مصر العربية ترصد

القصة الكاملة| التغذية المدرسية.. الموت في علبة بسكويت

كتب: هادير أشرف - مصطفى سعداوي - عبد الله هشام- هند غنيم- محمد كفافي

فى: تحقيقات

16:36 22 مارس 2017

"الرئيس السيسي يكلف الحكومة بالتوسع في برنامج التغذية المدرسية للطلاب لتخفيف العبء على أسرهم ومساعدة الأسر الأكثر احتياجاً"، خبر صدرته أغلب الصحف والمواقع الإخبارية اليوم الأربعاء، بعد أن أعلن الرئيس هذا القرار في احتفالية عيد اﻷم أمس.

 

وفي التوقيت الذي أعلن فيه الرئيس عن التوسع في برنامج التغذية المدرسية، تعرض ما يزيد عن 120 طفلاً برياض اﻷطفال للتسمم بمدرسة كفر الخضرة الابتدائية التابعة لمركز الباجور بمحافظة المنوفية، بعد تناولهم التغذية المدرسية.


التغذية المدرسية  «ناقوس خطر»

ولم  تكن هذه الحادثة هي اﻷولى في تسمم اﻷطفال من التغذية المدرسية، فقد شهدت مدارس محافظات الجمهورية، وخاصة الصعيد، وقائع تسمم جماعي لطلاب وطالبات تلك المدارس، نتيجة تناول وجبات التغذية المدرسية، حتى أصبحت تلك الوجبات  ناقوس خطر يؤرق الأهالي خوفاً من عدم عودة أبنائهم سالمين.


فيروس التغذية يغزو المدارس

أغلب تلك الوقائع كانت في شهري فبراير ومارس، حيث أصيب 115 طالبًا إثر تناول وجبة التغذية في إحدى مدارس محافظة المنيا في بداية شهر مارس الحالي، وفي نفس اليوم تم الإعلان عن وجود 90 حالة تسمم بأحد مدارس محافظة الشرقية، وفي نهاية شهر فبراير الماضي أصيب نحو 100 تلميذ بالمحلة الابتدائية بالتسمم في محافظة البحر الأحمر.

 

ولم تكن هذه الوقائع الأخيرة، بل لحقت بها وقائع التسمم الجماعي، التي شهدتها محافظة سوهاج في نفس الشهر، بعد إصابة مايزيد عن 3300 طالب وطالبة، بالتسمم في مدارس مراكز أخميم وساقلتة بالمحافظة، إثر تناولهم وجبة غذائية مسممة، كما تعرض 14 تلميذًا مساء يوم الأربعاء 8 مارس للتسمم، عقب تناولهم وجبة بسكويت تم توزيعها عليهم بمدرسة مجمعة نجع سبع الابتدائية التابعة لإدارة أسيوط التعليمية.

 

وقبل أسبوع من واقعة تسمم تلاميذ سوهاج، كانت هناك حالة تسمم لـ 55 طالبا داخل مدرسة الشهيد عبد الجواد التابعة لإدارة طما التعليمية إثر تناولهم وجبة التغذية المدرسية، وفي اليوم التالي أعلنت محافظة أسيوط عن إصابة 60 طالبا بالتسمم أيضا نتيجة تناول وجبة التغذية المدرسية.

 

واستمرارًا  لقطار تسمم الطلاب،  أصيب  211 تلميذًا بمدرسة عثمان بن عفان الإبتدائية بمنطقة كبريت البحارة مركز الجناين بمحافظة السويس، بأعراض التسمم الغذائي، كما أصيب  98 تلميذًا في مدرسة رفقة الإبتدائية المشتركة بنجع العرب مركز نصر النوبة بأسوان، ليستمر قطار تسمم طلاب المدارس في طريقه دون رادع.

 

"مصر العربية" تفتح في هذا التقرير  ملف "التغذية المدرسية" للوقوف على أسباب تسمم اﻷطفال المتزايدة هذه الفترة.

 

مستندات تؤكد مخالفات بمصانع التغذية

 حصلت "مصر العربية"  على نسخة من تقارير الرقابة اﻹدارية، تؤكد وجود العديد من المخالفات بمصنع المنتجات الغذائية المخصص لإعداد الوجبات لطلاب المدارس بمحافظة المنيا التابع لمديرية الزراعة ، الأمر الذي أدى إلى تلوث منتجاته، مما تسبب في تسمم  196 من تلاميذ مدرستي نجع العقولة الابتدائية، والشيخ شبيكة الابتدائية التابعتين لإدارة ملوي التعليمية.

 

وأكد التقرير  وجود فواصل متسعة بصالة التوزيع بالمصنع، مما يؤدي لدخول القوارض والحشرات، وعدم وجود ستارة هوائية على باب الصالة، ووجود خيوط عنكبوتية بالأسقف، وكسور بأرضيات الصالة وبقيشاني الحوائط، مما يصعب تنظيفها، بالإضافة إلى عدم إحكام الباب الرئيسي للمخزن، ووجود فواصل بالأرضيات مما يؤدي إلى تراكم مياه غير نظيفة داخل المخزن.

 

كما كشف التقرير، تهالك أعمال الصيانة، وكسور واتساخات في الحوائط والأرضيات، وعدم وجود صناديق طرد بالحمامات، وعدم وجود عدد كافٍ من الأحواض اللازمة لغسيل الأيدي، وكذلك مباول الحمامات.

 

 

تقارير رقابية: التلوث يضرب مصنع التغذية المدرسية بالمنيا

تعليم المنيا ترد:  نتيجة عينات التغذية سليمة

في المقابل قال رمضان عبد الحميد، وكيل وزارة التربية والتعليم، إن نتيجة عينات التغذية المدرسية، التي تسببت في إصابة تلاميذ مدرستي نجع عاقولة الابتدائية والشبيكة الابتدائية بمركز ملوي، أثبتت تطابقها للمواصفات والاشتراطات الصحية، وأنها ليست المتسببة في حالة اعياء التلاميذ.

 

وأكدت الدكتورة أمنية رجب، وكيل وزارة الصحة بالمنيا، إن المديرية اتخذت الإجراءات كافة لتحليل عينة من الوجبة المدرسية التي تم توزيعها بالمدرستين لتحديد سبب إصابة عدد من الطلاب بحالات القيء وإرسالها إلى المعامل المركزية بوزارة الصحة، مؤكدة أن نتائج الفحص للعينات جاءت سليمة ومطابقة ولا يوجد بها أي ميكروبات مسببة للتسمم الغذائي.

 

مصادر بتعليم المنوفية: الوجبات منتهية الصلاحية

ومن ناحية أخرى، كشفت مصادر بمديرية التعليم بالمنوفية، فضلت عدم ذكر اسمها، أن حالات التسمم التي شهدتها مدرسة الخضرة الابتدائية، التابعة لمركز الباجور، نتجت عن تسليم طلاب رياض الأطفال بالمدرسة لوجبة غذائية "بسكويت" منتهية الصلاحية، موضحة أن لجنة التغذية بالمدرسة لم تلتفت لتاريخ الصلاحية أثناء استلام الحصة المقررة للمدرسة قبل بداية الفصل الدراسي الثاني.

 

وأشارت المصادر إلى أنه لا يوجد أخصائيين للتغذية في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم ويتم تشكيل لجنة للتغذية بكل مدرسة، تتكون من مدير المدرسة "رئيس اللجنة" وقائم بأعمال أخصائي تغذية، والأخصائي الاجتماعي، وأحد المدرسين، موضحة أن اللجنة تقوم بالكشف الظاهري قبل التوزيع للتأكد من تماسك البسكويت وإغلاق العبوة جيدًا، بالإضافة لتاريخ الصلاحية.


وعلى إثر ذلك شكل محافظ المنوفية لجان تفتيش لفحص وجبات التغذية المدرسية قبل توزيعها لضمان سلامتها، كما أمر مديري المدارس بعدم توزيع وجبات التغذية على الطلاب إلا بعد إرسال فاكس من مكتب محافظ المنوفية بالسماح بالتوزيع مرة أخرى.

 

وزارة التعليم تدرس مركزية توريد التغذية

من جانبه، قال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، إن قيادات الوزارة تدرس حاليا إدارة نظام توريد التغذية المدرسية بشكل مركزي عن طريق الوزارة بعد حالات التسمم المتكررة التي حدثت خلال الفترة اﻷخيرة.

 

وأضاف المصدر لـ"مصر العربية"، أن الوزارة قامت بتشكيل لجنة لمراجعة التعاقدات التي تبرمها المديريات في المحافظات بشكل لا مركزي لمعرفة أسباب وقائع التسمم.

 

وأوضح المصدر أن اللجنة بصدد إعداد تقرير مفصل لرفعه إلى وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، مشيرًا إلى أنه بمجرد وصول التقرير ودراسته من قبل الوزارة، سيتم إجراء حوار موسع مع مجلس الوزراء وجهاز  الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع، لبحث إمكانية تطبيق المركزية في توريد الوجبات المدرسية.

 

وفي سياق متصل قالت الدكتورة راندا حلاوة رئيس الإدارة المركزية لمعالجة التسرب التعليمي بوزارة التربية والتعليم، في تصريحات صحفية سابقة عقب تسمم تلاميذ محافظة سوهاج في15 مارس الجاري، إن جهاز الخدمة الوطنية، هو المسؤول عن التعاقد مع موردي الوجبات المدرسية وليس وزارة التربية والتعليم.

 

الصحة

حصلت "مصر العربية" على نسخة ضوئية من تقرير لمكتب المراقبة الغذائية بالإدارة الصحية بطما موجه إلى وكيل وزارة التربية والتعليم بسوهاج، يفيد بالإفراج الصحى  عن بعض المواد الغذائية بتاريخ 2 فبراير الماضى، منها "معجون جبنة، وحلاوة طحينية"، والتى أنتجت فى شهر يناير 2017 ومدة صلاحيتها 6 أشهر، وجاءت نتائجها جميعًا بعدم تلفها أو حدوث أى تعفن لها أو تغير خواصها الطبيعية.

 

في المقابل أرجع محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى لحماية الحق فى الدواء، مسئولية التسمم الغذائى التى حدثت فى عدد من محافظات الجمهورية فى المقام الأول والأخير على عاتق وزارة الصحة والمجالس المحلية.

 

و حول نتائج التقرير الصحي، أكد فؤاد في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن وزارة الصحة هى الهيئة الوحيدة المسموح لها أخذ عينات المواد الغذائية وتحليلها بالمعامل التابعة لها، موضحًا أن المحافظات أيضًا لها دور كبير فى المسؤولية.

 

وأوضح  أن السبب فى إصابة الأطفال بالتسمم يرجع إلى أن أماكن التخزين نفسها غير المطابقة للمواصفات ولا يوجود بها منافذ للتهوية مما يعرض مواد التغذية للتلف والفساد.

 

وفى سياق متصل، قال الدكتور هشام شيحة، رئيس قطاع الطب العلاجى السابق بوزارة الصحة، إن حوادث التسمم الغذائى للتلاميذ بالمدارس وقعت بشكل متكرر وغير طبيعى خلال الفترة الماضية، مؤكدًا أن الوزارة مسئولة بشكل مباشر عن جميع الأغذية المتداولة فى الأسواق وليست التغذية المدرسية فقط.

 

وأضاف شيحة، لـ"مصر العربية"، أن مسئولية الصحة لا تقف عند أخذ العينات وتحليلها، ولكن يجب متابعة عملية التخزين وعمل حملات تفتيش مفاجئة من قبل إدارة المراقبة والجودة للكشف عن المخالفات أولًا بأول لعدم وقوع مثل هذه الحوادث بهذا الشكل المتكرر.

 

وأوضح  أن جزء من المسئولية يقع على وزارة التربية والتعليم لضرورة معرفتها أماكن تخزين المواد والإشراف عليها وإبلاغ الصحة بأى معلومات لديها لفحص المواد إذا طرأت عليها تغيرات.

 

وللتعليق على موضوع حالات التسمم المتكررة ولمعرفة الدور الرقابى لوزارة الصحة، حاولت "مصر العربية" التواصل مع المتحدث الإعلامى لوزارة الصحة والسكان الدكتور خالد مجاهد، لكن لم يتسنى لها الحصول على الرد بشأن هذا الموضوع.

نائب برلماني يطالب بإلغاء التغذية

وفي سياق آخر قال الدكتور محمود بسيوني، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن تسمم أطفال المدارس بسبب التغذية المدرسية أصبح ظاهرة متكررة، موضحًا أن هناك خللا في نظام توزيع التغذية، والتخزين، ومن الممكن أن يفسد البسكويت إذا تم تخزينه بطريقة خاطئة.

 

وأضاف بسيوني في تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن شركات البسكويت تقوم بإنتاج كميات كبيرة جدًا، وغالبًا ما يحدث تلاعب في تاريخ الإنتاج، بالإضافة إلى الإنتاج الرديء للبسكويت، وكذلك وجبة "الباتيه"، حتى التي يتم بيعها بالأسواق.

 

وطالب عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بإلغاء التغذية المدرسية، وتوجيه دعم التغذية لتحسين الخدمات الطلابية.

 

وأكد بسيوني أن نتائج العينات التي يتم تحليلها ستثبت إذا كان السبب وراء حالات التسمم، بكتريا أم ميكروب أو طفيليات، أم أن هناك سببًا آخر مثل مياه الشرب لأن أغلب القرى تعتمد على المحطات الارتوازية "من باطن الأرض".

 

ولفت عضو مجلس النواب إلى أن خدمات الصرف الصحي ليست جيدة، ومن المتوقع أن يكون قد حدث اختلاط بين مياه الشرب والصرف الصحي، لافتًا إلى قرار محافظ المنوفية بتشكيل لجنة لتحليل مياه الشرب للتأكد من خلوها من أي مشاكل.

 

التضامن

ورغم أن اللجنة الوزارية لمتابعة للبرنامج القومي للتغذية المدرسية، ترأسها الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، إلا أن مدير مديرية التضامن بمحافظة المنوفية "اﻷحمدي الوكيل"، أكد أن مديريات التضامن التابعة للوزارة لا علاقة لها بالتغذية المدرسية على اﻹطلاق، وليست طرف فيها.

 

وأكد مصدر مسئول بوزارة التضامن الاجتماعي، أن الوزارة غير معنية بالتخزين والتوزيع لوجبات التغذية المدرسية، ودورها يقتصر على حصر البيانات ومتابعة أحوال الطلاب، مشيراً إلى أن برنامج التغذية المدرسية يعتبر مكملاً لبرنامج تكافل وكرامة.

 

وأكدت الدكتورة شيرين عبد العزيز، عضو لجنة التضامن في البرلمان،  أن الوزارات المعنية باﻷمر هي وزارات " الصحة والتعليم والزراعة"، مشيرة إلى أن أسلوب التخزين والتوزيع واﻹنتاج ليس من اختصاص وزارة التضامن .

 

وقالت "عبد العزيز" لـ"مصر العربية"، إن الهدف الرئيسي للتغذية المدرسية هو تحمل الحكومة جزء من أعباء المواطنين، ولكن أن يتم التلاعب  بالموضوع على حساب اﻷطفال فهذا غير مقبول بالمرة.

 

وطالبت بتشكيل لجنة تقصي حقائق، للتحقيق في اﻷمر، إضافة إلى ضرورة  إصدار البرلمان بيان عاجل في هذا الشأن.

 

وفي ظل حوادث التسمم التي لاتتوقف، تظل المسئولية حائرة بين الوزارات المعنية التي تتكون منها اللجنة الوزارية لمتابعة البرنامج القومي للتغذية المدرسية وهي " وزارة  التضامن الاجتماعي والتنمية المحلية والزراعة والصحة والتربية والتعليم والتعاون الدولي والمالية والتموين والتجارة الداخلية، بالإضافة إلى مدير المعهد القومي للتغذية وممثل عن التعليم الأزهري وخبراء استشاريون في مجالات التغذية والطفولة والتعليم والتوعية الأسرية".

اعلان