الملء الثاني لسد النهضة.. ما خيارات أمريكا لوقف احتمالية «حرب المياه»؟ (فيديو)
بحثا عن نزع فتيل احتمالية الحرب بين مصر والسودان وإثيوبيا، على خلفية إصرار الأخيرة الملء الثاني لسد النهضة، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مباحثات مع القاهرة والخرطوم، وأديس أبابا، لوقف انتهاكات الأخيرة تجاه نهر النيل.
وتصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، في حين تتمسك القاهرة والخرطوم بعقد اتفاقية تضمن حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أن واشنطن ستراجع سياستها بشأن سد النهضة الإثيوبي، وفي هذا السبيل قررت عدم ربط تعليق مساعداتها لإثيوبيا بالسياسية الأمريكية بخصوص ملف السد، وأبلغت الحكومة الإثيوبية بهذا القرار.
دخول واشنطن على خط أزمة سد النهضة ليست المرة الأولى، فقد سبق للإدارة الأمريكية السابقة برئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب لجمع "القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، لكن المبادرة الأمريكية باءت بالفشل وقتها بعد انسحاب إثيوبيا من المفاوضات.
وقبل ساعات، وصل الخرطوم المبعوث الأمريكي للسودان دونالد بوث على رأس وفد، بعد مباحثات أميركية وأوروبية في القاهرة لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، في ظل تعثر المفاوضات مع أديس أبابا.
ويناقش الوفد الذي يضم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ونائب وزير الخارجية لشؤون المحيطات والبيئة- مع مسؤولين سودانيين، تطورات ملف السد، كما أكدت مصادر بوزارة الري لوسائل إعلام عربية، أن الوفد سيلتقي وزير الري السوداني.
تدخل أمريكي
ويقوم المبعوث الأمريكي للسودان بجولة إقليمية تشمل -إضافة إلى السودان- كلا من مصر وإثيوبيا.
وكانت الخارجية المصرية قد أكدت ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن تعبئة وتشغيل سد النهضة في أقرب فرصة ممكنة، وقبل شروع إثيوبيا في تنفيذ المرحلة الثانية من ملء السد.
وقال السفير حمدي لوزا، نائب وزير الخارجية، إن هذا الاتفاق ضروري لضمان عدم تأثر مصر والسودان سلبا بعملية التعبئة.
وكان المبعوث الأمريكي للسودان ومبعوثة الاتحاد الأوروبي أجريا محادثات بالقاهرة مع وزير الري محمد عبد العاطي بشأن أزمة السد وسبل تطويقها بالطرق الدبلوماسية، وجدد الوزير موقف بلاده الداعم لمقترح السودان بتوسيط رباعية دولية في المفاوضات بين أطراف الأزمة.
وفي آخر تصعيد لأزمة السد، كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خرج أمام البرلماني الإثيوبي، في الـ 23 مارس 2021، ليعلن اعتزام بلاده الملء الثاني في موسم الأمطار المقبل، وذلك رغم توقف المفاوضات وعدم التوصل لاتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق دولتي المصب في نهر النيل.
تصريحات آبي أحمد، أثارت غضب واستياء المصريين، مؤكدين أن نهر النيل يمثل لهم قضية وجودية، مطالبين بوحدة الصفين المصري والسوداني لاتخاذ موقف حاسم لحل أزمة سد النهضة والحفاظ على حقوق الشعبين في مياه النيل.
حياة المصريين
الرئيس عبد الفتاح السيسي قد جدد على تمسك مصر بموقفها تجاه قضية سد النهضة، والتأكيد على أن مياه النيل تمثل قضية وجودية تؤثر على حياة ملايين المصريين.
ولم تكن تصريحات آبي أحمد الأولى من نوعها التي تصدر من مسؤوليين إثيوبيين، فقبل أيام صدرت مثلها من الخارجية الإثيوبية ووزير الري والمياه الإثيوبي، والتي ردت عليها الخارجية المصرية بأنها تكشف عن نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب.
وأكدت الخارجية المصرية، في بيان لها، رفضها لمحاولات إثيوبيا في فرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدة أنها تمثل تهديد لمصالح الشعبين المصري والسوداني، ولتأثير مثل هذه الإجراءات الأحادية على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إن التصريحات الإثيوبية باعتزام استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، تكشف مجدداً عن نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وهو أمر ترفضه مصر لما يمثله من تهديد لمصالح الشعبين المصري والسوداني.
تعنت إثيوبي
وسبق أن أعلنت إثيوبيا رفضها للمقترح السوداني الذي أيدته مصر، المعروف إعلاميا بـ"الرباعية الدولية"، ويضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، لحلحلة مفاوضات سد النهضة التي فشلت على مدى السنوات العشرة الماضية.
الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، اعتبر أن تصريحات آبي أحمد ووزير الخارجية الإثيوبي بشأن سد النهضة، تعكس حقد دفين على دولتي مصر والسودان، وأحلام غير مشروعة بالهيمنة على منابع النيل وبشكل يثير الشفقة والإشمئزاز.
وأضاف علام، عبر حسابه على موقع فيس بوك :"يجب علينا كشعب أن نعلم أن سد النهضة أحد ثمار مخططات وضعت منذ خمسينات القرن الماضي للنيل من مصر وتقزيم دورها المحورى، وتغيير خريطة ما يسمى بالشرق الأوسط، وما زالت المؤامرات تتكالب وتتجمع ولكن مصر قيادة وشعب وجيش بالمرصاد".
في حين، قال هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن إثيوبيا تعانى من الفشل والفقر والحروب الأهلية والمذابح طوال تاريخها بسبب عوامل داخلية، وليس بسبب مصر التى تحصل على حصة محدودة من التدفق الطبيعى للنيل، لا تتجاوز 3% من جملة الإيرادات المطرية للنهر.
وأضاف رسلان :"إثيوبيا حتى هذه اللحظة كيان وليست دولة، وهذا الكيان نشأ عبر الحروب التوسعية، ومن خلال المذابح والاغتصابات والانتهاكات الفظيعة التي تقشعر لها الأبدان، ومن ثم ليس هناك أى تجانس أو روابط أو ثقافة مشتركة، أو ولاء مشترك يشمل الجميع، وانما احتلالات داخلية تجعل الاوضاع العامة عبارة عن دورات متعاقبة من الحروب والقتل والمظالم المتطاولة".
حرب التيجراي
وتابع :"وأخر حلقة في ذلك، ما يجرى الآن فى إقليم تيجراي من إبادة جماعية وتطهير عرقى وجرائم ضد الإنسانية، بحجة أن جبهة التيجراى قامت بأفعال مشابهة من قبل، وأن هذا أوان الانتقام وتصفية الحسابات"، متسائلا :"مال مصر بهذه الأحقاد والضغائن والأزمات المستمرة في كيان مصطنع؟".
واستطرد :"إنها الرغبة القاتلة فى تبرير الفشل والإخفاق، برمي تبعته على الآخرين، والتصور السقيم أن الهيمنة على النهر سوف تؤدى لتقدم إثيوبيا، فإثيوبيا لا تعانى من نقص المياه، أما الطاقة فمصر والسودان لا يمانعان فى ذلك، ويمكن بسهولة إنتاج الكهرباء دون إلحاق الضرر".
على الجانب الآخر، وفي ظل توتر الأجواء المصرية السودانية مع إثيوبيا، تقول جريدة "رأي اليوم" اللندنية في افتتاحيتها قبل أسبوع، إن "الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم واستغرقت عدة ساعات فقط، يحلو للبعض وصفها بأنها 'زيارة حرب' ورسالة قوية موجهة إلى إثيوبيا".
وتركز الافتتاحية على المشهد السياسي الداخلي المصري، قائلة: "من تابع فعاليات إحياء 'يوم الشهيد' التي حضرها الرئيس السيسي في التاسع من مارس، وشاهد حالة الحماس، والبرامج الوثائقية عن بطولات الجيش المصري في جبهات القتال ضد إسرائيل... يدرك جيدًا أن القيادة المصرية ربما حسمت أمرها باللجوء إلى الخيار العسكري للتعاطي مع أزمة سد النهضة... وأن هذه الاحتفالات هي بداية التعبئة الشعبية والعسكرية تحضيرا لهذا الخيار".
خيار الحرب
وتتابع: "مصر والسودان لا تريدان الحرب... ولكن عندما تتعرض حياة هؤلاء الملايين من المزارعين الأبرياء الذين سيموتون جوعا نتيجة هذه الخطوة الإثيوبية فمن يلوم حكومتي البلدين إذا أقدمتا عليها، فهذا السد بات يشكل تهديدًا وجوديا لهما ولشعبيهما معًا… مصر تعيش أجواء حرب، وقيادتها إذا قالت فعلت".
أما خالد التيجاني النور، فيرى في جريدة "السوداني" أن "الكرة الآن في ملعب أديس أبابا، فليس مطلوبا منها أكثر من العودة إلى مسار التعاون الإقليمي".
ويقول الكاتب إن هذا المسار "هو ما يعني بالضرورة أن الحرص السوداني المصري يقتضي بالضرورة أن يقابله حرص إثيوبيا المماثل، الذي يضع في اعتباره أنها معنية بالقدر نفسه، ويتجاوز إظهار حسن النية والعمل على عدم الإضرار بمصالح الشعبين في أدنى النهر".
ويضيف الكاتب أنه على إثيوبيا أيضا التأكيد على أن "المصالح المشتركة الحقيقية لشعوب هذه المنطقة لن تحقق إلا معادلة كسبية يفوز فيها الجميع". وفق البي بي سي.
وتتفاقم أزمة السد بين السودان ومصر وإثيوبيا، مع تعثر المفاوضات الفنية بينها، والتي بدأت قبل نحو 10 سنوات، ويديرها الاتحاد الأفريقي منذ أشهر.
وتصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، في حين تتمسك القاهرة والخرطوم بعقد اتفاقية تضمن حصتهما السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليارا على التوالي.
وقال عضو الفريق الإثيوبي المفاوض إبراهيم إدريس إن الهدف النهائي لمصر والسودان هو تجريد بلاده من حقها في استخدام مياهها لأنشطة التنمية الآن وفي المستقبل، حسب تعبيره.