لماذا يخرج الصينيون في 11/11؟
بالتوازي مع دعوات التظاهر ضد السلطة في مصر، غدا الجمعة 11/11، هل تعلم أن الصينيون سيخرجون بالملايين في الشوارع والميادين، في نفس اليوم؟
قبل أن تندهش أو تسرح بخيالك بعيدًا، سنأتيك بالجواب، سيخرجون بأعداد ضخمة، ولكن ليس للتظاهر، بل للاحتفال بـ “عيد العزاب”، الذي بات يعد ثاني أهم عيد جماهيري في الصين، بعد عيد الربيع، ومع الاحتفال سيكون اليوم متخمًا بالمشتريات، فكافة الصينيون يعشقون الشراء في هذا اليوم، ولم لا، فجميع الشركات تقدم عروضًا وتخفيضات مبهرة في ذلك اليوم، وفي المقابل يجنون أرباحًا من البيع تقدر بمليارات الدولارات في يوم واحد.
مهلا، ما كل هذه المعلومات؟.. ما هو أصلا هذا العيد وما قصته؟.. سنجيبك.
في عام 1990 جلس عدد من الشباب داخل حرم جامعة نانجينغ، يتحدثون عن الحب والغرام، وعندما جاء الحديث عن الزواج اكتست الأصوات بنبرة حزن، فالأوضاع التي كانت تعيشها الصين ذلك الوقت كانت تشير إلى أنه لا وقت للحب والزواج، البلاد تسابق الزمن لتحقيق طفرات اقتصادية، الجميع يعمل كآلة، شبانًا وفتيات، وطغت الماديات على الرومانسيات.
حينها، اقترح عدد من الشباب تخصيص يوم للاحتفال بالعزوبية والتذكير بآثارها السلبية على النفوس، ولأن الصينيون يعشقون لغة الأرقام، فقد اختار شباب جامعة نانجينغ يوم 11/11 من كل عام للاحتفال بهذه المناسبة.
لماذا تم اختيار هذا اليوم تحديدًا؟.. الأمر متعلق بتكرار الرقم الفردي 1 أربع مرات على التوالي، والذي يدل على الوحدة الشديدة.
ألم أقل لك إن الصينيون يعشقون دلالات الأرقام؟ لا عجب، فهم الذين اختاروا الاحافال بانطلاق أوليمبياد بكين في يوم 8/8/2008، فرقم 8 مثير للبهحة والتفاؤل عند الصينيين، قبلع بعام، وبالتحديد يوم 7/7/2007 تسابق الصينيون لتسجيل عقود زواجهم للانفراد بهذا التاريخ.. شعب غريب غرابة السور العظيم والتنين الطائر.
لنعود إلى يوم العزاب..
ظل الاحتفال بيوم العزاب تقليدًا يحرص عليه طلاب جامعة نانجينغ يوم 11/11 من كل عام، ومع دخول عام 2000 وانتشار شبكة الإنترنت بشكل متسارع في الصين، توسعت الدعوة لـ”يوم العزاب”، وانتقلت براء الاختراع من جامعة نانجينغ إلى جامعات أخرى، ومن الجامعات إلى التجمعات في المطاعم ومراكز التسوق، ومنها خرجت الفكرة إلى الشارع.
بات الاحتفال بعيد العزاب، في نظر الشباب الصيني، مناسبة للاسترخاء وفرصة للعثور على الشريك المثالي، وأمل في توديع عصر الوحدة والعزوبية في وقت مبكر، اليوم لم يعد للشباب فقط، بل أصبح مناسبة لجمع القلوب المتحابة بغض النظر عن السن، ومن منا لا ينسى المقولة الشهيرة عربيًا “الحب لا يعرف سنًا ولا ظروفًا محددة”.
الاحتفال ظل يتم كل عام، ولكن بشكل روتيني وغير متجدد، حتى عام 2009، عندما قرر عملاق التجارة الصيني “علي بابا” أن يعطي هذا العيد قبلة الحياة.
فقبيل أيام من 11/11/2009، أعلنت الشركة الصينية عن عروض، بمشاركة 27 شركة أخرى، لبيع منتجات تحمل علامات تجارية شهيرة، بتخفيضات كبيرة للسلع المباعة عبر المواقع الإلكترونية، إلى الحد الذي وصلت فيه أسعار بعض السلع إلى ما دون نصف سعرها الأصلي.
في هذا العام، بلغت قيمة المبيعات عبر الإنترنت خلال 24 ساعة فقط 8.7 مليون دولار.
الحصيلة لم ترض “علي بابا”، فقررت تكثيف الدعاية في الأعوام التالية، لتتحقق المعجزة، ازدادت قيمة المبيعات حتى وصلت إلى ألف ضعفها في 2009.
نعم نتحدث عن ألف ضعف، ففي عام 2014 بلغت قيمة مبيعات “علي بابا” وشركائها خلال 24 ساعة فقط 8.92 مليار دولار، حينها تنبهت الدولة الصينية أكثر إلى أهمية هذا العيد على المستوى الاقتصادي.
حصيلة مبيعات “عيد العزاب” في 2014 تجاوزت إجمالي مبيعات “يوم الجمعة السوداء” و”يوم الإثنين الإلكتروني” المشهورين في الولايات المتحدة والمخصصين لترويج وبيع السلع بأسعار زهيدة.
في 2015، أعلنت “علي بابا” أنها باعت منتجات بمليار دولار عقب 8 دقائق فقط من انطلاق يوم البيع في 11/11، لتيلغ الحصيلة في نهاية اليوم 14.3 مليار دولار.
هذه الأرقام باتت تعني بوضوح أن عيد العزاب لم يعد فقط مناسبة لإظهار الحب والبحث عن شريك الحياة، بل أصبح يومًا صينيًا للشراء، وبالفعل باتت هناك مواقع تطلق عليه “عيد الشراء”، الصينيون بجميع أطيافهم وأعمارهم وفي مختلف المناطق باتوا ينتظرون يوم 11/11 من كل عام للاستفاجة من عروض الخصومات “الخيالية” التي باتت تتسابق عليها شركات البيع عبر الإنترنت أو حتى المحلات في الشوارع ومراكز التسوق.
بقي أن تعرف أن هناك عدد لا بأس به من المستوردين العرب يسافرون إلى الصين خصيصًا هذا اليوم لشراء أكبر كمية ممكنة من البضائع الرخيصة والجيدة في نفس الوقت، ومن ثم يعودون لبيعها في بلادهم.
هناك أيضًا الكثير من الأجانب وغير الصينيين يحرصون على متابعة متاجر الـ “أون لاين” لشراء أفضل البضائع والأجهزة بأقل من نصف سعرها.
في هذا العام، 2016، استعدت شركة “علي بابا” بشكل خاص، لدرجة أنها منحت موظفيها أغطية وفرشًا ليرتاحوا عليها، قبل بداية يوم 11/11 بأسبوع تقريبًا، حيث أصدرت قرارًا بمنع عودتهم إلى البيوت ومواصلة الليل بالنهار في العمل، استعدادًا لهذا اليوم الأسطوري.
الناس ينزلون إلى الشوارع في هذا اليوم بالملايين، محملين بمدخرات كونوها طوال العام، استعدادًا لهذا اليوم، الأمر فعلا رائع ومبهج، لكنه لم يعد رومانسيًا بالشكل الذي كان عليه عام 1990.
نعم.. لقد جعل “عيد العزاب” الصين، الأولى عالميًا في مهرجانات الشراء، قوة جديدة تضاف للاقتصاد الصيني، الذي بات ينشد التحول إلى اقتصاد الخدمات، بدلا من الاعتماد فقط على الاقتصاد الصناعي.
نعود قليلا إلى الحديث عن الفلكلور، فلغة المال قد لا تكون مناسبة عند الحديث عن الحب.
تشهد الساعات الأولى من صباح يوم 11/11 في الصين، كل عام، إقبالا كبيرا على إبرام عقود الزواج، ليتجاوز الآلاف في يوم واحد، بالإضافة إلى ذلك تكثر في هذا اليوم نشاطات وحفلات من أجل التعارف في جميع أنحاء الصين.
في بكين، فتحت محلات متنوعة خاصة بالعزاب فقط تسمى” دكان الحب”، حيث يمكن لكل أعزب أو عزباء وضع معلوماته الذاتية وصورته الشخصية على طاولة مخصصة في الدكان، والمتميز في هذا الدكان أن العزاب لهم الحق بوضع معلوماتهم في الدكان دون مقابل، ويمكنها أن تبقى لفترة طويلة حتى يأتي الحبيب.
عام 2011 كان مختلفًا بكل المقاييس، لم لا، فعيد العزاب في هذا العام كان تاريخه 11/11/2011 هناك اثنين إضافيين من الرقم الفردي، من أجل هذا تسابق الصينيون في ابتكار أساليب جديدة للاحتفال، فكان “أتوبيس الغرام”.
قبيل الاحتفال بالعيد، في ذلك العام، اجتمع ستة من سائقي أحد أتوبيسات النقل العام بمدينة هانغتشو، والذي يحمل الرقم 55، وبعد التفكير في جديد، توصلوا إلى فكرة رائعة، سيخصصون “الأتوبيس” هذا العام ليكون “أتوبيسًا للغرام”.
بالفعل فوجئ الآلاف في الشوارع يوم 11/11/2011 بأتوبيس وردي اللون تم تزيينه بالبالونات والأشرطة الملونة والورود، ويطلب ممن كل من يبحث عن شريك الحياة بالركوب.
داخل الأتوبيس وجد الركاب مئات البطاقات الخاوية، طلب السائق من كل شاب وفتاة داخل الأتوبيس أن يدون بياناته الشخصية وكيفية الوصول إليه مع عبارة موجهة للطرف الآخر “الحبيب”، ثم قام الجميع بلصق بطاقاتهم ونزلوا، وركب غيرهم، وفعلوا نفس الأمر، واستمر هذا الحال طوال اليوم لتكون النتيجة، مئات من بطاقات الحب والمواعدة، تسبب هذا الأتوبيس في جمع شمل العديد من الشباب والفتيات لتكوين أسر جديدة وتوديع العزوبية إلى الأبد.
ظاهرة العزوبية لدى الإناث والذكور باتت من السمات البارزة في المجتمع الصيني، ووفقا للإحصائيات، بلغ في العاصمة بكين وحدها، عدد الشباب والشابات الذين تعدوا سن الزواج ولم يعثروا على الشريك المثالي 500 ألف شخص، خلال عام 2010، وذلك نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الصين، والتي ساهمت في تحرر المرأة من تبعية الرجل والرفع من مكانتها عبر تعليمها وخروجها لسوق العمل.
“عيد العزاب”.. كرنفال للبهجة والحب، وموسم للشراء والتوفير، هكذا تختلط المشاعر بالماديات في الصين ببساطة، ويبدو أن هذا الشعب سيبهر العالم بالمزيد، خلال الفترة المقبلة.
شاهد الصور