من المراغي للطيب.. شيوخ الأزهر في مواجهة الحكام

كتب: كتب - فادي الصاوي

فى: تقارير

11:00 15 فبراير 2017
ليست الواقعة التى حدثت مؤخرًا بين الأزهر والرئاسة بشأن قضية الطلاق الشفهي، الوحيدة التى برهنت على أن منارة العلم الشرعي فى العالم الإسلامي عصية على الحكام؛ فهناك تاريخ مشرف سطره قيادات هذه المؤسسة، برهن على أن هؤلاء القادة كانوا دائمًا ما يحتكمون إلى الدين وثوابته مهما كلفهم ذلك الكثير أو أغضب عليهم الحكام.
 
وفي هذه التقرير ترصد " مصر العربية"، بعض المواقف التاريخية بين شيوخ الأزهر مع الحكام ، بدءًا من الشيخ مصطفى المراغي، مرورًا بالشيخ عبد المجيد سليم، ثم الشيخ محمد الخضر حسين، فالشيخ شلتوت وعبد الحليم محمود وجاد الحق، انتهاءً بمواقف شيخ الأزهر.
 
المراغي
"مفتي السلطان يبرر للملوك نزواتهم واستبدادهم وعمالتهم للإنجليز".. هكذا قالوا عن الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر المولود عام 1881، إلا أن مواقف الشيخ أثبتت عكس ذلك، حيث تولى المراغي مشيخة الأزهر مرتين؛ الأولى عام 1928 وكان الملك فؤاد معارضًا لتعيين المراغى إلا أن النحاس باشا رئيس الوزراء حينها صمم على تعيينه، وبعد عام واحد استقال المراغي من منصبه، احتجاجًا على رفض الملك فاروق لقانون إصلاح الأزهر، والتى يقضى بإدخال الحساب والجبر والهندسة والتاريخ والطبيعة فى مناهج الأزهر.
 
عاد المراغي بعد ذلك إلى منصبه للمرة الثانية عام 1935 ظل فيه حتى وفاته فى أغسطس 1945 وعمره 64 عامًا، وذكر أنه فى آخر حياته حدث له موقف بينه وبين الملك فاروق، حيث كان الملك فاروق متزوجًا من الملكة فريدة، وطلقها في عام 1945، وطلب من الإمام المراغي أن يصدر فتوى له خاصة بتحريم زواج طليقته من أي رجل آخر بعده، فرفض المراغي قائلا : هذا لا يحل لأحد بعد رسول الله"، فألحّ عليه الملك فرد عليه شيخ الأزهر :" إن المراغي لا يحل ما حرم الله" وغضب المراغي وزاد الضغط عليه ومات في نفس العام.
 
وذكر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، في إحدي حلقات برنامجه "والله أعلم"، أن فاروق، ضرب المراغي، بـ"طفاية سجائر كريستال"، بعدما لم يتحكم في غضبه بعد رفض المراغي طلبه، مؤكدًا أن الأخير توفي في المستشفى بسبب تلك الإصابة.
 
 
عبد المجيد سليم
" تقتير هنا وإسراف هناك".. كلمات عبر بها الشيخ عبد المجيد سليم البشري، عن غضبه من قرار الحكومة المتعلق بإنقاص ميزانية الأزهر، في الوقت الذي كان يستجم فيه الملك فاروق في جزيرة إيطالية، وأجبرته على ترك منصبه عام 1951 بدعوى اتهامه بنقد الملك وسياساته، ولكن سرعان ما عدل الملك عن قراره وأعاد الشيخ عبد المجيد، لمنصبه في مشيخة الأزهر في فبراير 1952، لكنه لم يستمر طويلا فاستقال بعد يوليو 1952، تحديدًا في سبتمبر، وحاولت الحكومة وقتها إثناءه عن قراره لكنه رفض الاستمرار.
 
محمد الخضر حسين
فى 16 سبتمبر 1952، ألحت حركة الضباط الأحرار على الشيخ محمد الخضر حسين التونسي الأصل تولى مشيخة الأزهر خلفًا للشيخ البشري، ولم يستمر الخضر كثيرًا في منصبه وتقدم باستقالته عام 1954 بسبب الضغوط التي مورست ضده، وخاض خلال هذه الفترة معارك كثيرة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أبرزها رفضه إصدار فتوى باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وخوارج، واحتجاجه على إلغاء المحاكم الشرعية، وبعد استقالته تفرغ للبحث والمحاضرة حتى توفي في 28 فبراير 1958م.
 
شلتوت وعبد الناصر
وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر تعرض الشيخ محمود شلتوت التى تولى المشيخة عام 1957 لضغوط كبيرة انتهت بتقديم استقالته عام 1963، اعتراضا على قانون الأزهر الذي همش الأزهر وقلل من صلاحيات شيخ الأزهـر وحَدّ من إمكانيات في إدارة شئونه، وأعطى بعض هذه الصلاحيات لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وتوفى الشيخ شلتوت فى 13ديسمبر 1963م بعد عمر امتد سبعين عامًا.
 
عبد الحليم محمود
كذلك شهدت العلاقة بين الرئيس السادات والشيخ عبد الحليم محمود توترًا كبيرًا خلال فترة تولي الأخير مشيخة الأزهر، فبعد تولى الشيخ عبد الحليم مشيخة الأزهر بوقت قصير أصدر السادات قرارًا جمهوريًا جرد منصب شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، فبادر الشيخ بتقديم استقالته بدعوى أنّ القرار يعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، الأمر الذي دفع السادات إلى العدول عن القرار، وإصدار قرار جديد نص على أن "شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر.. يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة"، وبعد وفاة الشيخ عبد الحليم محمود صدر قرار جمهوري نص على مساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.
 
كما تصدى الشيخ عبد الحليم محمود لقانون الأحوال الشخصية الذي عُرف باسم "قانون جيهان"، والذى كان ينص على منع تعدد الزوجات ووضع قيود على الطلاق، وأصدر بيانًا شديدًا حذر فيه نواب البرلمان من مخالفة تعاليم الدين الإسلامي، وقال حينها : "لا قيود على الطلاق إلا من ضمير المسلم ولا قيود على التعدد إلا من ضمير المسلم"، فما كان من الحكومة إلا أن أعلنت أنه لا نية لتعديل قانون الأحوال الشخصية.
 
 
جاد الحق
لم يكن الموقف المستعصي على النظام غريبًا أو فريدًا على الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الذى تولى مشيخة الأزهر في الفترة من 1982 إلى 1996 ، حيث عارض طلب الرئيس الرئيس مبارك بإصدار فتوى رسمية بإباحة فوائد البنوك، وقال مبارك في أحد اجتماعاته مع بعض المشايخ ووزير الأوقاف موجهًا حديثه للشيخ جاد: "باقولك إيه يا مولانا البنوك قربت تفلس والناس لا تضع أموالها بالبنوك.. عايزين فتوى من فضيلتك تنقذ الاقتصاد المنهار وتحلل وضع الفلوس في البنوك لأن الناس بتضع كل ثقتها في الأزهر ودي ضرورات برضه"، فرد عليه الشيخ جاد الحق: "ومن قال لك إني أحرم أو أُحلل؟ إن الذي يُحلل أو يُحرم هو الله ولن تتغير فتواي أبدًا  بتحريم فوائد البنوك"، ولم تصدر أي فتوى من الأزهر تبيح فوائد البنوك طيلة حياته.
 
وقف الشيخ جاد الحق أيضًا موقفا لا ينسى من مؤتمر السكان الذي عقدته الأمم المتحدة فى القاهرة فى الفترة ما بين 5 إلى 13 سبتمبر عام 1994، وتناقلت وسائل الإعلام وثيقته قبيل انعقاده وتضمنت إباحة الشذوذ والزنا والإجهاض والمساواة بين المرأة والرجل فى الميراث وغيرها من الأمور التى تعارض تعاليم الدين الإسلامى.
 
وأصدر حينها الاجتماع العاجل لعلماء الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بياناً شديد اللهجة أهاب فيه بالأمة الإسلامية عدم الالتزام بأى من بنود هذا المؤتمر التى تخالف الشريعة، وكان لهذا البيان أثره القائد على الحكومة المصرية والقيادة السياسية التى أعلنت من فورها تبنى موقف شيخ الأزهر، واضطر مبارك لإصدار بيانه الذى أكد فيه أن "مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أى قرار يصطدم مع الدين الإسلامى الحنيف وقيمه السمحة".
 
الطيب والإخوان
بعد شهور قليلة من تولي الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر في 19 مارس 2010 ، اندلعت ثورة 25 يناير التي أطالحت بالرئيس محمد حسني مبارك، وظهرت جماعة الإخوان على الساحة كبديل لمبارك، فبادر الطيب بتغيير القانون الذى يعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، بحيث يتم اختياره من قبل هيئة كبار العلماء، وتم الحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإصدار القرار بالجريدة الرسمية قبل يوم واحد من انعقاد مجلس الشعب، فهددت جماعة الإخوان بإعادة القانون مرة أخرى.
 
وفى أول يوم لتولى محمد مرسى الحكم وذهابه إلى جامعة القاهرة للاحتفال، انسحب الطيب من الحفل لأنهم أجلسوه فى مكان غير لائق بمنصب شيخ الأزهر، بعدها ظهر خلاف الجماعة والطيب على السطح وتمثل في رفض الأخير تعيين ثلاثة إخوانيين نوابا لرئيس جامعة الأزهر، وظلت جامعة الأزهر من دون نواب لمدة ثمانية شهور.
 
كذلك خاض معركة اختيار مفتى الجمهورية، وأعلن عن فوز الدكتور شوقى علام بـ22 صوتًا مقابل صوت واحد للمرشح الإخواني، كما تعمد عدم الذهاب إلى الكثير من الحفلات المهمة التى حضرها الرئيس محمد مرسي خصوصًا تلك التى شهدت تكفيرًا لبعض الفئات والطوائف، كما لم يحضر آخر ثلاث خطابات لمرسى، كما هدد بتقديم استقالته أكثر من مرة.
 
وحرص شيخ الأزهر على حضور اجتماع 3 يوليو الذي أطيح فيه بالرئيس مرسي، وجاء فى طائرة عسكرية من الأقصر، وعلق الطيب على هذه الواقعة قائلا: "وأنا فى الطائرة شاهدت جموع المتظاهرين، الذين كانوا مثل النمل، لذا فضلت أن أنضم لغالبية الشعب ولو تخلفت كنت سأسجل فى سجل الخزي والعار".
 

الطيب وفض رابعة
بعد أقل من شهرين من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، قامت وزارة الداخلية بالتعاون مع القوات المسلحة بفض اعتصامي أنصار جماعة الإخوان في رابعة والنهضة، ما تسبب فى إسالة الكثير من الدماء، ما دفع شيخ الأزهر إلى إصدار بيان يوم 14 أغسطس حذر فيه من استخدام العنف وإراقة الدماء، مؤكدًا أن الأزهر لا يزال على موقفه من أن العنف لا يكون بديلاً للحلول السياسية، مشيرا إلى أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام، أحرج هذا البيان النظام السياسي وقتها، وامتنع الدكتور الطيب عن الظهور، أو الإدلاء بأي تصريحات لفترة طويلة.
 
 
السيسي والطيب
بعدها ظهور شيخ الأزهر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي فى عدد من المناسبات العامة، وعندما دخل الطيب فى صدام حاد مع الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بسبب موضوع الخطبة المكتوبة، أعلن السيسي دعمه لموقف الأزهر، وأُجبر وزير الأوقاف عن التراجع عن مشروع الخطبة المكتوبة، وأثناء احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي ، داعب الرئيس السيسي شيخ الأزهر قائلا : بحبك وبحترمك وبقدرك"، بعدها خاطب الحاضرين قائلا:" إياكم تكوني فاكرين غير كدة تبقى مصيبة، أنا بحب الإمام وعارف دور الأزهر ومقدره كويس في مصر والعالم كله، وهو القلعة المستنيرة اللى ممكن نعتمد عليها، لأنها هتحيي صحيح الدين".
 
ومؤخرًا شهدت العلاقة بين الطيب والسيسي توترًا كبيرًا، بسبب رفض الأزهر اقتراح للرئيس، باقتصار وقوع الطلاق أمام المأذون فقط، وتأكيد وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة عليه، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.
 
فهاجم بعض الإعلاميين الطيب وطالبوه بالاستقالة بدعوى فشله في تجديد الخطاب الديني، وفسروا دعابة السيسي للطيب في احتفال عيد الشرطة الأخيرة "تعبتني يا فضيلة الإمام معاك"، على أن الرئيس فاض به الكيل من تصرفات الإمام الأكبر، كما تقدم بعض نواب البرلمان بمشروع قانون لإلغاء هيئة كبار العلماء ووضع معايير أخرى لاختيار شيخ الأزهر وتحجيم اختصاصاته.
 

اعلان