قصة لغز «مصنع الألبان».. بدأت بالحظر وانتهت بالاكتشاف

 عقب أزمة نقص لبن الأطفال التي عانى منها الشعب المصري خلال الفترة الماضية، جاءت تصريحات وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، عن اكتشاف مصنع مصري لإنتاج ألبان الأطفال، لتثير موجة من الغضب والسخرية في الوقت ذاته، حيث إن المصنع المكتشف "لاكتو مصر" يرجع تاريخ إنشائه لعام 2002، وتولى توريد احتياجات وزارة الصحة من ألبان الأطفال منذ عام 2003، إلى أن قررت الوزارة وقف التعامل مع المصنع، بل ووقفه كليا عن الإنتاج، في آواخر عام 2005، إثر إصابة عدد من الأطفال بالتسمم، عقب تناولهم ألبان من إنتاج المصنع.

 

المصنع المكتشف لاكتو مصر

 

تفتح "مصر العربية" ملف مصنع "لاكتو مصر" والمسمى إعلاميًا "المصنع المكتشف"، بعد حصولنا على نسخة ضوئية من صورة اجتماع اللجنة العليا لسلامة الغذاء فى يوم 24 نوفمبر2005، برئاسة الدكتورة ماجدة رخا، رئيس قطاع الشؤون الوقائية المتوطنة، وفى حضور متخصصين، حيث أشار محضر الاجتماع إلى الآتي:

 

"تعدد شكاوى المواطنين من إصابة أطفالهم بمغص وقيء عقب تناول الألبان المجففة ماركة "بيبى زان"، وتم سحب عينة من هذه النوعية للألبان المنتجة بمعرفة شركة "لاكتو مصر"  بالعاشر من رمضان وتم فحصها بالمعامل المركزية بالقاهرة، وأظهرت النتائج عدم صلاحيتها للاستهلاك الأدمي لتزنخ وإيجابية اختبار الزناخة للعديد من التشغيلات بما في ذلك الواردة بمعرفة الشركة من خطوط الإنتاج، رغم أنها مازالت في فترة الصلاحية.

وتم اتخاذ عدد من الإجراءات حسبما جاء في المستند، منها مخاطبة جميع المديريات للتحفظ على التشغيلات غير المطابقة من هذا النوع من الألبان والتي أظهرت النتائج من عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، ويتم سحب باقي التشغيلات للتأكد من صلاحيتها.

 

وذكر المستند أيضًا أنه تم تشكيل لجنة من الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة للمرور على المصنع واتضح أن هناك نقصًا في الاشتراطات الصحية ونظام التشغيل وقد تم إيقاف التشغيل.

 

وبالاطلاع على الإحصائية المعدة بمعرفة المعامل المركزية لإنتاج الشركة خلال الفترة من 1 أبريل 2005 حتى 19 نوفمبر 2005 اتضح منها أن العديد من التشغيلات غير مطابقة للمواصفات القياسية وغير صالحة للاستهلاك الآدمي  لتزنخها.

 

الحق في الدواء

 

وقال محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصرى للحق فى الدواء، في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" إنه بناء على ما جاء فى المستند صدر حكم قضائى من محكمة جنوب القاهرة للطفل كريم مصطفي بتعويض بلغ ٤٠٠ ألف جنيه، بسبب إصابته بضمور في المخ وتشنجات عصبية بسبب تناول اللبن المذكور.

 

وأضاف أنه صدر حكم بوقف المصنع، بعد قرار محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في ٢٠٠٩ برئاسة المستشار حمدي ياسين، نائب رئيس مجلس الدولة.

 

وتعليقًا على هذا الموضوع، قال الدكتور محمد عز العرب، المستشار الطبى للمركز المصرى لحماية الحق فى الدواء، إنه يطالب لجنة الصحة بالبرلمان، بتقديم طلب إحاطة لوزير الصحة لإعادة فتح ملف مصنع "لاكتو مصر"، لإعادة فتح هذه القضية لعدم وضوحها.

 

وأضاف عز العرب، في تصريح لـ مصر العربية: كيف تم غلق هذا المصنع بقرار وزاري، ويخرج وزير الصحة يعلن الآن عن اكتشافه، متسائلًا عن كيفية إعادة فتح المصنع دون علم الحكومة، ألم يكن لدى الحكومة علمًا به؟، ومن المعروف أنه طالما يصدر منتجات فهو موجود فى سجلات الجمارك، ولا بد من وجود سجل وملف ضريبي له، بالإضافة إلى التراخيص الخاصة بإعادة الفتح والإنتاج.

 

غرفة صناعة الدواء

 

قال الدكتور محى حافظ، رئيس شعبة الأدوية بغرفة صناعة الدواء، إن مصر محليًا تحتاج 70 مليون عبوة ألبان سنويًا، وتقوم مصر بتصدير نحو 30 مليون عبوة كمعونات إلى دول شمال أفريقيا، وبالتالى فإن الاستهلاك السنوى للألبان 100 مليون علبة.

 

وأضاف حافظ، لـ مصر العربية، أن مصنع لاكتو مصر ينتج 35 مليون عبوة سنويًا يتم تصديرها لدول أفريقيا، وذلك لعدم السماح له بطرح المنتجات محليًا منذ عام 2006/2007.

 

وأشار حافظ، إلى أن هذا المصنع ليس مكتشفا جديدا كما تمت إثارة ذلك فى الإعلام، فهو يقوم بالتصدير منذ 7 سنوات تقريبًا، وينتج أيضًا مبيض القهوة، بما يغطي احتياجات السوق المحلى، ويتم تصدير الباقى لهولندا.

 

وزير الصناعة الأسبق

 

من جانبه، قال المهندس حاتم صالح، وزير التجارة والصناعة الأسبق، إنه مافيا المستوردين وراء إغلاق المصنع، وأنه ظل مغلقا لفترة طويلة، مع العلم أنه مصنع كبير، يتواجد في المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان، ويحتوى على خط إنتاج جيد.

وأضاف الوزير الأسبق، فى تصريح لـ مصر العربية، أنه تم تقديم العديد من البلاغات الكيدية، ضد المصنع لإغلاقه، مشيرًا إلى أنه هناك إجراءات يتم اتخاذها قبل إغلاق أى مصنع منها على سبيل المثال الإنذار.

 

وأوضح "صالح"، أنه من الممكن لأى مصنع أن يقوم بتوفيق وتصحيح أوضاعه ويتم إعادة تشغيل الإنتاج به مرة أخرى، وذلك بعد التأكد من شروط السلامة والصحة، وأنظمة الجودة، عن طريق جهات الرقابة الصناعية ووزارة الصحة.

 

ولفت وزير الصناعة الأسبق، إلى أنه رغم اعتماد المصنع فى معهد التغذية وحصوله على مناقصة وزارة الصحة، لم يستطع التوريد للوزارة بعد ممارسة الضغوط والمكائد من قبل مافيا المستورين.

 

وبيّن صالح، أن وجود عبوة فاسدة أو عبوتين أو 10 عبوات لا يعنى أن المصنع ينتج موادًا غير صالحة للاستهلاك، فقد يكون العيب فى تخزين المنتج بشكل سيئ.

 

 

غرفة الصناعات الغذائية

 

قال مهندس محمد شكرى، رئيس غرفة الصناعات الغذائية السابق، إن مصنع لاكتو مصر تم إنشاؤه عام 2002، لإنتاج ألبان الأطفال، وشارك في مناقصة وزارة الصحة، 2005، بعد ما تم تسجيله فى معهد التغذية، لكن وزارة الصحة ألغت اعتماده فى عام 2007.

 

وأضاف شكرى، لـ مصر العربية، أن المصنع يصدر الألبان للخارج، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة هى من قررت قطع التعاون مع المصنع، لأنها كان من الأسهل لها استيراد الألبان من الخارج، مع العلم أن هذا المصنع كان يحقق الاكتفاء الذاتي.

 

وزارة الصحة

 

وكان الدكتور أحمد عماد الدين راضي وزير الصحة والسكان، ترافقه الدكتورة ألفت غراب رئيس الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (أكديما)، قد تفقد الأسبوع الماضي مصنع "لاكتو مصر"  بمدينة العاشر من رمضان.

 

وصرح الوزير، خلال الزيارة، بأن المصنع يعد نقله نوعية فى صناعة ألبان الأطفال فى مصر؛ نظرًا لما يمتلكه من مقومات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الألبان بل والتصدير أيضا، مشيرًا إلى أنه منذ توليه وزارة الصحة كان هناك مشكلة فى توفير ألبان الأطفال، وتم التغلب عليها بالمناقصة الأخيرة، والتى وفرت لمصر ألبان الأطفال بسعر مناسب وجودة عالية.

 

وأضاف أن وجود مثل هذا المصنع فى مصر والذى تساهم فيه شركة "أكديما " الحكومية سيوفر علينا الكثير، لافتًا إلى قيام المصنع بإنتاج حوالى 35 مليون عبوة سنويا، بينما استهلاك مصر حاليا لا يتعدى الـ 18 مليون عبوة سنويا، أي سيكون لدينا فائض للتصدير بما يحقق مكاسب للدولة، وإنهاء مشكلة لبن الأطفال بشكل نهائي.

 

وأشار راضى، إلى أن المصنع يقوم بتصدير إنتاجه حاليا من ألبان الأطفال، خاصة إلى هولندا، التى تعتبر من أهم دول العالم فى إنتاج ألبان الأطفال، ويتم مراقبته بشكل دورى من الدول الأجنبية المستوردة لضمان جودته، مؤكدًا على أنه سيتم إلغاء جميع مناقصات ألبان الأطفال بوزارة الصحة بداية من العام المقبل، وسيتم الاعتماد على إنتاج مصنع لاكتو مصر"."

 

وأوضح الوزير، أن المصنع ضخ إنتاجه في السوق عام 2003 ثم توقف عن الإنتاج بالسوق المصري وتم إيقاف التعامل معه منذ 2005، مشيرًا إلى أن مصر استوردت خلال العام الماضي 18 مليون علبة لبن، وستنتهى هذه المناقصة خلال الـ 3 أشهر القادمة ثم سيسند لهذا المصنع إمداد وزارة الصحة باحتياجاتها.

 

ونوه راضي بأن المصنع لا يقوم بإنتاج ألبان الأطفال فحسب بل فهناك خطوط لإنتاج كافة مشتقات الألبان، مؤكدًا على أن مصر حاليًا على أعتاب مرحلة جديدة في قطاع الدواء وألبان الأطفال. بحسب تعبيره.