تايم: ترامب سيبتعد عن البيت الأبيض.. لكن ليس عن حياة الأمريكيين
مع شروق شمس اليوم الأربعاء 20 يناير، بات أمام الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، سويعات قليلة وإن شئت قل دقائق معدودة لمغادرة البيت الأبيض.
فمنذ اليوم، سيكون ترامب في فلوريدا - مُجردًا من حقه المطلق في إصدار العفو ، وغير محمى من المشاكل القانونية التي لا مفر منها ، ومُعفى من الدور الذي يقود حزبًا جمهوريًا عازمًا على إرادته.
فبعد أن حاول وفشل في التمسك بهذه السلطات ، أصبح الآن جاهزًا لإخراجها من العاصمة صباح غد قبل أن يحصل الرئيس المنتخب جو بايدن على مفاتيح البيت الأبيض مرة أخرى.
بهذه الطريقة ، ستحمل الطائرة التي تقلّه إلى ويست بالم بيتش تسمية طائرة الرئاسة للمرة الأخيرة ، بدلاً من مهمة المشاة الجوية الخاصة. كما سيكون أول رئيس منذ 150 عامًا لا يشارك في التداول السلمي للسلطة.
تعلق مجلة تايم على خروج ترامب من البيت الأبيض على لسان كاتبها فيليب إيليوت قائلا: ترامب سيكون خارج واشنطن. لكنه لن يبتعد عن السياسة... ترامب سيترك منصبه كخاسر مؤلم معتمد. ينظر إليه الأمريكيون الآن على أنه رئيس دون المستوى - وهو إنجاز كبير لشخص حصل على 74 مليون صوت ، وهو رقم قياسي لشاغل الوظيفة الذي يسعى لولاية ثانية.
وتابع الكاتب: فبعد فشل مساعيه القضائية لتغيير نتيجة انتخابات الثالث من نوفمبر التي انتهت بفوز السياسي الديمقراطي جو بايدن واعتمد المجمع الانتخابي نتائجها يوم الإثنين، سيعود ترامب إلى حياته الشخصية يوم 20 يناير وفي جعبته فرص عدة.
ومن بين هذه الفرص إمكان ترشحه مرة أخرى للرئاسة عام 2024 أو الدخول في مشروعات إعلامية جديدة لكن مخاطر قضائية محتملة وتحديات في مجال الأعمال تلقي بظلالها عليها.
والأكيد هو أن تعطش ترامب للأضواء سيجعله حتما لا يسير على خطى رؤساء أمريكيين سابقين مثل جورج دبليو بوش الذي اتجه في هدوء إلى الرسم أو جيمي كارتر الذي انخرط في أنشطة حقوقية عالمية.
ومن المرجح أن يتسم مستقبل ترامب كرئاسته بالصخب والاندفاع والمواجهة والتحدي. كما أن مستقبل ترامب لن يكون تحت سيطرته تماما. فهو يواجه دعاوى قضائية مدنية وجنائية شتى تتعلق بالأعمال التجارية لعائلته وأنشطته قبل تولي الرئاسة. وقد تكتسب هذه المساعي قوة دافعة بمجرد تجريده من الامتيازات القانونية التي يحصل عليها من يجلس في المكتب البيضاوي.
ويفكر ترامب، المطور العقاري الذي تحول إلى أحد نجوم تلفزيون الواقع، في مناورات عدة للبقاء في دائرة الضوء.
وقال ترامب، الذي يرفض الاعتراف بهزيمته أمام بايدن ولا يزال يطلق ادعاءات لا أساس لها بتزوير واسع النطاق في الانتخابات، لحلفائه إنه يفكر في الترشح مرة أخرى للرئاسة.
بل إنه بحث عدم حضور مراسم تنصيب بايدن وإعلان ترشحه في انتخابات 2024 في ذلك اليوم، في خطوة ستسمح له بمواصلة التجمعات الانتخابية الصاخبة التي اعتمد عليها عامي 2016 و2020.
ومن شأن هذا أن يعقد الأمور أمام قائمة طويلة من الجمهوريين الآخرين الذين يفكرون في الترشح عام 2024 مثل نائب الرئيس مايك بنس وسفيرة واشنطن السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي وعضوي مجلس الشيوخ ماركو روبيو وتوم كوتون، إذ سيتعين عليهم بحث المسألة قبل اتخاذ قرار منافسة ترامب.
لكن من شأن هذه الخطوة أن تكون من نوعية خطوات الخروج عن القواعد والمعايير والمألوف الأثيرة لدى ترامب. ويسمح الدستور الأمريكي بانتخاب الرئيس لفترتين ولا يتعين أن تكونا متعاقبتين.
وغروفر كليفلاند هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تولى المنصب لفترتين غير متعاقبتين. وكان قد غادر البيت الأبيض عام 1889 بعد خسارة مسعاه لفترة ثانية وفاز بالرئاسة مرة أخرى عام 1893.
وشكل ترامب بالفعل لجنة للعمل السياسي ستسمح له بجمع الأموال وممارسة النفوذ في الحزب بعد أن يترك المنصب سواء ترشح ثانية أم لا.
واتضحت رغبة ترامب في الحفاظ على نفوذه السياسي أيضا في تأييده مؤخرا تولي حليفته المقربة رونا مكدانيال رئاسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري لفترة أخرى.
وسيصوت أعضاء اللجنة في أواخر يناير على بقاء مكدانيال في المنصب وسيعد ذلك اختبارا مبكرا لما تبقى لترامب من نفوذ ومدى استعداد الجمهوريين لإخضاع الحزب لرغباته.
الأقل شعبية:
تراجعت شعبية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب إلى مستوى غير مسبوق مع إبداء 34% فقط من الأمريكيين رضاهم عن أدائه في الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض، بحسب ما أظهر استطلاع للرأي.
وبحسب الاستطلاع الذي أجراه معهد غالوب بين 4 و15 يناير الجاري على عيّنة من 1,023 شخصاً فإنّ شعبية الرئيس الجمهوري هبطت إلى مستوى تاريخي غير مسبوق قبل أيام من انتهاء ولايته وتسلّم الديمقراطي جو بايدن مقاليد السلطة في 20 الجاري.
وسبق لشعبية ترامب أن بلغت في العام 2017 مراراً عتبة 35%، ولا سيّما بعد أعمال العنف الدامية التي حصلت خلال تظاهرة نظّمها في صيف ذلك العام اليمين المتطرّف في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا.
ولفت معهد غالوب الذي يجري منذ العام 1938 استطلاعات للرأي منتظمة لتبيان درجة رضا الأمريكيين عن رؤسائهم، إلى أنّ ترامب هو الرئيس الوحيد الذي عجز على مدار ولايته عن الحصول على رضا نصف مواطنيه على الأقلّ.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها غالوب على امتداد عهد ترامب، فقد بدأ قطب العقارات السابق ولايته الرئاسية بنسبة تأييد بلغت 45% قبل أن ترتفع هذه الشعبية إلى 49% في مطلع العام 2020 ثم تعود وتنخفض عشية الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 46%.
عودة للتلفزيون؟
ترامب يواجه تحديات مالية كبيرة منها تضرر الأنشطة التجارية التي تحمل اسمه برئاسته التي أثارت الاستقطاب وكذلك تأثر شركاته القابضة في مجالات العقارات والسفر والترفيه بجائحة فيروس كورونا
قال مستشارون إن ترامب، الذي سبق له تقديم برنامج تلفزيون الواقع (ذي أبرنتيس) “المتدرب”، بحث أيضا عددا من المشروعات الإعلامية المحتملة ليبقى في بؤرة الضوء ومن بينها إطلاق قناة تلفزيونية أو شركة للتواصل الاجتماعي لمنافسة شركات يشعر الرئيس بأنها خانته.
وسترفع القناة التلفزيونية الجديدة راية التحدي لقناة فوكس نيوز التي كانت حليفة وثيقة لترامب قبل أن تثير حنقه منذ الانتخابات لعدم دعمها له بما يكفي على حد قوله. وقال معاونون إن الغضب استبد بترامب من فوكس نيوز لحديثها ليلة الانتخابات عن فوز بايدن بولاية أريزونا المتأرجحة في حين لم تكن النتيجة قد تأكدت بعد.
وفاز بايدن بأريزونا في نهاية المطاف لكن معظم الشبكات التلفزيونية الأخرى لم تذكر أن الرئيس المنتخب فاز بالولاية إلا بعد ذلك بأيام.
وقد يتعاون ترامب مع شبكات تلفزيونية محافظة مثل شبكتي وان أمريكا نيوز نتوورك أو نيوزماكس اللتين ركزتا بشدة على تقديم صورة إيجابية لترامب.
وبحث ترامب مع مستشاريه أيضا خطة لتأسيس شركة للتواصل الاجتماعي تنافس شركة تويتر التي نشرت مرارا تحذيرات من محتوى تغريدات لترامب عن ادعاءات لا أساس لها بتزوير الانتخابات.
لكن ترامب يواجه تحديات مالية كبيرة منها تضرر الأنشطة التجارية التي تحمل اسمه برئاسته التي أثارت الاستقطاب وكذلك تأثر شركاته القابضة في مجالات العقارات والسفر والترفيه بجائحة فيروس كورونا.
وقدرت مجلة فوربس في سبتمبر أن ثروة ترامب الصافية تراجعت بنحو 600 مليون دولار العام الماضي إلى 2.5 مليار. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب قدم ضمانات شخصية لديون قيمتها 421 مليون دولار تخص شركاته.
مخاطر قضائية
وبمجرد أن يغادر ترامب الرئاسة، سيجد نفسه مضطرا لمواجهة العديد من المسائل القضائية التي ستصبح جميعها أكثر تهديدا له بعد أن يخسر الحماية القانونية التي حظي بها بحكم منصبه.
ويجري سايرس فانس مدعي محكمة منطقة مانهاتن تحقيقا جنائيا بشأن ترامب وشركة عائلته التي تحمل اسم (ذا ترامب أورجانايزيشن). وركز التحقيق في البداية على مدفوعات قبل انتخابات عام 2016 لشراء صمت امرأتين قالتا إنهما مارستا الجنس مع ترامب وهو ما ينفيه الرئيس.
لكن فانس، الذي ينتمي للحزب الديمقراطي، أشار في مستندات قضائية قدمها في الآونة الأخيرة إلى أن نطاق التحقيق اتسع وقد يركز الآن على احتيال يتعلق بالبنوك والضرائب والتأمين وكذلك تزوير سجلات أعمال تجارية. وقال ترامب إن القضية لها دوافع سياسية.
وتجري ليتيتا جيمس مدعية نيويورك العامة، وهي من الديمقراطيين أيضا، تحقيقا في اتهام ترامب وشركة العائلة بالاحتيال الضريبي. وبدأ هذا التحقيق بعد أن أبلغ مايكل كوهين محامي ترامب السابق الكونغرس بأن الرئيس ضخّم قيم أصول لديه بغية توفير أموال من القروض والتأمين وقلل منها لخفض الضرائب على العقارات.
وقالت شركة (ذا ترامب أورغانايزيشن) إن القضية وراءها دوافع سياسية. والقضية مدنية وقد تؤدي إلى عقوبات مالية لا السجن.
ويواجه ترامب أيضا دعاوى تشهير منفصلة تتعلق باتهامين بالاعتداء الجنسي ينفيهما ترامب ووجهتهما له إي. جين كارول، الكاتبة السابقة في مجلة إل، وسامر زيرفوس التي كانت من المتنافسين في برنامج (ذي أبرنتيس) عام 2005.
وأقامت ماري ترامب ابنة شقيق الرئيس دعوى قضائية تتهمه واثنين من أفراد العائلة بالاحتيال والتآمر لحرمانها من نصيبها في امبراطورية العقارات التي تملكها العائلة.
وقد يواجه ترامب أيضا دعوى جنائية تقيمها ضده وزارة العدل الأمريكية بسبب اتهامات بالتهرب من ضريبة الدخل الاتحادية. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في الآونة الأخيرة أن ترامب لم يدفع سوى 750 دولارا من ضرائب الدخل الاتحادية في عامي 2016 و2017.
ورفض ترامب ما توصلت إليه الصحيفة، ولم يتضح إن كان قد خالف القانون. وستثير أي محاكمة اتحادية الجدل. ويتوخى بايدن الحذر حيال الأمر وتساءل عن قيمة مثل هذه المحاكمة لكنه يقول إنه لن يتدخل في رأي وزارة العدل.