الشيكولاتة... بين الحلال والحرام
أثارت قضية الأب الذي كشفته كاميرات المراقبة عن سرقته للشيكولاتة ليعطيها لابنه.. العديد من الجدال واللغط على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد لفكرة أنه لم يهدف السرقة بقصد السرقة نفسها، وأنه إذا كان يطمح في ذلك كان الأولى أن يسرق شيئًا ذا قيمة وليس مجرد شيكولاتة..
أما الجانب المعارض فهو يتحدث من منطلق أنها سرقة، ويجب أن يأخذ عقابه حتى لا يكون هذا مثالاً ويفتح المجال أمام تكرار تلك النوعية من السرقات، وهذا الجانب المعارض لا يتقبل فكرة تطبيق روح القانون في أنَّ هذا أب وابنه طلب منه ذلك، ويبدو أنه لا يملك ثمن هذا، ولذلك اضطر إلى فعل ذلك الجُرْم..
ويحضرني في هذا السياق موقف حدث بالفعل أن فتاة قامت بسرقة بعض الملابس وكانت مراقبة من قبل أمن المول في إحدى الدول العربية، وبالفعل تم توقيفها والقيام بتفتيشها وتمّ العثور على تلك الملابس وتمّ طلب الشرطة لها، ولكن قام صاحب المتجر بالإسراع إليها وتنازل عن حقه عن القيام بعمل محضر بالواقعة، بل عرض عليها الملابس بدون مقابل، وعندما سئل عن ذلك كانت الإجابة "الله يعلم كم تحتاج لها ولن تجعلني تلك الملابس فقيرا إذا أخذتها وجعلني الله ممن يسترون العباد"..
هنا كان الفعل بمبدأ الظن الحسن في الاحتياج لفعل ذلك لستر نفسها بتلك الملابس، وليس بقصد السرقة المتعمد، وأعتقد أن الحالة الخاصة بالأب تندرج تحت هذا السياق نظرًا للظروف والأعباء الاقتصادية المتزايدة على كاهل المواطنين، وأنَّ قطاع كبير من المواطنين باتوا يعانون من تزايد الأسعار المتلاحق الذي جعل دخولهم تتلاشى تقريبًا..
وربما جعل ذلك الآباء في موقف العجز أمام متطلبات والالتزامات اليومية والمعيشية، وإذا قمنا بالحكم في تلك القضية على مبدأ الحلال والحرام ننظر في هذا الأب ونبحث في حالته الاجتماعية؛ هل هو مضطر لفعل تلك السرقة نظرًا لأنه محدود الدخل وظروفه المعيشية صعبة؟ هنا يجب أن يتم تطبيق روح القانون وأنّه أقدم على هذا بغريزة الأب، أما لو كانت حالته الاقتصادية في مستوى مناسب وأقدم على هذا الفعل فعندها يتم تطبيق القانون عليه كأي جريمة سرقة عادية..
هذا ليس دفاعًا عن جريمة السرقة أو عدم تطبيق القانون وإنما إعمال الرحمة والنظر إلى خلفية مَن أقدم على تلك الأفعال كما كان يفعل في عهد الخلافة الأموية والعباسية، وحتى دولة المماليك في مصر، فكان القضاء يحكم بروح القانون بجانب الأدلة والثبوت..