هآرتس: لماذا «يلعق» ترامب بوتين؟
يتوق الجميع لمعرفة سر إعجاب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ترامب كجمهوري وقومي، كان يجب أن يعارض روسيا. هذه التقاليد في أمريكا، والآن تحديدا، عندما تحفر روسيا علانية تحت المصلحة الأمريكية في مختلف الساحات، وتتزايد الخصومة الاقتصادية بينهما. إذن ما الذي يجري؟.
سؤال طرحته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في مقال لمحلل الشئون الدولية "نيستان هوروفيتس"، بعنوان "لماذا يلعق ترامب بوتين؟"، قال فيه إن القصة الرومانسية هذه تشغل وزارات الخارجية وأجهزة الاستخبارات في العالم بأسره، بما في ذلك إسرائيل.
الأمر مقلق بحق، تدخل بوتين في الانتخابات لصالح ترامب- والهجمات الالكترونية، وسرقة معلومات وبث معلومات كاذبة، كل هذا أحدث أزمة حادة بين إدارة أوباما والكرملين، وهو ما تجلى في طرد أوباما الأسبوع الما ضي عدد كبير من الدبلوماسيين الروس من بلاده، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات.
عادت العلاقات بين القوتين العظميين إلى حقبة الحرب الباردة. ترى الإدارة الحالية في روسيا عدوا لدودا. لكن ومع حزم رموز إدارة أوباما حقائبهم استعدادا للرحيل، يتجهز طاقم آخر عينه ترامب، ميزتهم الوحيدة بالنسبة له، علاقاتهم الطيبة بروسيا، كوزير الخارجية ريكس تيلرسون. صحيح أن الكثيرين في الحزب الجمهوري يبدون اشمئزازهم من التذلل لروسيا، لكن هناك آخرون أيضا يكيفون أنفسهم مع الرياح التي تهب من أعلى وبقوة تجاه موسكو.
من الواضح سبب اعتبار بوتين فوز ترامب انتصارا له ومخاوفه من هيلاري كلينتون، التي تعهدت بأن تضع في وجهه خطوطا حمراء وأن تشدد ضده العقوبات. لكن لماذا "يلعق" ترامب بوتين؟ عدد النظريات بعدد المحللين، إذ يرجع البعض ذلك إلى علاقات ومصالح خفية بين القيادة الروسية وترامب ومحيطه، هناك قصص عن أموال متدفقة، وهناك أيضا من يتحدثون عن "زرع" على نمط أفلام التجسس مثل "المرشح المنشوري".
يعتقد/ يأمل آخرون، أن القصة بأكملها ليست سوى نوع من الأخطاء: تورط ترامب بذلة لسان مؤيدة تجاه بوتين في بداية حملته الانتخابية، وبدلا من استدراك الخطأ، أدرك أن الأمر يثير ردود فعل عاصفة، فأخذ يتمادى أكثر وجعل من بوتين أحد رموز حملته- عنصر جديدا لاستفزاز الإدارة الليبرالية.
لكن كل هذه النظريات ليست سوى محاولة لتجاهل الحقيقة المرة الظاهرة للعيان. عندما ندرس العالم الفكري لليمين الأمريكي الجديد والرجال المحيطين بترامب، كمستشاره الكبير ستيف بانون، أو الجنرال مايكل فلين، الذي عين مؤخرا في المنصب المهم مستشارا للأمن القومي، تكون النتجية واضحة.
يحتقر هؤلاء الأشخاص الديمقراطية الليبرالية ويطمحون في محاكاة نموذج الحكم الروسي الذي يقوده بوتين، إذ يعتبرونه زعيما قويا، نجح في سحق المعارضة، والإعلام والثقافة، من خلال استخدام القومية "القيم التقليدية" والدين. بذلك يحصن قوته السياسية في الداخل ويوسع نفوذه في العالم- كل هذا بالقليل من الوسائل. فروسيا بالفعل دولة فقيرة.
الإعجاب ببوتين أداة لدفع أهدافهم المريضة، وهم ليسوا الوحيدين. في العالم كله، وبالطبع في إسرائيل، هناك حركات وزعماء يسعون للبوتينية. البلطجة، الضرب بإصلاح الأخطاء السياسية عرض الحائط، والاحتقار العلني للمؤسسات الدولية، والحنين لعظمة ماضي متخيل، والإعجاب بالقوة، وإهانة الإعلام، والنفور من الأقليات- لم يخترع ترامب شيئا جديدا. كان بوتين أمامه. سره السحري المظلم، والانكسار الرهيب للنموذج الديمقراطي.
وفي نهاية مقاله ذكَر الكاتب الإسرائيلي"نيستان هوروفيتس"،المعجبين بالبوتينية، بالثمن الاقتصادي والاجتماعي الذي يدفعه المواطنون الروس، نظير شهوة القوة التي تسيطر على رئيسهم، والشعور بالخوف الذي يخيم على كل من يغرد على تويتر ضد النظام، وكذلك جثث القتلى في المدن السورية، مختتما بالقول "مَن عموده الفقري الديمقراطي محني مثل بوتين، فإنه يرى حقوق الإنسان إشارة إلى الضعف والضمور، لكنه هو الذي يبقى بانحناءة ظهره في النهاية".