بعد خلو الساحة.. هل يملأ الأزهريون فراغ السلفيين على الفضائيات؟
شهدت الخريطة الإعلامية في الفترة الماضية تواجدا كبيرا للدعاة الأزهريين على شاشات الفضائيات، بعدما كانت تخضع لسيطرة مشايخ من ذوي التوجهات السلفية.
واختفى عن الساحة شيوخ سلفيون من أمثال أبو إسحاق الحويني، ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وحل مكانهم قيادات ودعاة أزهريون، لكن يبقى السؤال: هل يملأ الأزهريون فراغ السلفيين على الفضائيات؟، وهل يمثل هؤلاء مؤسسة الأزهر أم يظهرون كأشخاص مستقلين يعلمون الناس أمور دينهم ؟.
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يظهر أسبوعيًا على التليفزيون المصري، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية يظهر في برنامجي هما "من ماسبيرو" على التليفزيون المصري، وبرنامج "مع المفتي" الذي يذاع على قناة "أون لايف"’، أما الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق فيظهر على قناة "سي بي سي"، ضيفا دائما على برنامج " والله أعلم".
ويقدم الدكتور سالم عبد الجليل على قناة "المحور"، برنامج "المسلمون يتساءلون" ، وخالد الجندي ورمضان عبد المعز يقدمان برنامج "لعلهم يفقهون" على فضائية dmc، والشيخ إسلام النواوي، برنامج "الموعظة الحسنة" على قناة "دريم"، والدكتور سعد الدين الهلالي برنامج "وإن أفتوك" على فضائية "أون"، والشيخ أحمد تركي برنامج "الدين والحياة" على قناة الحياة، ومظهر شاهين برنامج "الصديقان" على فضائية المحور، وأسامة الأزهري برنامج "رؤى" على فضائية " dmc"، فيما يتناوب على برنامج "فتاوي" الذي يعرض على فضائية الحياة 2 عددا من شيوخ الأزهر المغمورين.
وفي الوقت الذي أكد فيه باحثون أن هؤلاء الدعاة لا يمثلون الأزهر كمؤسسة، وأن تأثيرهم ضعيف على الفضائيات نظرا لقلة عدد المشاهدات، أشار مواطنون أيضًا أن هؤلاء الأزهريين فشلوا أيضًا في ملء فراغ الشيوخ السلفيين.
عبد الجليل: لست بديلا لأحد
بدوره قال الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل الأوقاف السابق، ومقدم برنامج " المسلمون يتساءلون" على قناة المحور، إنه "لا أحد يمثل الأزهر الشريف على الفضائيات إلا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أو من يتحدث باسمه، بالتالي كل من يتكلم من علماء الأزهر يمثل نفسه فقط".
وأكد عبد الجليل لـ"مصر العربية"، أنه ليس بديلا لأحد من السلفيين أو الأزهريين. وتطرق إلى تجربته الإعلامية على الفضائيات، قائلا : "تجربتي في البرامج الدينية عمرها 18 عاما منذ كنت إماما وخطيبا لمسجد قاهر التتار بمصر الجديدة، فمن سنة 1999 وأنا موجود على التليفزيون المصري، ثم قدمت برنامج فتاوي على قناة الأسرة والطفل، فضلا عن القنوات الفضائية المصرية، وكان أولها قناة المحور منذ 15 عاما".
وأشار إلى أن رسالته في الإعلام سامية، لأنه يعرض الدين الوسطي بدون تنازلات، فالقنوات التى يعمل بها لا يوجد بها أجندات خاصة ولا يعنيها إلا أن يصل الفكر الصحيح إلى المشاهدين.
قضايا تافهة
وعن مدى تأثير برامج دعاة الأزهر على المشاهدين، قال المواطن عمر النجار: "إن الأزهريين على الفضائيات يشغلون أنفسهم بقضايا تافهة، وثقتهم الزائدة في أنهم "أهل العلم" جعلتهم لا يهتمون بشكل الخطاب الدعوي ولا يقدمون علما من الأساس".
وأضاف: "رغم اختلافي مع السلفيين إلا أني أرى أنهم يمتلكون خطابا دعويا ساخنا يجذب المشاهدين، لأن الناس فى الأمور الدينية تحتاج إلى الصوت العالي الذي يشعرهم بصدق الحديث، كما أنهم يسوقون لأنفسهم بشكل جيد، أما الأزهريين فيرفضون الاحتكاك بالقضايا الشائكة لكونهم مقربين من السلطة".
بينما قال المواطن عبد الله بسيوني : "إن الرتابة في عرض المعلومات وعدم وجود الروح وغلبة الخطاب الرسمي للدولة، ومناقشة موضوعات بعيدة عن اهتماماته، كلها أسباب دفعته للعزوف عن برامج الأزهريين وتفضيل برامج السلفيين عليها"، لافتا أيضًا إلى أن خطاب الدعاة الأزهريين يفتقد للإخلاص في العرض".
وأكد أن بعض الشيوخ السلفيين أمثال الشيخ محمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومحمد حسان، قاموا بنقلة كبيرة فى الخطاب الدعوي، وجذبوا الكثير من الناس إليهم حتى غير المحسوبين على الفكر السلفي.
من جانبه أكد المواطن سمير عمر، أن برامج الأزهريين لم تستطع أن تشغل فراغ السلفيين، لافتا إلى وجود فروق جوهرية بين بروز السلفيين والأزهريين على الساحة الإعلامية، فالبروز السلفي – حسب قوله – انتقاء طبيعي بمعنى أن هناك شرائح كبيرة من المواطنين تحب أن ترى هؤلاء الشيوخ على الفضائيات، أما بروز علماء الأزهر على الساحة فلا يستند إلى قاعدة جماهيرية، بل على أساس الاختيار الإداري وربما (الأمني) ، بالتالي لا يبرز للناس إلا الوجه المعبر عن النظام السياسي، عكس البروز البعيد عن الدوائر الرسمية والتى يتسم بالمصداقية لدى جماهير الشارع".
مشاهدات ضعيفة وصرعات داخلية
أما سامح عيد، الباحث فى شؤون الإسلام السياسي، فأكد أن برامج الوعظ للأزهريين فقدت بريقها، سواء التى يقدمها ما يسمى بالدعاة الجدد أو المشايخ الذين يتحدثون بالعامية أو بلغة أكثر بساطة، موضحا أن نسب مشاهدات هؤلاء على اليوتيوب ضعيفة للغاية، باستثناء بعض المقاطع التى تثير جدلا كبيرا بين الحين والآخر.
وأضاف: "في المقابل نجد للسلفيين تلاميذ ومريدين، فرغم منعهم من الظهور على الفضائيات، إلا أن فيديوهاتهم ودروسهم التى تبث على الإنترنت تحظى بنسب مشاهدة عالية، وعلى الجانب الآخر الملحدين كحمدي عبد الصمد المصري وشريف جابر مشاهداتهم بالملايين".
وأشار سامح عيد إلى أن الأزهر والأزهريين انشغلوا على الفضائيات بمشاكلهم الداخلية، سواء مع خالد الجندي وسعد الدين الهلالي بسبب الطلاق الشفهي، وأسامة الأزهري بسبب انتقاده أداء المؤسسة الدينية، أو معركة الخطبة المكتوبة بين وزير الأوقاف وهيئة كبار العلماء، ولم يستطع هؤلاء مواجهة 3 أطراف هم السلفيين بفتاويهم الشاذة، وتنظيم داعش وفتاواه المحرضة على القتل والاغتصاب والسبي، والملحدين وتشكيكهم فى الدين، لافتا فى الوقت ذاته إلى أن السلفيين لم يقدموا شيئا جيدا حتى نقول أن الأزهريين دخلوا للساحة الإعلامية لسد فراغهم.
فؤاد: الأزهر لا يمثله إلا إمامه
وأكد الدكتور عبد المنعم فؤاد عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين جامعة الأزهر ، أن الشيوخ الذين يقدمون برامج دينية على الفضائيات لا يمثلون مؤسسة الأزهر الشريف ولا يتحدثون باسمه، وإنما يمثلون أنفسهم فقط.
وأضاف لـ "مصر العربية": " أنا أيضًا لست متحدثا رسميا باسم الأزهر فلم أنال هذا الشرف، وإنما عندما أتحدث عن الأزهر بالفضائيات، فإنني أتحدث عنه كأبن من أبنائه الذين شربوا من مياه علومه العذبة، وتعلموا منهجه الوسطي".
وتابع: "يجب على الناس أن تعي جيدا أن من يرتدي العمامة الأزهرية يمثلون أنفسهم فقط، وبعضهم يرتدها ولا يعرف شيئا عن هذه المؤسسة، فقد رأينا أن بعض الفضائيات تخرج أشخاصا يرتدون عمامات وهم ليسوا موظفين بالأزهر، أو عمالا فى وزارة الأوقاف، ولذلك أطالب بتقنين الزي الأزهري، لسبب بسيط وهو أن الناس من شتى أنحاء العالم تثق في الأزهر ".
وأوضح أن القنوات اليوم مفتوحة على العالم كله، فإذا جلس شخص ما يرتدي الزي الأزهري على إحدى القنوات سيشاهده العالم، فإذا قال مقولة ما فالعالم سيصدقه لأنه أزهري، فما بالنا لو رأيناه يزعم أنه المهدي المنتظر، أو يدعي تحليل الخمر ، وهذه أمور ليست من منهج الأزهر ، وكل فكر لا يتوافق مع منهج الأزهر لا يحسب عليه حتى وإن كان صاحبه يدعى أنه أزهريا".
وعن قيام مقدمي البرامج الدينية بالدفاع عن الأزهر ضد الهجمات التى يتعرض لها بين الحين والآخر ، قال فؤاد : " الأزهر ليس في قفص الاتهام ليحتاج لمن يدافع عنه، فالأزهر يدافع عنه تاريخه العلمي ومنهجه الوسطي وحب الناس له ولعلمائه، وما تكنه القيادة السياسية للأزهر من احترام وتقدير ".
وعن إمكانية أن يكون للأزهر آلة إعلامية قوية تتحدث باسمه وتدافع عنه، أكد فؤاد أن الأزهر يسعى في الفترة الأخيرة لإنشاء قناة فضائية باسمه، كما أن أبناء الأزهر يجلسون على مقاعد كثيرة من الإعلام لكن المشكلة في من يريدون تشويه صورة المؤسسة.
شهاب: نشاط الأزهر الإعلامي لا يليق بحجمه
وقال الدكتور محمود شهاب أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، إن "الفضائيات والقنوات التليفزيونية لجأت لمشايخ الأزهر في التصدي للفتوى على خريطة البرامج الدينية لمواجهة الأفكار المتشددة والمغالية، ولكن للأسف الانتشار على الخريطة لا يعني قوة التأثير، لأن هناك حملات تشويه للمؤسسة الأزهرية تنتشر بالتوازي مع الفتاوى، بالإضافة إلي أن الشخصيات المتصدية للفتوى لا يدرس مستوى تأثيرها، لأن بعضهم مصنف، والآخر محدود التأثير، وهذا يضعف تأثيرهم".
وعن السمات التى تميز الأزهريين عن السلفيين ، أوضح أستاذ الإعلام لـ"مصر العربية"، أن الأزهريين خرجوا من رحم الوسطية، وآمنوا بتعددية المذاهب والاختلاف، بخلاف السلفيين الذين تربوا على أفكار مشايخهم فهم يؤمنون بالأفراد أكثر من الإيمان بالمذاهب، إضافة إلى غلظة بعضهم التي نفرت طوائف من المجتمع وجعلتهم أكثر إعراضا عن الدعوة.
وشدد على أن الأزهر لا يقارن بتيارات مهما بلغ حجمها، لأنه قلعة الوسطية وهو الماء الدائم الذي لا يجوز التيمم بغيره في وجوده.
وقال: إن أزمة الفضائيات أنها تتعامل مع رواد الميديا من الأزهريين، وبعضهم يختلقون الجدل ويزرعونه معتمدين على انتسابهم للأزهر، لذا أوصى أن يكون تمثيل الأزهر بالإعلام على قدر حجمه، وألا يمثل الأزهر إلا من رشحه الأزهر من خلال قنوات معتمدة، ولن يكون ذلك إلا من خلال خريطة الإعلام والفتوى الملموسة والمدروسة بين التخطيط والتنفيذ والتقويم والتقييم".
وأشار إلى أن تاريخ المؤسسة الأزهرية وعالميتها أعظم من أن تنتقد بسبب أشخاص مهما انتشروا إعلاميا، مطالبا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بتأسيس قاعدة بيانات بأسماء العلماء الأزهريين الممثلين له بسيرهم الذاتية وإعلانها للقنوات بأن هؤلاء علماء الأزهر، وغيرهم لا يمثلوه حتى لو تخرجوا في الأزهر .
وأكد محمود شهاب الدين أن نشاط الأزهر الإعلامي لا يليق بحجمه، وأن الإدارة الإعلامية داخل هذه المؤسسة بطيئة لا تستطيع استدراك الهجمات وتوجيهها، بل تتلقي الضربات وترد وهي تنزف، والمصاب وإن كان صاحب حق يظل ضعيفا- حسب قوله-.