أسود قصر النيل.. شهود الثورة تحت الترميم
تقف أسود جسر قصر النيل الأربعة بشموخ، وكأنها تحرس أحد مداخل ومخارج ميدان التحرير (وسط القاهرة)، أبرز الممرات الجغرافية للثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في 25 يناير 2011.
محافظة القاهرة أطلقت مؤخراً مشروع "إحياء القاهرة الخديوية"، الذي يتضمن ترميم كافة ملامح القاهرة في فترة حكم أسرة محمد على لمصر من 1805 - 1953، ومن ضمنها ترميم جسر قصر النيل، والأسود الأربعة المزينة لطرفيه.
قرن ونصف القرن، ظلت خلالها أسود جسر قصر النيل المشيدة بواقع أسدين في كل طرف (أو مدخل) من طرفي الجسر الرابط بين محافظتي القاهرة والجيزة ويعلو نهر النيل، شاهدة على تغير ملامح الحياة المصرية السياسية والاجتماعية.
وكان الجسر نقطة التقاء الأمواج البشرية في الثورة التي أطاحت بنظام مبارك خلال 18 يومًا (25 يناير حتى 11 فبراير 2011) بعد حكم دام 30 عاما، حيث يؤدي الجسر مباشرة إلى ميدان التحرير أيقونة الثورة ومهدها.
وتعود قصة تدشين تماثيل أسود جسر قصر النيل الأربعة، إلى عصر الخديوي إسماعيل، حين كلف ناظر (وزير) الداخلية آنذاك شريف باشا، في أبريل 1871 بعمل 4 تماثيل لأسود، بالاتصال بالمثَّال الفرنسي "الفريد جاكمار"، والذي اقترح بدوره أن تكون متوسطة الحجم على شكلها الحالي.
وتم تصنيع التماثيل من البرونز في فرنسا، ونقلت إلى مدينة الإسكندرية الساحلية المصرية على البحر المتوسط (شمال)، ومنها إلى موضعها الحالي على مدخلي جسر قصر النيل.
وشهدت الأسود الأربعة العديد من المظاهرات الغاضبة على حكام مصر، بداية من عصر من أسسوها، وصولا إلى ثورة 2011 وما تلاها.
وكانت أول الاحتجاجات التي مرت من أمام الأسود مظاهرة طلاب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) عام 1935، للمطالبة بعودة العمل بدستور 1923، واحتجاجًا على تدخل بريطانيا في إعداد الدستور المصري، آنذاك، في عهد الملك فؤاد الأول (ابن الخديوي إسماعيل/ تأسس في عهده الأسود الأربعة)".
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، عملت الحكومات المتعاقبة على إعادة التماثيل إلى رونقها، بعد أن اكتست بكتابات الثوار.
ومنذ أيام أعلنت المحافظة، الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع "إحياء القاهرة الخديوية".
وعن تفاصيل ترميم ممر الثورة (جسر قصر النيل) يقول الغريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم في وزارة الآثار، إن "الترميم هذه المرة يسعى لتجنب تشويه الأسود الأربعة مرة أخرى بالجرافتيي والرسومات والكتابات".
وأوضح سنبل، للأناضول، أنه "تم إجراء 3 صيانات للتماثيل منذ ثورة 2011، ووصلت التكلفة المالية لعملية الترميم في المرات الثلاث إلى 30 مليون جنيه (3 ملايين دولار تقريبًا)، في محاولة لإزالة التشويهات التي لحقت بالتماثيل البرونزية المصنوعة على شكل الأسد".
مرت صيانة التماثيل الأربعة، وفق "سنبل" بعدة مراحل أبرزها: "طلاء التماثيل بطبقة مانعة لأي تفاعلات كيميائية بمعدن التماثيل، تساعد على تحمل الظروف القاسية لتحمل الأجواء المحيطة به، ووضع طبقة إضافية من الطلاءات الاكريليكية لحماية التماثيل من أشعة الشمس".
ومن مراحل صيانة التماثيل أيضًا "معالجة القاعدة الخاصة بالتماثيل والمصنوعة من مادة الجرانيت، بتقنية جديدة وهي التنظيف بالبخار بهدف إزالة التشوهات البشرية وتأثير عوادم السيارات عليها، كما تم طلائهما بعد ذلك بطبقة أخرى من الطلاءات مع وضع طبقة نهائية تعرف بالأنتي جرافتي تكون مضادة للكتابات الجرافتية للحفاظ عليه من أي محاولة لتشويهه مرة أخرى".
لم تتوقف مراحل الصيانة عند هذا الحد، بل زاد عليها، تركيب أسياج حديدية مخصوصة حول التماثيل الأربعة، تم وضعها فوق القاعدة الجرانيتية "بحيث تمنع صعود الصبية والمراهقين إلى جوار التمثال والكتابة عليها"، بحسب ميرفت محفوظ، مدير عام الورش الانتاجية بالهيئة العامة لنظافة القاهرة (حكومية).
وأوضحت محفوظ، للأناضول أن "الصيانة شملت إلى جانب تطوير دهانات الأسود كافة المرافق المغذية لجسر قصر النيل، من إعادة رصف وشبكة الصرف الصحي وطلاء أسوار الجسر المطلة على النيل".
وجسر قصر النيل يعد الأول الذي أنشئ في مصر للعبور على النيل، وذلك عام 1869 في عهد الخديوي إسماعيل، وأشرفت شركة فرنسية على بنائه، بطول 406 أمتار وعرض 10,5 متر، واستغرق ذلك عامين.
والجسر الذي يحمل تماثيل الأسود الأربعة، يطل على أشهر معالم القاهرة، مثل برج الجزيرة ، ودار الأوبرا، وجامعة الدول العربية، ويمثلون قبلة للمحبين، وللثائرين.
وأطاحت ثورة يناير2011، بنظام حكم مبارك، وكان جسر قصر النيل شاهدًا عليها، حين دارت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين في 28 من ذات الشهر، فشل خلالها الأمن في تفريق المتظاهرين وسط إصرار من جانب الثوار والمتظاهرين على اقتحام الجسر والعبور إلى ميدان التحرير والاعتصام به، وهو ما تم في النهاية.