واضحا على سياسة آبي أحمد أنه يتبنى سياسة ناعمة لجذب السودان إلى جواره، حتى تبارح خندق مفاوضات سد النهضة، بحيث لا يصبح في جبهة التفاوض سوى مصر، تصارع وحدها من أجل إنقاذ شعبها من مخاطر السد الأثيوبي.
ورغم أن السودان قد أعلنت انسحابها من المفاوضات، وأكدت على تمسكها بدور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي، محذرة من مخاطر السد الأثيوبي على السدود السوادنية، إلا أنه لايزال ذلك الملف يشهد حالة من الغموض، فتارة تخرج تصريحات سودانية بأنه جرى اتفاق مع أثيوبيا على استنئاف المفاوضات، وأخرى تنكر الاتفاق.
وسواء وقع اتفاق بين الجانبين الأثيوبي والسوداني على استئناف المفاوضات أم لا، فلاتزال المحصلة النهائية أن مخاطر السد الأثيوبي تحاول الجانبين المصري والسوداني، فنهر النيل يمثل قضية وجودية، كما صرح بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ففي الفترة الأخيرة تبنت أديس أبابا مواقف تاعمة تجاه الخرطوم، حيث لجأت لتقديم حزمة من الحوافز لضمان تأييد السودان لمشروعها بشأن سد النهضة، فضلا عن تبادل الزيارات بين البلدين، إلا أن السودان تتمسك بموقفها حتى الآن.
وفي محاولة لمن أثيوبيا لتعزيز العلاقات مع السودان، وقع البلدين محاضر اللجان الفنية فى مجالات النقل المختلفة منهم خط سكة حديد اثيوسودان الذي يربط أديس أبابا بالعاصمة السودانية الخرطوم بطول 1522 كم.
فقد جرى توقيع الاتفاق، بعد محادثات استمرت 4 أيام، في مناقشة مشروع الربط السككي وقضايا النقل البري وفرص العمل المشتركة فى مجال النقل البحري بين أديا أبابا والخرطوم.
وبحسب تصريحات الخارجية الأثيوبية، فإن أثيوبيا والسودان اتفقا على حل قضايا الحدود عبر لجان مشتركة بشكل نهائي، وقال السفير دينا مفتي إن أعداء إثيوبيا الذين أرادوا تضخيم المشكلة فشلوا ولن ينجحوا، وإنه على الرغم من جهود (الأعداء) لتصعيد الموقف، فقد تعهد البلدان بحل القضايا بشكل سلمي ونهائي.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد كان قد اجتمع مع نظيره السوداني عبدالله حمدوك، خلال ديسمبر الجاري، للتباحث حول العديد من القضايا وعلى رأسها مفاوضات سد النهضة.
الموقف السوداني
أما عن الموقف السوداني فقد ذكر الوزير السوداني أن بلاده طالبت بضرورة التفكير بنهج مختلف في الطريقة التي ندير بها مفاوضات سد النهضة، بحيث تكون بنهج جديد، مؤكدا أنه لا سبيل للتوصل لأي اتفاق ملزم من غير الحوار.
ووضعت دولة السودان شرطًا أساسيًا لاستئناف مفاوضات سد النهضة الأثيوبي، تعتبره جوهر التفاوض، مشددة في الوقت نفسه على رفض التفاوض الثنائي مع إثيوبيا بمعزل عن مصر، هكذا صرّح وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، مؤكداً أنه لا يزال هناك فرصة للاتحاد الأفريقي للعب دور للوصول إلى اتفاق حول السد.
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت، اتفاقها مع أثيوبيا لاستئناف المفاوضات، خلال شهر ديسمبر الجاري، وذلك بعد مباحثات أجراها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، خلال زيارته إلى أثيوبيا الأحد الماضي، مع نظيره الأثيوبي آبي أحمد.
وعلى الجهة الأخرى نجد أن هناك تقارب مصري سوداين، فقد شهدت العلاقات بين البلدين مزيدا من التبادل والتعاون في مختلف المجالات في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين، فضلا عن تبادل الزيارات الرسمية التي كان منها زيارة رئيس مجلس الوزراء ووفد مصري إلى الخرطوم، في منتصف أغسطس 2020.
ويعتزم رئيس الحكومة الانتقالية في السودان عبدالله حمدوك القيام، زيارة القاهرة في النصف الأول من يناير المقبل، تلبية لدعوة تلقاها من نظيره المصري مصطفى مدبولي، للتباحث بشأن عدد من القضايا المشتركة، في مقدمتها التعاون والتنسيق في ملف سد النهضة.
وتعكف مصر على تعزيز العلاقات مع الشقيقة السودان، من خلال العديد من المجالات والمشاريع منها تنفيذ أبراج لتحسين النقل في شبكة الكهرباء السودانية، وتقديم مجموعة من المحفزات التي تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي السوداني، ومجموعة من التسهيلات الخاصة بتنقل المواطنين بين البلدين، وتنشيط المنح التعليمية للطلاب السودانيين.
وفي إطار تدعيم العلاقات أيضا نقلت طائرات مصرية كميات كبيرة من المواد الغذائية وألبان الأطفال مقدمة من لجمهورية السودان الشقيقة، بتوجيهـات مـن الرئيس عبد الفتاح السيسى، بتقديم المعاونة للأشقاء فى جمهورية السودان.
ومؤخرا أعلنت مصر السماح للسودان باستخدام الموانئ المصرية للتصدير، لإنهاء الصعوبات التى تواجه العمل بميناء بورتو سودان، على النحو الذي يسهم في تعزيز تجارة الترانزيت مع الموانئ المصرية، تمهيدا لتصدير ما يقرب من 90 ٪ من الصادرات السودانية.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط إنه تم التوافق مع الجانب السوداني على الإجراءات اللوجستية اللازمة لاستخدام الموانئ المصرية، خاصة ميناءي العين السخنة والسويس، فى تصدير المنتجات السودانية واستيراد احتياجات السودان من العالم، مع إمكانية الاستفادة من المزايا التى يتيحها قانون المنطقة الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، على أن يتم سداد مقابل الانتفاع مع توفير مناطق الانتظار للحاويات السودانية المصدرة والمستوردة.
ومساء الجمعة الماضية وصلت إلى الخرطوم شحنة من الأدوية، مُقدمة من مصر إلى السودان، للمساعدة في علاج مصابي فيروس كورونا، وذلك بصحبة وفد طبي مصري، برئاسة الدكتور محمد جاد مستشار وزيرة الصحة ورئيس هيئة الإسعاف.
مخاوف مصر والسودان هل تطردها ثنائيات التقارب؟
فيما يتعلق بالتقارب المصري السوداني، يقول الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، إن هناك تقارب ملحوظ بين القاهرة والخرطوم، وانفراج دولي مع استمرار بعض جبهات الداخل من الماضى (مازالت فاعلة) ضد توجهات الدولة الجديدة.
وأوضح علام، خلال منشور له عبر صفحته على موقع فيس بوك، أن هناك التفات واضح ومعلن لأثار سد النهضة الحقيقية والخطيرة على السودان، وأن هناك تحرك سودانى فعّال وجاد لاسترداد أراضيها المسلوبة من أثيوبيا، منوها إلى أنه هناك تحرك عربى ودولى لدعم السودان واقتصاده المتداعى.
ورأى وزير الري والموارد المائية الأسبق أن التحركات المصرية مناسبة لهذه المرحلة، مشيرا إلى أن السودان ومصر هما الدولتان المتضررتان من سد النهضة، وتخشيان مخاطر عدم السلامة الإنشائية للسد، إضافة إلى خشية السودان على سدودها الصغيرة نسبيا من التصرفات العالية للسد الأثيوبى.
وبحسب علام فإن السودان تخشى أيضا من التصرفات المحدودة المحتملة للسد الأثيوبى فى مواسم الجفاف وخاصة أثناء ملء السد، والتى قد لا تكفي احتياجاتها للشرب والزراعة وتوليد الكهرباء.
أما مصر فتخشى من تأثير السد على أمنها المائى أثناء ملء وتشغيل سد النهضة خاصة فى سنوات الجفاف، والدولتان تخشيان أيضا استخدام أثيوبيا للسد كزريعة لحجز المياه لأغراض أخرى كبناء سدود إضافية أو لمشاريع زراعية غير معلنة، وذلك على ضوء ما تنادى به أثيوبيا من الحصول على حصة مائية من النيل الأزرق، وفقا لتحليل وزير الري الأسبق.
ولفت علام إلى أن مصر والسودان ترفضان المطلب الأثيوبى الخاص بإعادة النظر فى توزيع الحصص المائية، مشددا أنه يجب الأخذ فى الإعتبار أن ملء سد النهضة سيكون على حساب مخزون السد العالى، وأن الشعب المصرى سيتحمل خسائر كثيرة من فقدان جزأ ملموسا من كهرباء السد العالى.
وحذر وزير الري الأسبق أن الشعب المصرى بدون قواعد تصرفات سد النهضة تحت الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق تمثل الحد الأدنى لضمان الأمن المائى المصرى وحياة شعبه، وأنّ أى جدال فى هذا الشأن أثناء المفاوضات يمثل هجوما على الأمن المائى المصرى وتهديدا لحياة الشعب المصرى.
ونوه إلى أنه للسودان الحق الكامل فى مناقشة الطرح المصرى وأى تحفظات أخرى ولكن من خلال إجتماعات الهيئة المشتركة.
محاولات الهيمنة الأثيوبية
وتطرف الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق للحديث عما وصفه بمحاولات أثيوبيا للهيمنة على دول القرن الأفريقي خلال العقود القليلة الماضية، والتي وصفها بالناجحة حتى أصبحت أثيوبيا الدولة الحبيسة تسعى لإمتلاك إسطول بحرى كبير للتوسع الإستراتيجى فى المنطقة، وأصبح لها قوات عسكرية فى معظم دول القرن الأفريقى بما فيها السودان تحت مسميات مختلفة منها قوات حفظ السلام وقوات مكافحة الإرهاب وغيرها من المسميات المقبولة دوليا.
وقال علام، خلال منشور له عبر صفحته على فيس بوك، إن أثيوبيا دولة متعدية على جميع المستويات مع جيرانها من إحتلال عسكرى فى الصومال، وإستيلاء على أراضى الجيران فى السودان وإريتريا، فهي دولة لا تحترم قواعد القانون الدولى فى إنشاءات السدود من إخطار مسبق للدول المشاركة كما حدث مع سد تاكيزى المشترك مع إريتريا والسودان ومصر، والسد الجارى حاليا بناءه على السوباط والمشترك مع جنوب السودان والسودان ومصر، والسدود الصغيرة المتعددة على النيل الأزرق وكذلك سد النهضة.
وأضاف أنها أيضا لا تلتزم بقواعد الاستخدام العادل للأنهار المشتركة التى تتغنى بها أثيوبيا، مستطردا:"هذه هى أثيوبيا التى نتفاوض معها دون طائل لمدة عشر سنوات وهى مستمرة فى بناء سد النهضة والخلاصة أنّ أثيوبيا فى رأيى الشخصى لا تحترم قانون دولى أو إقليمى، دولة ذات تعديات عسكرية متعددة على جيرانها، دولة مهيمنة على الأنهار المشتركة التى تنبع أو تمر بأراضيها".
ولفت علام إلى فشل مباحثات السودان مع أثيوبيا حول المشاكل والتعديات الأثيوبية على الأراضى السودانية، معلقا :"هذه النتيجة هى الطبيعية مع الحكومة الأثيوبية التى تسعى إلى الهيمنة وفرض سيطرتها على جيرانها، ولكن الأن الدولة السودانية بعد الثورة وبعد إصلاح مظلتها الدولية لن تقبل الرضوخ للمخططات الأثيوبية".