رويترز: التراجع السريع للجنيه يخنق الشركات في مصر
تحت عنوان " التراجع السريع للجنيه يخنق الشركات في مصر".. أفردت وكالة "رويترز" للأنباء تقريرًا مطولاً سلطت فيه الضوء على معاناة مناخ الأعمال في مصر جراء التراجع السريع في سعر العملة المحلية أمام الدولار، ما يتركها عاجزة عن مزاولة أنشطتها التجارية المتعلقة بالاستيراد، إلى حد دفع بعضها إلى التوقف الجزئي أو حتى الكامل عن الإنتاج.
وإلى نص التقرير:
اقترب مناخ الأعمال في مصر من الحضيض في وقت تكافح فيه الشركات لمواكبة الانخفاض السريع في سعر الجنيه في السوق السوداء، وقد أوقفت المصانع إنتاجها وتناقص مخزون السلع في المتاجر، وتسيطر حالة من الهلع على المواطن.
وتوقف باسم حسين الذي تعمل شركته في مجال استيراد وتجهيز وتعبئة القهوة والتوابل، عن الشراء منذ أسبوعين مع تسارع وتيرة انخفاض سعر العملة المحلية. ولا تزال سلع الشركة مطروحة للبيع في المتاجر، ولكن لا يوجد مزيد من المخزون يمكن أن تطرحه الشركة في السوق لاحقًا.
وقال حسين: "لا أحد يعلم ماذا يحدث. وقد توقفنا عن الشراء والبيع منذ أسبوعين. ولا نمارس غير نشاط التجزئة،" مضيفا: "الأمر ليس منطقيًا، ولا يقتصر علينا، ولكنه يشمل كل التجار."
ويسجل الجنيه المصري هبوطًا في السوق السوداء منذ ثورة الـ 25 من يناير 2011، ما تسبب بدوره في هروب جماعي للسائحين والمستثمرين الأجانب- المصدرين الحيويين للعملة الصعبة في اقتصاد يعتمد على الواردات في كل شيء بدءًا من الغذاء وحتى السيارات الفارهة.
لكن تؤكد الشركات أنّ الهبوط الدراماتيكي في سعر الجنيه في الأسابيع القليلة الماضية قد أصابها بالشلل التام، وجعلها غير قادرة على التخطيط.
واشترى التجار الدولار في السوق السوداء بسعر يتراوح ما بين 17.5-17.85 مقابل الجنيه أمس الاثنين، وباعوه للمستوردين بسعر يتراوح ما بين18-18.2 مقابل الجنيه، ما يمثل انخفاضًا بواقع 2 جنيه في أسبوع واحد، وبمعدل 5 جنيهات في شهر.
ويصل سعر الجنيه في السوق السوداء إلى ضعف قيمته الآن في البنوك، حيث يستقر سعره الرسمي عند 8.8 جنيه مقابل الدولار.
وانخفض الاحتياطي الأجنبي لمصر من 36 مليار دولار قبل العام 2011 إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر الماضي، برغم حصول القاهرة على مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات من الحلفاء الخليجيين- السعودية والإمارات والكويت.
الضوابط الرأسمالية التي تم تطبيقها في بداية العام 2015 بهدف وضع سلع في قائمة الأولويات، قد أجبرت المستوردين على اللجوء للسوق السوداء التي تراجع فيها السعر بوتيرة سريعة.
وتشتكي الشركات منذ قرابة عامين من أزمة العملة الصعبة وما نتج عنها من غلق للعديد منها.
لكن الأزمة دخلت منعطفا جديدا الأسبوع الماضي مع إطلاق اثنتين من كبرى الشركات المصنعة في مصر صافرة الإنذار. الأولى هي شركة الشرقية للدخان، أكبر مصنع للسجائر في مصر، والتي حذرت مؤخرا من انخفاض مخزونها من المواد الخام إلى النصف، ما قد يضطرها إلى وقف إنتاجها ومبيعاتها حال استمرت أزمة الدولار.
جهينة، مصنعة المشروبات، هي الشركة الثانية التي صرحت مؤخرا أنها سترجئ مشروعات جديدة وستسعى للحصول على مواد خام من السوق المحلي.
وفي إطار مساعيها الرامية إلى خفض عجز الموازنة التي تلقي باللائمة فيها على التقلبات في سوق العملة، أقدمت الحكومة على رفع الرسوم الجمركية على السلع الكمالية وتشديد القواعد على الواردات.
وقال طارق قابيل وزير التجارة والصناعة إن الإنتاج المحلي زاد بنسبة 20% هذا العام، لتحل محل الواردات.
لكن يقول المصنعون إنهم يعتمدون على المكونات والأجزاء المستوردة التي يقومون بشرائها بالدولار الذي يحصلون عليه بأسعار السوق السوداء.
وقال إبراهيم هاشم الذي يدير مصنعا لإنتاج قطع الأثاث في الإسكندرية ويشتري الأخشاب المستوردة بالدولار:" اعتدنا أن نشعر بأزمة نقص العملة كل أسبوع، ولكن أصبحنا نتذوق مرارتها يوميا. ولا يتعلق الأمر فقط بالأخشاب ولكن كافة المواد الخام."
وزاد هاشم:" هناك حد... ربما تصل أزمة العملة الأجنبية إلى حد يجعلني أضع حساباتي لأجد أن أحدا لا يشتري أثاثا بالسعر الذي أفكر في فرضه... سيصل الأمر لمرحلة لن يقوم فيها أحد بتصنيع أو شراء أو بيع أي شيء."
ومع وصول عجز الموازنة إلى 12% في العام المالي 2015-2106 وفي الوقت الذي تواجه فيه سوق العملة تقلبات شديدة، توصلت مصر لاتفاقية مبدئية مع صندوق النقد الدولي في أغسطس الماضي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وفي إطار تلك الإصلاحات، يُتوقع أن تطبق القاهرة آلية سعر صرف أكثر مرونة. وذكر طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري أنه سيدرس تعويم الجنيه بمجرد وصول احتياطي البلاد النقدي إلى 25 مليار دولار، لكن يبدو هذا الهدف عزيزا بالنسبة لبعض الخبراء الاقتصاديين الذين يؤكدون أن مصر تواجه أزمة دولار طاحنة.
كانت مذكرة بحثية حديثة قد توقعت أن يبدأ البنك المركزي المصري تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، بخفض قيمة الجنيه لمستوى يتراوح بين 11 إلى 12 جنيهاً بما يعادل نحو 35% مرة واحدة، وذلك خلال شهر نوفمبر الجاري.
وأشارت المذكرة التي أصدرها بنك "فاروس" إلى أن رصد سعر الجنيه في التعاملات الآجلة غير القابلة للتداول تظهر القيمة السوقية الحقيقية للجنيه بطريقة تفوق السعر في السوق الموازي.
وأوضحت المذكرة أن متوسط سعر الجنيه في التعاملات الآجلة تسليم 3 أشهر وصل إلى 11 جنيها في سبتمبر الماضي، قبل أن يرتفع إلى مستوى 12.05 جنيه في 24 أكتوبر الجاري.
ويرى بنك الاستثمار "فاروس" أن البنك المركزي المصري سوف يخفض سعر الجنيه بشكل حاد لكنه أقل من توقعات السوق، بالإضافة إلى قيامه بضخ مزيد من السيولة الدولارية.
كانت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي قد أكدت مؤخرًا أن مصر باتت " قريبة جدا" من تأمين التمويلات اللازمة للحصول على قرض الصندوق البالغ قيمته 12 مليار دولار، مضيفة أنها تأمل في أن يوافق صندوق النقد على طلب القاهرة للحصول على القرض في غضون أسابيع قليلة.
وأضافت لاجارد:” فيما يتعلق بسعر الصرف، فإن ثمة أزمة حقيقية لأنه إذا ما نظرت إلى السعر الرسمي، وإلى سعر السوق السوداء، سترى فرقا بنسبة 100%، ويجب التعامل مع هذا الأمر.”
تجيء تصريحات لاجارد في الوقت الذي يكافح فيه المسؤولون في مصر لتجاوز أزمة العملة الصعبة والتي تؤثر سلبا على نشاط الشركات، وتزيد مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم في البلد الأكثر تعدادا للسكان في العالم العربي.
ارتفاع أسعار السلع يهدد بزيادة السخط العام من الحكومة التي فرضت بالفعل ضريبة القيمة المضافة، جنبا إلى جنب مع رفع أسعار الكهرباء.
كانت كريستين لاجارد قد ذكرت هذا الشهر أن مصر تحتاج إلى التعامل مع السياسات المتعلقة بسعر الصرف والدعم، ما أثار تكهنات بأن صانعي القرار في البلد الواقع شمالي إفريقيا سيقدمون على خفض سعر العملة المحلية ورفع أسعار الطاقة قبل الحصول على دعم صندوق النقد الدولي.