هآرتس: مذبحة حلب.. هكذا تواطأ الغرب

كتب:

فى: صحافة أجنبية

13:16 14 ديسمبر 2016

ذهب "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" إلى أن المذابح التي تشهدها مدينة حلب الآن على يد قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له، لن تكون الأخيرة ضمن حملة "تصفية الحسابات" التي يشنها النظام السوري ضد معارضيه، متوقعا حدوث مزيد من المذابح في مناطق أخرى تسيطر عليها تنظيمات المعارضة السورية المسلحة.

 

وأوضح في مقال بعنوان "حلب فقط مقدمة لاستمرار حملة التطهير التي يشنها الأسد في سوريا"، أن تخلي الغرب عن حلب، لم يكن وليد اللحظة، وإنما جاء ضمن حسابات دولية معقدة، وتلاقي مصالح بين الغرب والأسد وروسيا وإيران في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، حتى وإن كان الثمن هو بقاء الأسد في الحكم، وذبح معارضيه.

 

إلى نص المقال..

يواجه عشرات آلاف السكان في حلب الشرقية خطرا حقيقيا على حياتهم. ليس فقط بسبب نقص الغذاء والدواء والدمار الذي لحق بكل مستشفيات المدينة، بل بسبب عملية "تصفية الحسابات" الفتاكة التي بدأت خلال اليومين الماضيين، إذ ينفذ جنود الأسد والمليشيات التابعة له مذابح ممنهجة بحق كل من يشتبه فقط في تعاونه مع المتمردين. انضم جنود سوريون وعناصر المليشيات لعصابات السلب التي لا ترحم أحدا، يقتحمون المنازل، يسرقون كل ما يقع تحت أيديهم ويبيعونه لكل من يريد.

 

دشن موقع للمعارضة محرك بحث خاص، يمكن من خلاله لكل مواطن من حلب معرفة إذا ما كان هو أو أحد أبنائه مطلوبين من قبل السلطات، سواء بهدف اعتقاله، أو تجنيده في الجيش. فالجيش السوري لا ينوي التوقف، هناك الكثير من المناطق في البلاد تتمركز فيها مليشيات المتمردين، التي يسعى لتطهيرها بعد النصر الإستراتيجي الهام في حلب.

 

حلب فقط مقدمة لاستمرار حملة احتلال الأسد، وليس هناك خلاف على أن روسيا، التي قالت عناصر استخبارية في البداية إنها لم تنجح في إحداث التحول الذي تمناه الأسد، قد نجحت ليس فقط في إعادة تأهيل وضع الجيش السوري، بل أيضا في إبعاد إيران وأصبحت القوة التي تسيطر بشكل حصري على الساحة السورية.

 

لكن القول إن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة فشلوا في إنقاذ سكان حلب أو الحيلولة دون احتلال المدينة، يجب دراسته على خلفية الأحداث التي سبقت احتلالها، لاسيما بين أعوام 2013- 2015.

 

عمليا، في 2012 بدا أن اليد الطولى في حلب للمتمردين. نجح المتمردون خاصة الجيش السوري الحر في الاستيلاء على الجزء الشرقي من المدينة، بينما أوضحت قوات الأسد لقادتها أنهم لا يستطيعون حسم المعركة وأن كل ما يمكنهم القيام به هو الحفاظ على مواقعهم في أجزاء مختلفة بالمدينة.

 

كانت إدلب القريبة من حلب هي بؤرة الاهتمام آنذاك، بعدما تعرض الجيش السوري للهزيمة فيها أيضا. كانت التقديرات وقتها أنه ليس هناك ما يقلق في حلب، حتى قرر الجيش السوري في 2014 فرض حصار عليها. وقتها أيضا قوبلت الجهود الدبلوماسية لمبعوث الأمم المتحدة ستيفيان دي مستورا بإنجاز هدنة بخلافات مزدوجة. رأت بعض الدول الأوروبية أن هول الحصار مبالغ فيه، بينما رفض الجيش السوري الحر فكرة الهدنة، التي من شأنها وفقا لممثليه إيقاف هجماته الناجحة، خاصة بجنوب سوريا.

 

لكن هذا الخلاف كان ثانويا مقارنة بتأثير حدث عالمي رئيسي، أوقف تدخل القوى الكبرى فيما يحدث بسوريا بوجه عام وحلب خاصة. بين 2013 إلى 2015 بدأت المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران.

 

بعد وصول روحاني للحكم في إيران صيف 2013، اتضح أن هناك فرصة تلوح في الأفق لبدء مفاوضات مع النظام الجديد، بمباركة مرشد إيران الأعلى، على خامنئي. ورغم أن إيران والدول الكبرى الست، أعلنوا على رؤوس الأشهاد أنه لا علاقة بين الحرب في سوريا والاتفاق النووي، كان واضحا للطرفين أن أي تدخل في سوريا يمكن أن يخرب جهود توقيع الاتفاق.

 

اتخذ الرئيس أوباما وقادة دول أوروبا وقتها قرارا إستراتيجيا بالامتناع عن التدخل العسكري في سوريا وعن مساعدة المتمردين جويا للإطاحة بالأسد، وكان في الخلفية أيضا التهديد بأن التدخل العسكري الأمريكي قد يدفع روسيا وربما أيضا إيران للتدخل في الساحة. لم يستند التهديد فقط على تقديرات سياسية، بل أيضا على تصريحات القادة في إيران والسياسة المعلنة لبوتين، الذي حذر من مثل هذا التدخل.

 

في ظروف كهذه، وعندما تتعلق عيون العالم بمائدة المفاوضات مع إيران، لم تكن من إمكانية لإقناع دول بالتورط عسكريا، رغم أن عدد القتلى في سوريا بتلك الفترة كان يقترب من 200 ألف شخص.

 

بشكل متناقض،أزالت المفاوضات مع إيران والاتفاق النووي الذي وقع في 14 يوليو 2015 التهديد النووي الإيراني، لكنه في المقابل حرر الضغوط الدولية من الأسد لما يزيد عن عامين. بعد شهرين من توقيع الاتفاق، بدأت روسيا تدخلها الجوي في سوريا ووضعت العالم أمام الأمر الواقع.

 

هل كان بإمكان الدول الغربية التدخل بعد توقيع الاتفاق النووي؟ نظريا، زال التهديد على توقيع الاتفاق النووي، لكن على الأرض كانت روسيا قد بدأت وعززت حضورها. في البداية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لكن في وقت لاحق تراجعت الولايات المتحدة عن جهود إسقاط الأسد وركزت في الحرب على داعش. فبينما تموضعت قوات المتمردين في حلب ومدن أخرى، سيطر داعش على شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق.
 

مع احتلال الأجزاء الشمالية الغربية من العراق أصبح داعش مركز اهتمام، لكنه لم يكن أصبح بعد هدفا رئيسيا لهجمات الغرب، التي بدأت فقط في سبتمبر 2014 وتزايدت في 2015 بعد الاعتداءات التي وقعت في أوروبا.

 

حدث تلاقي مصالح في الحرب على داعش بين الغرب وإيران، التي أطلقت مليشياتها في العراق وسوريا لقتال التنظيم. في معادلة المصالح هذه، التي أصبحت فيها إيران بمثابة شريك للغرب في الحرب على داعش، وفي وقت صنف فيه الغرب التنظيم كتهديد إرهابي هو الأخطر، تطورت تدريجيا تقديرات بأن الأسد يمكن أن يكون شريكا فاعلا في تلك الحرب إذا ما تمكن من ترسيخ حكمه. وبالفعل، في 2016 أفيد أن مليشيات المتمردين وبينها الجيش السوري الحر قد تلقوا تعليمات بتجنب العمل ضد نظام الأسد، بل التركيز على داعش.

 

كانت إحدى نتائج تلك السياسة تعاون بين الجيش السوري الحر وبين القوات التركية التي اجتاحت سوريا، بدعوى الحرب على داعش.

 

يمكن القول إنه كان على المجتمع الدولي للعمل على جبهتين، ضد داعش وفي ذات الوقت مساعدة المتمردين وإنقاذ سكان حلب. لكن لا يجب تجاهل أن عملية كهذه كان من شأنها أن تؤدي لمواجهة جبهوية بين الولايات المتحدة وروسيا وتخريب الحرب على داعش.

 

بناء على ذلك فإن النتيجة المأساوية التي تبدو الآن في حلب هي نتاج سياسة بدت عقلانية، ولنظام أولويات دولي يصعب الطعن في صحته. الدعوى الجوهرية التي يمكن أن توجه للمجتمع الدولي هي المماطلة في وقف المذبحة خلال أول عامين من الحرب السورية.

 

الصدمة من المذابح في حلب حقيقية، لكنها ليست أكثر من مصمصة الشفايف. أين كانت الصدمة عندما قتل نحو 300 ألف سوري؟ من الأهمية أن نذكر أن عدد القتلى في حلب في اليومين الماضيين يقترب من عدد القتلى بشكل يومي تقريبا في العراق على مدى 3 سنوات، وقتها أيضا كان الاهتمام الدولي محدودا.

 

الخبر من المصدر..


 


 

 

اعلان