بنوا هامون.. "المتمرّد" الذي وحّد اشتراكيي فرنسا ليقسمهم
مع أن استطلاعات الرأي وضعته ضمن الثالوث الأوفر حظا لتمثيل "الحزب الاشتراكي" الفرنسي وحلفائه في الانتخابات الرئاسية المقررة الربيع المقبل، إلا أن فوز بنوا هامون بتمهيدية اليسار شكّل مفاجأة للرأي العام الفرنسي والدولي.
ووفق النتائج الأولية للاقتراع، أطاح هامون بخصمه رئيس الوزراء السابق، مانويل فالس، بأكثر من 58 % من الأصوات.
هامون المنتمي إلى الجناح الأيسر للحزب الاشتراكي، أثار بفوزه الذعر في صفوف "الإصلاحيين" بالحزب نفسه، حتى أن الكثير منهم لم يتردد، منذ الإعلان عن النتائج الأولية للاقتراع التمهيدي، في التصريح بدعمه لوزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون، في الرئاسية المقبلة.
تصريحات متواترة بثّت في الرجل مخاوف من احتمال فشله في لمّ شمل عائلته السياسية المصغّرة (الاشتراكيين) أو حتى بقية الأحزاب المنضوية ضمن ما يسمى بـ "التحالف الشعبي الجميل"، لاجتياز الخط الأخير في السباق نحو قصر « الإليزيه".
فمع أنه نال ورقة العبور إلى الرئاسيات، في تمشي يبدو وكأنه وحّد اشتراكيي فرنسا، إلا أن ردود الأفعال حيال فوزه سرعان ما فنّدت وحدة وصفها مراقبون بـ "الكاذبة" لتفسح المجال واسعا أمام رياح الخلافات من جديد.
ومنذ مساء الأمس، أعربت العديد من كوادر الحزب عن شكوكها في الفائز، مطالبة بالحصول على ضمانات، فيما أعلن البعض الآخر صراحة دعمه لماكرون خوفا من مساندة «متمرد» لا يمكن توقع خطواته وبرنامجه، تماما كما يشهد بلك مساره السياسي عبر السنين.
ولد هامون في 26 يونيو 1967 (49 عاما) في إقليم فنستير غربي فرنسا، في أقصى منطقة بريتاني، لأب يعمل مهندسا وأم سكرتيرة، وقضى 4 سنوات من طفولته في العاصمة السنغالية داكار حيث كان والده يعمل.
حصل على شهادة جامعية من جامعة "بريتاني الغربية"، وانخرط مبكّرا في الحزب الاشتراكي بقسم "بريست" التابع للإقليم نفسه، ومال إلى التيار الروكاري، نسبة إلى رئيس الوزراء الأسبق، ميشيل روكار (1988- 1991)، والقائم على مبدأ التجديد الثقافي لليسار، بما يجعل منه يسارا متحررا من أصفاد الماركسية.
أما بدايته الحقيقية في عالم السياسة، فكانت العام 1991، حين تقلد منصب مساعد برلماني لنائب إقليم "جيروند"، قبل أن يؤسس، عامان إثر ذلك، المنظمة السياسية للشباب الاشتراكي في فرنسا.
ملامحه السياسية بدت، منذ انطلاقته، مستقلّة نوعا ما عن الحزب الاشتراكي، سيرا على نهج روكار، حيث تميّز بتوجهاته السياسية الخاصة به، وفرض مواقفه في كبرى النقاشات السياسية في البلاد، وشارك في الحملات الانتخابية إلى جانب المرشحين الاشتراكيين.
في 1994، أصبح هامون المندوب الوطني للحزب الاشتراكي مكلفا بقضايا الشباب، ثم مستشارا للشباب حين كان ليونيل جوسبان رئيسا للوزراء (1997- 2002)، كما قدم أيضا خبراته كمستشار فني مكلف بعمل الشباب لمارتين آمبري التي كانت حينها وزيرة التشغيل والتضامن (1997- 2000).
نشاط مكثف لم يقتصر على الصعيد المحلي، وإنما تعداه ليكون نائبا في البرلمان الأوروبي من 2004 إلى 2009.
تقلد بين عامي 2008 و2012 منصب المتحدث باسم الحزب الاشتراكي، قبل أن ينتخب في العام الأخير نائبا عن الدائرة 11 لإقليم إيفلين، ثم وزيرا للتعليم من أبريل إلى أغسطس من العام نفسه.
وعقب انتخاب فرانسوا أولاند رئيسا للبلاد، عين هامون في 16 مايو 2012 وزيرا مكلفا بالاقتصاد الاجتماعي والتضامن، أي في العام نفسه الذي انتخب فيه نائبا عن إيفلين، غير أنه كان عليه أن يتخلى بعد ذلك عن منصبه لدى دخوله حكومة جان مارك آيرلوت.
وعندما تقلد فالس رئاسة وزراء بلاده في أبريل 2014، حصل هامون على حقيبة التعليم، قبل أن يغادر الحكومة في أغسطس من العام نفسه، أي بعد 147 يوما.
«كان من غير المناسب أن أبقى».. هكذا قال في حينه معلنا قرار انسحابه، ومتحدثا عن خلافات مع الحكومة حول طبيعة السياسات الاقتصادية، وكان يقصد النهج الليبرالي لأولاند.
مسار حافل لهذا الاشتراكي الخاضع حينا و«المتمرد» في الكثير من الأحيان.. بدا جريئا في معظم مواقفه ومقترحاته، ومع أنه كان من بين المرشحين الأوفر حظا للفوز بتمهيدية اليسار، إلا أن لا أحد كان يتوقع بأنه سيطيح بفالس المحسوب على التيار الواقعي بالحزب.
خاطر الرجل بكل شيء حتى في لحظاته الحرجة، مدفوعا برغبة جامعة في أن يكون مرشحا «حقيقيا» ليسار يدرك الجميع أنه من الصعب أن يصعد إلى الحكم في رئاسية العام الجاري.
اقترح هامون برنامجا جريئا ينادي بالعدالة الاجتماعية، ودعا إلى الدخل الأدنى للجميع، أو ما اصطلح على تسميته بسياسة «الدخل الشامل»، أي حدا أدنى للأجور لا ينزل عن سقف الـ 750 يورو للشخص الواحد سواء كان عاطلا آو عاملا.
«متمرد» سابق بالحزب.. هكذا اعتقد اشتراكيو فرنسا، أو على الأقل الجناح «الإصلاحي» منه، قبل أن تطفو الخلافات إلى السطح سريعا من جديد.
وبحسب وسائل إعلام فرنسية، فإنه من المنتظر أن يجتمع، يوم الثلاثاء، الجناح الأيمن للحزب الاشتراكي، الداعم لفالس، لمناقشة التطورات الأخيرة بما في ذلك فوز هامون.
وفي اليوم نفسه، من المتوقع أيضا أن يلتقي مرشح الاشتراكيين وحلفائهم بنواب حزبه في محاولة لتقديم تطمينات وضمانات قد لا تعني الكثير بالنسبة لبرلمانيين حسم الكثير منهم أمرهم بالاصطفاق وراء ماكرون.