فتح مكة.. الصبر طريق المسلمين إلى النصر
طريق شاق ذلك الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يصلوا إلى المرحلة التي يَخْشَى منهم من اضطروهم إلى ترك ديارهم وأموالهم مهاجرين خفية باحثين عن وطن جديد يأمنون فيه...
مرحلة يُعظِّمهم فيها من كانوا يقولون {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.. مرحلة يترك فيها أعداؤهم سيوفهم ورماحهم يلوذ بعضهم بمسكنه ويلوذ آخرون بأستار الكعبة يحتمون بها مما قذف الله في قلوبهم من رعب ومهابة للرسول وصحبه الكرام..
مرحلة صارت فيها أكثر غزواتهم الفتوحات؛ فقد كان أحَدَّ سيوفهم المَهَابة، وأسرعَ سهامِهم الرعبَ القابع في قلوب مناوئيهم، وأغناهم حد اللسان عن حد السنان، وسهام العين عن قذائف النبال، وسواد ظلهم عن شخوصهم...
عشرون عامًا أو يزيد بين استضعاف المسلمين وبين تمكينهم، بين هجرتهم مكة في خفاء وفتحِها دون نصب أو عناء، سنوات عجاف مرت على المسلمين؛ قُتِل منهم من قتل، وعُذب منهم من عذب، وشُرّد منهم من شرد ، زاغت خلالها أبصار بعضهم وبلغت قلوب آخرين الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }..
لما عالجوا كربهم وبلاءهم بالثبات والصبر عالج الله معنوياتهم وأرواحهم بنصر قريب المأخذ، سهل المأتى، داني القطوف، عذب الشراب، نضيج المأكل...
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن يبلغ المجد من لم يلعق الصَّبرا
فتحت مكة؛ مأوى المنفرين عن سبيل الله وقتها، ومسكن الصادين عن دينه، ومرتع أصنامٍ اتخذها السفهاء أندادا من دون الله...
فُتِحت في خير الشهور شهر رمضان، وأول العشر الأواخر منه في اليوم العشرين، في السنة الثامنة من الهجرة؛ ليصدق الله رسوله وعده في أحب سور القرآن إليه صلى الله عليه وسلم سورة الفتح؛ {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} ...
ويظن الناس الفتح فتح مكة ولكن الصحابة يرون الفتح صلح الحديبية ذلك الصلح الذي جعل عمر رضي الله عنه يقول وقتها : علام نعطي الدنية في ديننا.. روى البخاري عن ابن مسعود وغيره أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وروي مثل ذلك عن عمر نفسه؛ ليترسخ عند المسلمين قول الله تعالى : {فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا}، ويتأكد لديهم تقرير نبينا صلى الله عليه وسلم : « وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ » رواه الحاكم..