بعد تسارع وتيرته بمصر
إيكونوميست: الإرهاب يفاقم مشكلات مصر .. لهذه الأسباب
الخطورة تكمن في أن الحكومة ستتعامل مع الضغوط الملقاة على عاتقها بطرق خاطئة- على سبيل المثال، عبر زيادة قمع المعارضة وإرجاء أو حتى إلغاء الإصلاحات الاقتصادية.
جاء هذا في سياق تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية على موقعها الإليكتروني تحت عنوان "الإرهاب في مصر يفاقم مشكلات الحكومة" حيث سلطت فيه الضوء على الإجراءات القاسية التي يمكن أن ترد بها الحكومة على العنف الذي زادت وتيرته في الفترة الأخيرة، ولاسيما عقب واقعة تفجير الكنيسة المرقصية، متوقعا أن تأتي تلك الإجراءات الانتقامية بنتائج عكسية في المستقبل.
وإلى نص التقرير:
يتصدر الأمن والنظام دائما أولويات حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فمنذ عزلت المؤسسة العسكرية الذي كان يترأسها آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بعد خروج مظاهرات حاشدة رافضة لحكمه في الـ 3 من يوليو 2013، حاول السيسي جاهدا إعادة الاستقرار إلى البلد العربي عبر استحداث قوانين صارمة والتضييق على المعارضين.
ولولا القوة التي ظهر عليها الرئيس منذ البداية، لالتحقت مصر بركاب جيرانها من الدول الغارقة في الدماء، وفقا لما يردده أنصاره.
لكن الإشكالية في هذا الرأي هي أن مصر تشهد بالفعل اضطرابات متزايدة. ففي الـ 9 من ديسمبر الجاري، وقع انفجار كان يستهدف سيارة تابعة للشرطة في مدينة كفر الشيخ شمالي البلاد، ما أسفر عن مقتل أحد المدنيين وجُرح ثلاثة من رجال الشرطة. وفي اليوم ذاته، انفجرت قنبلة قرب مسجد السلام الكائن بشارع الهرم بمنطقة الجيزة، وُقتل في الحادث 6 من أفراد الشرطة وإصابة ثلاثة آخرين.
لكن الهجوم الأكبر وقع بعد ذلك بيومين وتحديدا في الـ 11 من ديسمبر الجاري واستهدف مقر الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية بالقاهرة خلال قُداس الأحد، ما أوقع 25 قتيلا و49 مصابا، معظمهم من النساء والأطفال.
ودائما ما يُلقى باللائمة على أعمال العنف في مصر على الإسلاميين المتشددين. وأعلنت حركة تُدعى "حسم" مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع قُرب الأهرامات، بجانب هجمات أخرى قالت إنها بدافع الانتقام من القمع الحكومي لأعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين.
أما هجوم الكاتدرائية فتبناه تنظيم الدولة الإسلامية المعروف اصطلاحيا بـ "داعش". لكن وزارة الداخلية المصرية قالت إن قادة الإخوان بالخارج هم من دبروا للحادث، عبر إرسالهم مهاجم انتحاري لتلقي التدريب مع الجهاديين الذين على صلة بـ "داعش" في شمال سيناء المضطربة.
ولا يتضح كم التنسيق الموجود بين المسلحين في سيناء الذي ينحدر معظمهم من البدو المحليين، وبين الجماعات والحركات المسلحة، مثل "حسم" التي تركز نشاطها في العاصمة المصرية. ومنذ سنوات يسعى الجيش المصري لقهر المسلحين في سيناء، لكن لم تجد تلك المحاولات نفعا حتى الآن على الأقل مع المسلحين الذين نفذوا مئات الهجمات في المنطقة منذ العام 2012.
وفي الشهر الماضي، قتل المسلحون 8 جنود في انفجار قنبلة، بعدما تبنوا أيضا حادث اغتيال لواء في الجيش في أكتوبر الماضي. ولعل المسلحين الأكثر نشاطا في سيناء هم من يتبعون تنظيم "ولاية سيناء"- فرع "داعش" في مصر.
وبعد هجوم الكاتدرائية، تعهد تنظيم الدولة الإسلامية بمواصلة "الحرب على المرتدين"، على حد وصف مسلحي التنظيم. ويشكل الأقباط في مصر قرابة 10% من سكان البلد الواقع شمالي إفريقيا، وتعد الأقلية المسيحية في مصر من الأهداف التي لا تخفى على أحد بالنسبة للمسلحين.
ولعامين متتالين، يظهر السيسي خلال احتفالات الأقباط بأعياد الكريسماس التي تُقام في يناير من كل عام. وتتبنى الكنيسة المصرية موقفا مؤيدا لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بل إن بعض الشخصيات المسيحية تشعر وكأن البابا تواضروس يفضل الانحياز إلى السيسي، عن تسليط الضوء على المشكلات التي يعاني منها الأقباط في مصر والسعي لحلها.
ويواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالفعل أوقاتا عصيبة الآن، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية. فمصر تكافح من أجل جذب المستثمرين والسياح الأجانب الذين هربوا في أعقاب ثورة الـ 25 من يناير 2011، كما أن تراجع قيمة الجنيه المصري وارتفاع التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 8 سنوات، قد زادا من السخط العام جراء معاناة المواطنين.
لكن وفي أعقاب سنوات من التأجيل، بدأت الحكومة أخيرا تنفذ تدابير إصلاحية قاسية، لتنجح بها في تأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. لكن تلك الإصلاحات، من بينها تعويم العملة وخفض الدعم، ستفاقم على الأرجح معاناة المصريين على المدى القصير.
والخطورة تكمن في أن الحكومة ستتعامل مع الضغوط الملقاة على عاتقها بطرق خاطئة- على سبيل المثال، عبر قمع المعارضة وإرجاء أو حتى إلغاء الإصلاحات الاقتصادية.
البرلمان الذي يدعم السيسي، قد طالب من جهته بالفعل بإدخال تغييرات على قانون العقوبات، ما من شأنه أن يصادر الحريات المدنية. واستخدمت وزارة الخارجية العنف كذريعة لمهاجمة المنظمات الأهلية. وتبدو الحكومة عازمة على استحداث مزيد من المشكلات في المستقبل.