تهجير المسيحيين.. سيناريو كاشف لدور إسرائيل في سيناء
عمليات التهجير التي تطال الأسر المسيحية في العريش قد تكشف عن تورُّط إسرائيل في مجريات الأوضاع في سيناء من واقع التسلسل الزمني للتطورات السياسية الأخيرة في العلاقات المصرية-الإسرائيلية من جهة، وشكل التوترات الداخلية خلال السنوات الست التي أعقبت ثورة الـ 25 من يناير من جهة ثانية.
المؤشرات على احتمال وجود أيادٍ إسرائيلية تحرك المشهد المتأزم في سيناء تتزايد بالنظر إلى حجم التصريحات والتقارير التي صدرت من داخل إسرائيل خلال الفترة الماضية لإبراز موقف السلطة المصرية ضعيفًا تارة، ومفرطًا في سيناء تارة أخرى.
أبرز هذه التصريحات خرج مؤخرًا على لسان وزير إسرائيلي بوجود خطة مصرية لإقامة دولة فلسطينية في سيناء ومطروحة على مائدة اللقاء الذي عُقِد مؤخرًا في واشنطن بين نتنياهو وترمب، وهو ما نفته الخارجية المصرية واعتبرته يتنافى مع مساعيها لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أراضيه، والحفاظ على السيادة المصرية على سيناء.
لكن أعقب ذلك إعلان من وزير الدفاع الإسرائيلي عن شنّ غارة داخل سيناء وقتل عناصر من داعش أطلقت صواريخ على إيلات، وهو تصريح آخر يهدف إلى إيصال رسالة بامتلاك إسرائيل معلومات عن مناطق تواجد عناصر داعش في سيناء من جهة، ووجود نية مُبَيّتة لإظهار أنّ الموقف الأمني في سيناء يخرج عن سيطرة الدولة المصرية من جهة ثانية.
يمكن من خلال هذه المواقف رصد الصورة التي تحاول إسرائيل تصديرها عن الوضع في سيناء، قبل أيام من قتل مسيحيين في العريش، وحدوث عمليات تهجير للأسر المسيحية هناك، وكذلك بعد وجود توتر سياسي مُعْلن في العلاقات منذ الإعلان في وقت سابق عن مغادرة السفير الإسرائيلي للقاهرة.
التسلسل الزمني لتلك الأحداث يكشف عن دور محتمل لإسرائيل وخطة مدروسة تحت غطاء التنظيمات المسلحة في سيناء، فضلاً عن أن تحويل دفة الصراع باتجاه المسيحيين يمثل حلقة ضعيفة في الوضع الأمني لسهولة استهدافهم من خلال عمليات فردية لا تستطيع سلطات الدولة توقعها أو التصدّي لها.
هذا لا يعني في الوقت نفسه أنّ خطط قتل المسيحيين تخرج عن دائرة تخطيط التنظيمات الإرهابية نفسها، لكن تزامن عملية القتل الأخيرة وما أعقبها من تهجير للأسر المسيحية مع الموقف الإسرائيلي يرجّح احتمالية التورُّط الإسرائيلي الكامل في مسار الأوضاع في سيناء على مدار الفترات الماضية.
كذلك، لا يعني قيام تنظيمات إرهابية بهذه العمليات خضوع كامل من عناصر تلك الجماعات لقرار يصدر من رأس هذه التنظيمات وإنما تبدو فرضية تحريك أو اختراق أفراد داخل هذه التنظيمات هي الأرجح، وذلك على ضوء السياسة المتبعة من تنظيم داعش خلال الفترة الماضية في تبني عمليات فردية بعد وقوعها في أماكن متفرقة في العالم، وهو ما يشير إلى عدم وجود خطط مركزية من قيادات التنظيم بقدر ما تعبر عن مبادرات فردية لأشخاص للقيام بعمليات إرهابية.
على ضوء التحرك الفردي واحتمالات اختراق إسرائيل لتلك الجماعات من هذه النقطة، لا يمكن إدراج تهجير المسيحيين من العريش في إطار المخاطر من امتداد تأثير تلك العمليات لزرع فتنة طائفية تهدد التعايش في المجتمع بأسره.
فمن خلال تتبع عمليات استهداف المسيحيين في مصر منذ ثورة 25 يناير تظهر عدة نقاط محورية تحدّد حجم تأثير الوضع السياسي على المسيحيين في مصر، ومدى خضوعهم لدائرة الاستهداف نتيجة لمواقفهم السياسية بعيدًا عن الوضع في سيناء:
أولًا : تفجير الكنائس لم يكن هدفًا صريحًا على مدار سنوات أعقبت ثورة 25 يناير باستثناء هجمات قليلة وقعت في محيط عدد من الكنائس وأوقعت عددًا قليلاً أيضًا من الضحايا، وكان ظاهر هذه العمليات أشبه برسائل تهديد أو تخويف دون حدوث عمليات كبيرة، قبل وقوع تفجير ضخم في الكنيسة البطرسية يمثل تحولًا في استراتيجية إرهابية أكثر من كونه تحولاً مجتمعيًا نحو الفتنة الطائفية.
ثانيًا: البعد السياسي للهجمات السابقة كان واضحًا في ظلّ تبادل الاتهامات السياسية حينها، لكنها كانت تمثل في مجملها جزءًا من واقع فوضوي دفع المسيحيين بشكل خاص للقلق والخوف من تنامي هذه الهجمات وتطورها لمواجهات طائفية أخطر لاحقًا، في ظل الحشد تحت شعارات الشريعة التي رافقت تظاهرات واعتصامات الإخوان، وكان هذا واضحًا في رفض قطاع عريض من المسيحيين لحكم الإخوان وتبني خط معارض لهم في الانتخابات الرئاسية، مرورًا بعزل مرسي وتولي السيسي سدة الحكم.
ثالثًا: بعد عزل الإخوان في 3 يوليو، تناقصت حدة القلق لدى المسيحيين لكن ذلك انعكس بشكل مغاير وتدريجي من خلال ضعف مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات إلى حد انخفاضها بشكل لافتٍ في الانتخابات البرلمانية الأخيرة خاصة من جانب الشباب، ومن ثم يمكن الاستنتاج بابتعاد المواطنين المسيحيين عن حسابات السياسة السابقة القائمة على مخاوفهم من حكم الإخوان أو حشدهم المناهض لهم أو حتى المؤيد تجاه النظام الحاكم الآن.
رابعًا : كان طرد الإعلاميين من محيط انفجار الكنيسة البطرسية بمثابة رسالة واضحة تعكس رفض المسيحيين للتوظيف السياسي والإعلامي للحدث في أي اتجاه يجعلهم محسوبين على السلطة، بالشكل الذي يضعهم في دائرة الاستهداف.
كل المراحل السابقة عبر التسلسل الزمني منذ ثورة 25 يناير تؤكّد أن المسيحيين في مصر مروا بتجارب صنعت لديهم حالة وعي حقيقية دفعتهم للخوف في مرحلة، ولرفض استغلالهم السياسي في مرحلة ثانية، وربما هذا ما يجعل استهدافهم الآن غير مرتبط بمواقف تخدم أيًّا من أطراف اللعبة السياسية، بقدر ما ينخرط في خطة خارجية لا ينفصل عنها الدور السياسي والإعلامي الإسرائيلي الذي يستهدف مصر بشكل واضح خلال الفترة الراهنة.