فلسطين على برميل بارود

كتب: جاد الله صفا

فى: ساحة الحرية

12:51 20 فبراير 2017

الأحداث المتسارعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة تشير إلى احتمالات مواجهة قادمة لا بدَّ منها، سواء بقطاع غزة أو انتفاضة عارمة بالضفة الغربية، أو المنطقتين معًا، كما تشير التقديرات إلى إمكانية انخراط أطراف أخرى بهذه المواجهة ودخول حزب الله المعركة بكافة قدراته وطاقاته وإمكانياته المتوفرة.

 

فشل الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٦٧ من اقتلاع شعبنا بالضفة والقطاع وما تبقى من فلسطين، ورغم كل حروبه التي شنّها على مواقع الثورة ومخيمات شعبنا بالشتات، وسياسة الطرد والنفي وتشريع القوانين  ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت، وعمليات تهويد القدس وتغيير معالمها، قلع الأشجار، فتح السجون وزجّ مئات الآلاف من الفلسطينيين بسجونه بأحكام جائرة وقاسية، ولم يترك وسيلة غير إنسانية إلا واستخدمها، ورغم كل ذلك بقي شعبنا الفلسطيني ثابتًا متشبثًا بأرضه، صامدًا متحديًا، رافضًا المشروع الصهيوني، يضاف لذلك عدم تمكن الكيان من التوسع والامتداد بدول الجوار، اتجاه الأردن وسوريا ومصر وبقي مشروعه محصورًا على فلسطين والجولان.

 

لقد شكلت الثورة الفلسطينية والصمود الفلسطيني وتشبث الشعب الفلسطيني بأرضه العقبة الأساسية أمام إيقاف تمدد المشروع الصهيوني وتوقفه، فرغم كل الحروب التي شنها الكيان الصهيوني والمجازر التي ارتكبها، إلا أن شعبنا الفلسطيني بقي صامدًا متشبثًا ومتمسكًا بحقوقه بالحرية والعودة، ورفضه لأي مبادرة تنتقص من حقوقه.

 

لم يكن خروج الثورة من بيروت آخر المعارك؛ حيث انتقلت المواجهات إلى الداخل الفلسطيني، فكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام ١٩٨٧،  الأقصى عام ٢٠٠٠، عدوانه على غزة ٢٠٠٨/٩، ٢٠١٢ و ٢٠١٤، وتصعيد إجراءاته وقمعه بحق شعبنا بالضفة والداخل المحتل منذ ٤٨، وتصعيد إجراءاته اليومية والمضايقات المستمرة وحصار غزة، والكثير من الإجراءات تؤكد كلها على أن الموجهة لم تنتهِ، حيث السنوات الأخيرة وشهدت تصاعدت بها المواجهات شبه اليومية بالزجاجات الحارقة والحجارة والإطارات المشتعلة والسكاكين والآلات الحادة وعمليات الدهس والعمليات النوعية التي تجري بالضفة الفلسطينية والتي تستنزف العدو وتربكه، وتتركه عاجزًا عن منعها وإيقافها.

السؤال المطروح هل ستحصل مواجهة؟ ما هي طبيعتها ونتائجها المنتظرة؟ ماذا يريد كل طرف؟ هل ستختصر المواجهة على غزة فقط، أم معها الضفة الفلسطينية؟ وهل ستمتد إلى لبنان؟

يقول بن غوريون "حربنا مع العرب هي حرب وجود وليس حدود"، وأي مراجعة ودراسة لتاريخ الصراع منذ بداية استيطان فلسطين، تجد أن الحركة الصهيونية وكيانها وبدعم من الغرب ينكرون على الشعب الفلسطيني حقه بالوجود، فهذا معضلة للكيان الصهيوني يسعى إلى التخلص منها، فكل ممارساته وإجراءاته وقوانينه لم تتمكن من تفريغ فلسطين من سكانها، فالحالة الراهنة تشير إلى التفوق الديمجرافي الذي يميل لصالح العرب ويعتبر الخطر الحقيقي على وجود واستمرار هذا الكيان، فهو يسعى إلى التخلص منه بأي ثمن،  فهو لا يقبل بأي حل يضمن استمرار هذا التواجد، الذي سيكون خلال السنوات القادمة متفوقًا سكانيًا، فحل الدولة الواحدة بأي شكل من الأشكال بالنسبة للكيان تهديد لوجوده وبداية نهايته، أيضًا أي انسحاب إلى الخلف ولو خطوة واحدة أيضًا يعتبر تهديدا لوجوده، ولكن هل الحرب هي الحل بالنسبة للكيان؟

يسعى الكيان الصهيوني من أي عدوان قادم على غزة أو الضفة إلى تحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه عام ١٩٦٧، إلى موجات لجوء جديدة، من خلال خلق المبررات التي تسمح له بالعدوان، معتبرًا أن المقاومة بالقطاع وعمليات الضفة وتسليح حزب الله سبب ومبرر لشنّ هذا العدوان، مع ضمانة توفير تغطية وحماية دولية بالدفاع عن المبررات الصهيونية لعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني والذي لمسناه خلال الاعتداءات الثلاثة الأخيرة على القطاع، وهنا سيكون السؤال، هل سيحقق الكيان أهدافه بالمعركة القادمة؟ وإن لم يتمكن ما هي النتيجة؟

بالمقابل، المقاومة الفلسطينية تختلف بجاهزيتها عن جاهزية الكيان الصهيوني، وهنا يدخل عامل الرعب، الجماهير الفلسطينية تشكل حماية واحتضان للمقاومة على عكس جمهور المستوطنين، ورغم بساطة الأسلحة والإرادة الشعبية ورغبة المقاتل وإحساسه بالتضحية من أجل الحرية والاستقلال، وتشبثه بالأرض، هذا العامل سيكون له دور أساسي بالمعركة المنتظرة، باعتبار أنَّ النإسان الفلسطيني ليس له ملجأ آخر غير وطنه، وأن الحالة العربية ليست كمثل الحالة التي كانت عام ١٩٤٨؛ حيث تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دول الجوار واستقبلتهم تلك الدول وأقامت لهم مخيمات، وإن أي لجوء فلسطيني باتجاه دول الجوار لا يلاقي إقبالاً إطلاقًا لا شعبيًا ولا رسميًا.

 

أي حرب قادمة، هي حرب المصير، مهما كان حجم الدمار والقتل، فالكيان الصهيوني وجمهوره ليس لديهم التضحية بالحجم والنسبة التي تتوفر لدى الإنسان الفلسطيني ومقاومته، فكل أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الكيان الصهيوني لن تفيده، فهي تشكل خطرًا على وجوده لضيق مساحة المعركة واختصارها على بعض الكيلومترات، وتواجد أعداد كبيرة وهائلة من قواته وجنوده، وبحال دخول حزب الله المعركة وهذا الاحتمال وارد، حيث أكد حزب الله أن لديه من الإمكانيات التي تسطيع أن تحقق النصر على هذا العدو بعد إلحاق دمار كبير بكل المنشئات الصهيونية العسكرية والمدنية وتدمير البنية التحتية أيضًا..

 

فهل الكيان الصهيوني سيدخل حربًا غير قادر على حسمها لصالحه؟ وغير قادر على تهجير المزيد من الفلسطينيين؟ ممكن، ولكنه لا ينتصر؛ لأن شعبنا على استعداد كامل للمعركة القادمة داخل وخارج فلسطين، معركة المصير الاستقلال والعودة ونهاية الكيان، ولا حل إطلاقًا ما دام الظلم قائمًا إلا بعودة الحق لأصحابه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

جادالله صفا – البرازيل

١٩ شباط ٢٠١٧

اعلان