زوجة البطاوي تكتب
الحبس الاحتياطي.. قانون دمر حياتي
تعدّ الأيام وتحسب الليالي، ولا تنسى تدوين عدد الأشهر التي مرّت، وبات رب البيت فيهم بعيدًا عن البيت والأسرة، تتذكر حجم المسؤولية المضاعفة التي حملتها فوق طاقتها، وقلبها الذي أصبح هشًّا ضعيفًا، تحاول أن تتصنع القوة والصمود أمام من يراها، وتطلق العنان لعبراتها ليلا بعيدًا عن الجميع..
ففي زنزانة صغيرة لا يتجاوز طولها المترين وعرضها ثلاثة أمتار يسكن شقها المحبوس احتياطيًا بصحبة 9 أشخاص آخرين وقد يزيد عددهم عن ذلك، اختلفت أسباب قدومهم إلى الزنزانة وتنوعت قضاياهم، ولكن تشابهوا جميعًا في النتائج حيث توقفت حياتهم فلا فرق عندهم بين الليل والنهار..
لا تبصر أعينهم إلا جدران غلبها السواد، وباب مصفح كئيب لا يفتح إلا نادرًا، ونافذة صغيرة بالأعلى لا يصل إليها أحد، ولا تمنحهم إلا البرودة في ليالي الشتاء القاسية، والحرارة المرتفعة في أيام الصيف..
تتشابه الأيام وتطول الليالي وتمرّ الساعات ببطء شديد، يحسبون عدد الأيام التي يقضونها بعيدًا عن أهليهم، تملأ قلوبهم الأحلام قبيل كل جلسة تجديد للحبس، لكن سرعان ما تنهار آمالهم بعد القرار الذي يصدره القاضي باستمرار الحبس مرة أخرى.
أيام الخروج من أجل العرض على النيابة أو دوائر الجنايات تمثل نزهة حقيقية لهم، فهم يرون الشوارع من عربة الترحيلات، ويشمون هواءً نقيًا بعيدًا عن "كمكمة" الزنزانة المغلقة دائمًا، ويسمعون أصوات الناس من حولهم مع أبواق السيارات لتحدث وقعًا مميزًا لديهم يختلف بالطبع عن أصوات الطرق المزعج على باب الزنزانة حين تتطور حالة مريض أو حين يحتاج أحدهم لتدخل طبي عاجل.
المحبوس الاحتياطي لا يشعر إلا بالألم والحسرة على أهله الذين يتكبدون مشاق الطريق والسفر من محافظة إلى أخرى من أجل زيارته، فهو يعلم جيدًا مقدار جهدهم المبذول من أجل رؤيته والاطمئنان عليه، ولكن يقف عاجزًا أمامهم فليس بإمكانه مساعدتهم بأي شيء إلا من خلال رسم ابتسامات مُزَيّفة على شفتيه ليشعر الجميع أنه بخير، ولكن الحقيقة عكس ذلك.
ورغم مطالب بعض نواب البرلمان بتوقيع الإقامة الجبرية بدلاً من الحبس الاحتياطي أو بمنع المحبوسين من السفر حتى تثبت البراءة، ولكن لم يتطرق أحد إلى التفكير فيما بعد الحبس الاحتياطي، ماذا إذا ثبتت براءة المحبوس بعد ذلك؟ ومتى ستنتهي المعاناة؟
نسبة الحبس الاحتياطي في سجون مصر ليست هينة، فوفق تصريح لرئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري، قال فيه: " اكتشفنا أن 30% من جملة المساجين في مصر محبوسين احتياطيًا"، فإذا افترضنا أن تعداد المعتقلين في السجون بلغ 40 ألف معتقل فإن ما يزيد على 13 ألف معتقل رهن الحبس الاحتياطي.
الحبس الاحتياطي تشريع يراه البعض قانونًا عاديًا ضمن منظومة التشريع في مصر، ولكنّه قانون قيد الحرية، ودمّر أسرًا بأكملها منها أسرتي أنا...
الحرية لصحفي أخبار اليوم «محمد البطاوي»