انتخابات فلسطين.. هل تُلملم جراح الانقسام؟

انتخابات فلسطين وإنهاء الانقسام

بعد انقسام دام لنحو 14 عامًا، تحديدا منذ العام 2007، يعول الشارع الفلسطيني على لملمة "جراح الانقسام" والقطيعة، عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) والمزمع إجراؤها مايو المقبل.

 

فلسطين، والتي تعد أكثر شعوب العالم تعرضا للظلم والقهر من قبل الاحتلال الصهيوني الذي التهم الأراضي العربية قبل 73 عامًا، ها هي تتنفس الصعداء، عبر محاولات أبنائها إنهاء خصامهم والسير نحو "الوحدة" لمجابهة المحتل الغاصب للأرض "إسرائيل".

 

وكما يبدو فإن الشعب الفلسطيني اليوم منقسم ما بين مهتم، وغير مبال، لاسيما لاجئي الشتات الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك المعركة الانتخابية، أما بخصوص الداخل الفلسطيني فقد بلغ عدد الناخبين المسجلين 2.622 مليون شخص، من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 2.809 مليون مواطن فلسطيني، أي بنسبة 93.3 بالمئة، ما يقارب ضعف العدد الإجمالي للناخبين المسجلين في انتخابات عام ٢٠٠٦ والذين بلغ عددهم مليوناً و340 ألف ناخب، ولكن هل ستحقق انتخابات ٢٠٢١ الحلم الفلسطيني بإنهاء الانقسام؟

 

ومنذ العام 2007، يسود انقسام بين حركتي "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، و"فتح" التي تحكم الضفة الغربية، وأسفرت وساطات وعدة اتفاقيات على مدى سنوات عن توافق فلسطيني هذا الشهر، على إجراء انتخابات عامة متتالية تشارك فيها "حماس".

 

 

وأُجريت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع 2006، وأسفرت عن فوز "حماس" بالأغلبية، فيما كان قد سبق ذلك بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها الرئيس محمود عباس أبو مازن.

 

ويبدو أن المرسوم الانتخابي الذي أصدره الرئيس أبو مازن قبل فترة، شجع القاهرة على رعاية جولة جديدة من الحوار الفلسطيني بين 8 و9 فبراير الماضي، ونتج عنها اتفاق جديد آخر، حيث أعلن 14 فصيلا فلسطينيا حضروا قمّةً القاهرة، أنّهم توصّلوا إلى اتفاق جديد من شأنه أنْ يحدّد المبادئ التوجيهية للانتخابات الوطنية الفلسطينية الأولى منذ ما يقرب من 15 عامًا.

 

وفي أول خطوة لتفعيل توصيات جلسات الحوار الفلسطيني التي استضافتها القاهرة مؤخرا، رأت الانتخابات التشريعية الفلسطينية النور بعد سنوات من الانقسام، وذلك ببدء تلقي لجنة الانتخابات المركزية، قبل أيام، طلبات الترشح للحدث المنتظر بعد أقل من شهرين.

 

وخلافًا للاتفاقيات السابقة، تركز الاتفاقية الأخيرة على الأدوات الفنية لتأمين انتخابات حرّة ونزيهة في خضم الانقسام الداخلي وغياب الثقة المتبادلة، كما استخدمت مصر نفوذَها لإبرام اتفاقية خارطة طريق جديدة لتحقيق هذه الغاية.

 

 

ودعت الاتفاقية إلى تشكيل محكمة انتخابية تكون مسؤولة وحدها عن متابعة العملية الانتخابية ونتائجها، كما دعت إلى الحريات السياسية الشاملة والحقّ في المشاركة بحرّية في هذه الانتخابات، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيّين في الضفّة الغربية وقطاع غزة، وهي أمور نصّ عليها مرسوم رئاسي جديد في 20 فبراير.

 

ما أبرز بنود اتفاق القاهرة بين الفلسطينيين؟

 

ودُعي مراقبون دوليون وإقليميون أيضًا لمراقبة هذه الانتخابات، ومع ذلك، فإنّ الأمر كلّه يتوقّف على الإرادة السياسية وسلوك "فتح" و"حماس" لإكمال هذه العملية بنجاح لإنهاء سنوات من القطيعة.

 

وينصّ الاتفاق الجديد على أن "منظمة التحرير الفلسطينية" هي الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ويشكل هذا طريقة غير مباشرة لإعادة تأكيد التزامات المنظمة بالاتفاقات السابقة مع إسرائيل، ومع ذلك، فإن حركة "حماس" ليست عضوًا بَعد في منظمة التحرير الفلسطينية، رغم أنّها ستكون كذلك بموجب هذا الاتفاق الجديد، في ختام الجولات الثلاث المتتالية من الانتخابات.

 

وكان آخر اجتماعات قادة الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية عقد في القاهرة الأسبوع الماضي، لترتيب وبحث الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو المقبل، في خطوة تمهد لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

 

ومن المقرر أن تتبع الانتخابات التشريعية انتخابات رئاسية في 31 يوليو المقبل، بينما ستجرى انتخابات لتشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في 31 أغسطس المقبل.

 

وستقوم لجنة الانتخابات خلال 5 أيام بدراسة طلبات الترشح ومرفقاتها للتأكد من استيفائها للشروط القانونية، وتصدر قرارها بقبول أو رفض الطلب، على أن يتم تبليغ القائمة الانتخابية رسميا بالقرار.

 

وتحاول كل من "فتح" و"حماس" هندسة الانتخابات التشريعية المقبلة، لتفادي المفاجآت الكبيرة مثل تلك التي ظهرت في عام 2006، وقد أقرّ أمين سر اللجنة المركزية في حركة "فتح" جبريل الرجوب ونائب رئيس حركة "حماس" صالح العاروري باهتمامهما بقائمة مشتركة في الانتخابات التشريعية التي يزعمان أنّها ستسمح لهما بتشكيل حكومة جديدة مقبولة للمجتمع الدولي والمنطقة، وتتجاوز شروط الرباعية الثلاثة.

 

كيف سيكون النظام الانتخابي؟

 

سيستند النظام الانتخابي القادم على نظام التمثيل النسبي فقط، على عكس نموذج الدوائر/النسب المختلط لعام 2006، ما سيمنع أي فصيل فلسطيني من الفوز بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة المقبلة بشكل منفرد.

 

 

لكن حركة "فتح" ليست مستعدة للانتخابات التشريعية، فهي غير منظّمة، وتواجه اتهامات بالفساد في الضفة الغربية، وتعاني قبل كلّ شيء من انقسام عميق بين زعيم "فتح" محمود عباس، والزعيم المنفي محمد دحلان، الذي لجأ إلى الإمارات العربية المتّحدة منذ صيف عام 2011 والذي يُعتقَد أنّه العقل المدبّر وراء التطبيع بين الدولة الخليجية وإسرائيل كما ذكرت تقارير إعلامية..

 

واستثمر دحلان كميّة كبيرة من الأموال والموارد في قطاع غزة ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية ولبنان، ولقد قدّم مؤخرا 20000 جرعة لقاح ضدّ فيروس كورونا بتمويل من الإمارات العربية المتحدة إلى غزة.

 

يمكن وصف أنشطة دحلان في غزة على أنّها منسّقة وتحظى بموافقة حركة "حماس" التي تستغلّ العداء ما بين عباس ودحلان لمصالحها الانتخابية، وأشارت استطلاعات الرأي العام إلى أنّه إذا شكّل دحلان قائمةً انتخابية خاصّة به، فإنّ ذلك سيضرّ بفرص محمود عباس في تحقيق نتائج جيّدة في الانتخابات. وفق تحليلات سياسية.

 

هل تؤثر الانقسامات الداخلية على الانتخابات؟

 

لا يمكن أن يتوقع البعض نتائج الانتخابات الفلسطينية المقبلة، لكن مع ذلك فقد توقع البعض حدوث خلافات، نظرا لعمق الانقسام الذي استمر لقرابة عقد ونصف بين حركتي فتح وحماس.

 

على العكس من ذلك، فإن "حماس"، على الرغم من بعض الخلافات الشخصية الداخلية، هي أفضل تنظيمًا وأكثر انضباطًا ولا تتسامح مع الانقسامات الداخلية في سياق انتخابي، لكن سيتعيّن على "حماس" أن تواجه جمهورًا ساخطًا جدًا في قطاع غزة (42٪ من إجمالي عدد الناخبين المسجلين)، الذين عانوا بشكل كبير في خلال السنوات الـ 14 الماضية من الفقر والبطالة والحصار وغياب الخدمات الأساسية.

 

 

ووفق وسائل إعلام فلسطينية، فقد أشارت استطلاعات الرأي العام إلى أن شعبية حركة "حماس" تراجعت إلى نحو 20-25٪ مقابل 44٪ في عام 2006. لكن نتائج الانتخابات ستعتمد على وحدة "فتح" وقدرة الأحزاب الثالثة على إقناع الناخبين بمستقبل أفضل.

 

في سياق آخر، توجد بعض التحديات التي ربما تؤزم المشهد السياسي الفلسطيني، ففي حال فوز حركة فتح، حتماً سيكون هناك خلافات حول "سلاح المقاومة" في القطاع، لاسيما وأن حركة الجهاد الإسلامي رفضت الاعتراف والمشاركة في الانتخابات، وإصرار حركة الجهاد على أن وجود الاحتلال يستلزم الحفاظ على سلاح المقاومة، سيضع حركة "فتح" في موقف المواجهة مع حكومة الاحتلال، عند أول عمل عسكري ينطلق من القطاع، على اعتبار أن "سلطة واحدة سلاح واحد"..

 

الأزمة ستكون موجودة في حال إذا فازت حماس، فعليها أن تخضع للالتزام باتفاق أوسلو والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، كما عليها تجنب القيام بأي عمل عسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، كون الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستعتبره عملا "إرهابيا"، نظراً لتصنيفها "تنظيماً ارهابياً"، وإذا تم كسر النمطية وكسبت المعركة الانتخابية أطراف ثالثة، سيبقى سجال "سلاح المقاومة" والاعتراف بأوسلو قائم، إذ لابد من الاتفاق على برنامج وطني شامل، وحل قضايا الخلافات الرئيسية بين الفصائل، قبل بدء موعد الانتخابات، لتدارك تكريس الانقسام وتجنب تكرار مشهد انتخابات عام ٢٠٠٦.

 

الأمر المُعلن في هذه المرحلة الحرجة، هو أن الفلسطينيين يقفون على خط النهاية للانقسام، أما غير المُعلن فهو الحقيقة الصادمة بأن الخلافات ما زالت موجودة، أكان على المستوى السياسي، أو على مستوى القاعدة الشعبية، وربما تكون هذه الخلافات محدودة، لكنها بحسب مراقبين، قد تمتد وتتسع رقعتها مع اقتراب موعد الانتخابات، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء جبريل الرجوب، لتلفزيون فلسطين، ونفى من خلالها أنه جرى التشاور مع حركة حماس لتشكيل قائمة مشتركة.

 

ووفق مراقبين، فإن ما يأسف له الفلسطينيون، أنه في الوقت الذي يحاولون فيه رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس، ظهرت انقسامات وخلافات داخل حركة فتح نفسها، بلغت حد عزل القيادي في الحركة ناصر القدوة، لعزمه الترشح بقائمة منفصلة، والضغط على القيادي الآخر مروان البرغوثي لثنيه عن الترشح للانتخابات الرئاسية.

 

 

وفي ظل اختلاف الرؤى السياسية، وتصاعد ظهور المواقف الحزبية، يظل الرهان على ما أفضت إليه تفاهمات القاهرة، فهل يكون ميثاق الشرف، إشارة المرور، نحو إعلاء مداميك الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام.

 

 

مصالحة فلسطينية

 

المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين قال لـ "مصر العربية"،: إن الانتخابات الفلسطينية المقرر عقدها مايو المقبل، كان يجب أن يسبقها مصالحة فلسطينية شاملة لكل الفصائل والمكونات الفلسطينية، فالمصالحة كانت عندها ستعزز الموقف الدولي والعربي من تلك الانتخابات، أما الآن فالانتخابات في شكلها الجديد وبهذه الطريقة

ستعزز الانقسام بكل تأكيد.

 

وعن تأثير نتائج انتخابات "إسرائيل" على انتخابات فلسطين، فالإسرائيليون لا ينظرون خيرا للفلسطينيين، وبالتالي أيا كانت النتائج فلن تخدم الشارع الفلسطيني، فالحقد الدفين من قبل الصهاينة يجعل من حكوماتهم باختلاف أيديولوجيتها لا تخدم سوى الصهاينة.

 

وبخصوص أزمة نزع "سلاح المقاومة" حال نجاح الانتخابات وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة، أشار المؤرخ الفلسطيني إلى أن فكرة "نزع سلاح المقاومة" كلام لا يخدم إلا الفكرة الصهيونية بكل تأكيد، فلا يمكن نزع سلاح المقاومة مهما كانت النتائج، فهذه الفكرة تخدم الإمبريالية الصهيونية ولا تخدم الفلسطينيين.

 

وعن أبرز المقترحات الفلسطينية للم الشمل الفلسطيني، أكد ياسين لمصر العربية، أنه لا بديل عن تعزيز المصالحة بمفهوم أكبر، وذلك بتشكيل جبهة وطنية للم الشمل.

 

 

تجدر الإشارة إلى أنه، تحت رعاية مصرية استضافت القاهرة في منتصف الشهر الماضي اجتماعات للفصائل الفلسطينية، انتهت بالتوافق على آليات إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المتوقفة منذ عام 2006.

 

وفي ختام اجتماعات القاهرة، أعربت الرئاسة المصرية في بيان لها عن أمنياتها بـ"تحقيق الهدف المنشود من الحوار الفلسطيني الذي يسعى إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، من أجل إنجاح الانتخابات القادمة".

 

وتضمنت جولة الحوار الفلسطيني عددا من القضايا، أهمها استكمال النقاشات التي جرت في حوار القاهرة لرسم خارطة طريق تقود إلى انتخاب مؤسسات فلسطينية فاعلة، ووضع الفصائل في صورة تطورات المشهد الانتخابي، والإجراءات القانونية والفنية للعملية الانتخابية التي تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وتعتبر مدخلا لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة.

 

وضم وفد حركة فتح إلى القاهرة رئيس الوفد للحوار الوطني أمين سر اللجنة المركزية اللواء جبريل الرجوب، ومستشار الرئيس للشؤون القانونية علي مهنا، وأعضاء اللجنة المركزية روحي فتوح وأحمد حلس وسمير الرفاعي.

 

وفي المقابل، ضم وفد المجلس الوطني الأب قسطنطين قرمش نائب رئيس المجلس، وأمين السر السفير محمد صبيح، ورئيس اللجنة السياسية خالد مسمار، فيما مثل لجنة الانتخابات المركزية في الجلسات المدير التنفيذي هشام كحيل.

 

 

 

مقالات متعلقة