تصاعد الهجمات ضد المسلمين بالغرب.. كراهية يغذيها اليمين والإعلام
سجلت جرائم الكراهية ضد المسلمين في الغرب، تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بحسب ما أظهرت إحصاءات.
ويُعزى ذلك إلى الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، وتبني اليمين الشعبوي المتطرف خطاباً معادياً ومحرضاً ضد المسلمين، من جهة ثانية، بالإضافة إلى الإعلام، الذي يجد في الكراهية للمسلمين واللاجئين مادة إعلامية مثيرة.
وفي إشارة إلى حجم الظاهرة، نشر الموقع الالكتروني للأمم المتحدة، في 17 من يناير/كانون ثاني الجاري، رسالة مسجلة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، دعا فيها إلى مكافحة التمييز ضد المسلمين، ومحذراً من تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين.
- الكراهية في الولايات المتحدة
قال مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، المعروف اختصاراً بـ"كير"، منتصف نوفمبر الماضي، إن أعمال الكراهية تجاه المسلمين عام 2016، تتجاوز تلك المسجلة في 2015، الذي كان الأسوأ منذ 2001.
وأوضح المجلس في بيان، أن عدد المساجد التي تعرضت للاعتداء في الولايات المتحدة في 2016، تجاوز 78 مسجداً، وهو الرقم المسجل لعام 2015.
وأشار تقرير لمركز "ثينك بروجريس" الأمريكي للدراسات، إلى أن جرائم الكراهية التي تم تسجيلها في الأسبوع الأول بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، بلغت 315 جريمة، جلها ضد المسلمين والمهاجرين.
وفي 2015 سجلت الولايات المتحدة 250 جريمة كراهية ضد المسلمين، وهو أعلى مستوي منذ 2011، الذي شهد 481 جريمة في أعقاب أحداث سبتمبر، حسب دراسة حديثة أعدها باحثون في جامعة كاليفورنيا، ونشرت في سبتمبر الماضي.
وفي تصريحات لـ"الأناضول" قالت ليل هيندي، الباحثة في "مؤسسة القرن"، وهي مؤسسة فكر أمريكية غير حزبية، إن جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت، في 2015، بنسبة 70%، كما شهدت طفرة أخرى مع خوض دونالد ترامب انتخابات الرئاسة الأمريكية مستنداً إلى خطاب شعبوي يدعو لمنع المسلمين مندخول البلاد، وكذلك بعد اعلان فوزه بالاقتراع في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي.
ووفق هيندي، فإن تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين في الغرب، يعود في جزء منه، إلى سلسلة الضربات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة، ولكن يرجع بشكل أكبر إلى الخطاب المعادي للإسلام الذي يتبناه المرشحين الرئاسيين من اليمين الشعبوي والمتطرف، ومؤيديهم.
وقالت الباحثة المهتمة بدراسة جرائم الكراهية، إنه "عندما يدعو مرشح رئاسي بارز، اليوم أصبح رئيساً منتخباً، إلى حظر شامل على دخول المسلمين، ويقول مساعدوه إن الخوف من المسلمين منطقي، فليس من المستغرب إن يشعر الناس بالرغبة أو الجرأة على مهاجمة المسلمين".
كما لفتت هنيدي إلى شبكات ممولة بملايين الدولارات، تعمل في صورة خبراء ومنظمات غير هادفة للربح، تنشر معلومات مضللة عن المجتمعات الاسلامية في الولايات المتحدة وحول العالم، وتساهم أيضاً في تنامي العداء للمسلمين.
وفي وقت لم تصدر فيه إحصاءات لحجم جرائم الكراهية ضد المسلمين بالولايات المتحدة في 2016، يتوقع مراقبون أن تسجل أرقاماً غير مسبوقة، مع صعود اليمين المتطرف على أكتاف الرئيس ترامب.
وكانت الحلقة الأبرز في سلسلة الجرائم المعادية للمسلمين في العام المنصرم، إقدام شخص، في 12 سبتمبر الماضي، على إشعال النار بمركز إسلامي في "فورت بيرس" بولاية فلوريدا، حيث كان يصلي "عمر متين"، المشتبه به في تنفيذ هجوم دموي علي ملهى ليلي للمثلين في أورلاندو في يونيو الماضي، أوقع 49 قتيلاً.
وفي وقت لاحق من نفس الشهر، تعرضت سيدتان ترتديان الحجاب لهجوم، أثناء تواجدهم في بروكلين بولاية نيويورك، عن طريق سيدة أخرى كانت تردد شعارات معادية للإسلام، وحاولت نزع حجابهما.
- دور الإعلام الأمريكي
وحسب "انجي عبد القادر"، الاستاذة بجامعة جورج تاون الأمريكية، والباحثة بمركز باركلي للدين والسلام والشئون الدولية، فإن الاعلام يلعب دوراً أيضاً في تنامي العداء للإسلام.
وأوضحت "عبد القادر" إن "الأمريكيين ينظرون للمسلمين على أنهم عنيفين ومتعصبين وهذا يتقاطع مع تصوير وسائل الإعلام للمسلمين والإسلام في سياق العنف والإرهاب أو الحرب، رغم أن أكثر من 99% من المسلمين في أمريكا لم يتورطوا في أي نوع من أنواع التطرف العنيف خلال الـ15 عاما الماضية".
وأضافت أن "الدراسات الاكاديمية توصلت إلى أن الأمريكيين الأكثر عرضة لمثل هذه الرسائل الاعلامية، هم الأكثر ميلاً لتأييد قوانين وسياسيات تمييز بين الأمريكيين علي أساس الدين".
ونشرت مجلة "الاتصالات الدولية" الأمريكية، عام 2014، دراسة أظهرت دور القنوات المدعومة من قبل الحزب الجمهوري الأمريكي، أهمها قناة "فوكس نيوز" في نشر الإسلاموفويبيا، حيث أظهرت أن 68% من الذين يثقون في القناة كمصدر للمعلومات، يعتقدون بأن القيم الإسلامية تتنافى مع القيم الأمريكية، في حين، تنخفض تلك النسبة في أوساط متابعي قناة "سي إن إن" إلى 37%.
- الكراهية في أوروبا
لا يتوقف الأمر عند الولايات المتحدة وترامب، فمرشحة الجبهة الوطنية (يمين متطرف) للانتخابات الرئاسية الفرنسية، المقررة في مايو المقبل، ماري لوبان، عمدت إلى إشعال العداء للإسلام والمهاجرين، بل وللاتحاد الأوروبي الذي اتهمته بالتسبب بقدومهم، مستغلة الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بلادها بين يناير 2015 ويوليو 2016، بحسب ما ذكرته الكاتبة المتخصصة في الشؤون الدولية، نتاشا ناومان، في مقال بموقع "ورلد مايك" في يوليو الماضي.
من جانبهم، حاول أنصار أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا، وخاصة الحزب القومي و"ايه اف دي"، تغذية المشاعر المعادية للمسلمين عقب هجوم برلين، في 19 ديسمبر أول الماضي، الذي أودي بحياة 12 شخصاً، لكسب تأييد المعاديين للهجرة، في بلد استقبل مئات الألاف من المهاجرين منذ 2015.
ونظم أنصار الأحزاب اليمينية مظاهرة في موقع الهجوم قرب الكنيسة التذكارية، مرددين هتافات معادية للمهاجرين والمسلمين ومحملة إياهم مسئولية الهجوم، لكن حركتهم قوبلت بمظاهرة مضادة، شاركت فيها أعداد كبيرة من دعاة السلام واليساريين للترحيب باللاجئين.
وفي 16 يناير الجاري، تعرضت طالبة جامعية مسلمة محجبة للشتم والاتهام بالإرهاب، من قبل امرأة ألمانية، في أحد قطارات مدينة شتوتغارت.
وظهرت في ألمانيا، خلال العامين الماضيين، حركة متطرفة معادية للمسلمين، تحت اسم "بيغيدا" ونفذت عدة تظاهرات في مدينة درسدن، ضد الاسلام.
وفي الدنمارك، دعا زعيم حزب الشعب، كريستيان ثوليسين دال، العام الماضي إلى إغلاق المساجد، وقال إن على الدنمارك أن تكون أكثر عدائية تجاه المسلمين الذين يعبرون عن تعاطفهم مع التطرف.
وتعتبر واقعة إطلاق النار على المصلين بالمركز الإسلامي في مدينة زيوريخ السويسرية، في ديسمبر/كانون أول الماضي، واحدة من أعنف جرائم الكراهية ضد المسلمين في أوروبا في 2016، حيث أسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص جراء تعرضهم لإطلاق النار أثناء أدائهم الصلاة، حسبما أفادت الشرطة المحلية.
وبصفة عامة، سجلت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية حتى نوفمبر 2016، تزايد وتيرة الانتهاكات والجرائم بحق طالبي اللجوء والمهاجرين، المنحدر معظمهم من دول عربية وإسلامية، دون أن تقدم إحصاءات شاملة لتلك الجرائم.
وأوضحت الوكالة أن مظاهر العنف والتحرش بالمهاجرين والخطاب المسيء لهم، منتشرة في الدول الأوروبية، سواء كان مصدرها السلطات أو الجهات الخاصة أو الأفراد.
وأضافت الوكالة في تقرير نشر مؤخراً، أن المسلمين في الاتحاد الأوروبي أصبحوا عرضة لعداء متزايد، وينظر لهم احيانا على أنهم منفذين للعمليات الإرهابية أو متعاطفين معها، أو جزء من موجة لجوء تهدد بتقويض الأمن والاستقرار في القارة التي شهدت موجة لجوء كبيرة بداية من 2015، حيث وصل إليها نحو مليون مهاجر أغلبهم سوريين وعراقيين وأفغان.
ولفت التقرير إلى أن جرائم الكراهية ضد المسلمين في الاتحاد الأوروبي، تستهدف النساء بشكل خاص، لكونهم نساء من ناحية، ومسلمات من ناحية أخرى، مشيراً إلى هجمات ضد النساء وقعت في النمسا وألمانيا وفنلندا وسلوفاكيا.
وفي هولندا، تلقت السلطات شكاوي من 158 جريمة ضد المسلمين في 2015، 90% من الضحايا كانوا نساء محجبات، فيما استهدفتهن 74% من جرائم الكراهية ضد المسلمين في فرنسا (905 جريمة) في عام 2015، حسب المصدر ذاته.
وفي 17 من يناير الجاري، اتهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، قوانين مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي بأنها "تستهدف على وجه الخصوص، اللاجئين والأقليات"، في إشارة إلى المسلمين المقيمين في الدول الأوروبية.
وقال بيان أصدرته المنظمة، إن "القوانين التي أقرتها دول في الاتحاد، خلال السنوات الأخيرة، تجرد الحقوق تحت ستار الدفاع عنها، وتدفع بأوروبا نحو الدخول في حالة عميقة وخطيرة من إضفاء الطابع الأمني على الدولة".
وأضاف أن أعضاءً في الاتحاد "يحاولون الربط بين أزمة اللاجئين والتهديدات الإرهابية، ويتعمدون إساءة تطبيق القوانين التي تعرف الإرهاب على نحو غير محكم".
وأشار البيان إلى "الآثار غير المتناسبة وبالغة السلبية للتدابير الأمنية التمييزية على المسلمين والأجانب".
ووصف تلك الآثار بـ"المرعبة"، لافتاً إلى عدد من الأمثلة الحية، من قبيل إصدار المحاكم الفرنسية، في 2015، نحو 385 حكماً، وجه ثلثها لأطفال قُصّر، بتهمة "تبرير الإرهاب"، التي وصف البيان التعريف المستخدم له بـ"الفضفاض جداً".