عمان تولي وجهها صوب السعودية

كتب: إكرام يوسف

فى: صحافة أجنبية

22:27 24 يناير 2017

فوجئ كثيرون بالأنباء الأخيرة حول انضمام سلطنة عمان إلى التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الجماعات الإرهابية، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

 

وكانت العلاقات بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية متوترة بسبب استمرار علاقات السلطنة بإيران، ورفضها مؤخرا الانضمام الى عدة ترتيبات رئيسية بشأن أمن الخليج، في ظل تزايد حدة الاستقطاب في المنطقة.

 

وهكذا اعتبر قرار مسقط للانضمام إلى التحالف العسكري الإسلامي التابع للرياض من أجل مكافحة الإرهاب، علامة على استعداد عمان للتحيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا تجاه جارتها الغربية، وأن المملكة السعودية صار لها اليد الطولى في المنطقة.

 

غير أن دينا إصفندياري، الباحثة بقسم دراسات الحروب في كينجز كوليدج ـ لندن وآريان الطباطبائي الأستاذة المساعدة في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون؛ يريان الخطوة في الواقع، لا تمثل تحولا في السياسة العمانية.

 

واعتبراها ـ في مقال نشرته مجلة فورين أفيرزـ استمرارا لاستراتيجية دأبت عليها السلطنة منذ عقود للموازنة بين المملكة العربية السعودية وإيران.

 

ففي ديسمبر 2015 تصدرت السعودية إنشاء تحالف من 40 دولة إسلامية، يستثني الدولتين ذاتا الأغلبية الشيعية في المنطقة، إيران والعراق، نظرا لما تعتبره الرياض تدخلا لإيران في الشئون العربية.

 

وعند الإعلان لأول مرة عن التحالف، رفضت عمان الانضمام بهدف الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة تقليديا، وعدم تغيير الوضع القائم مع إيران.

 

وجاء تغير موقف مسقط مؤخرا من التحالف في الوقت الذي يتزايد فيه خيبة الأمل مع طهران، فقد كانت عمان تتوقع أن تشهد مكاسب اقتصادية أكبر بعد الاتفاق النووي 2015.

 

لكن الاستثمارات كانت بطيئة، مع منح إيران الأولوية للمشروعات مع شركاء أهم، مثل الاتحاد الأوروبي، وشعرت السلطنة ان طهران تتلكأ في تنفيذ عدد من المشروعات المشتركة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز بين البلدين.

 

ففي عام 2013، وقعت الدولتان مذكرة تفاهم، تبدأ عمان بموجبها استيراد 28 مليون متر مكعب من الغاز من إيران في عام 2015، ولكن تم تعديل مسار خط الأنابيب في عام 2016، وتأخر موعد التشغيل 2017.

غير أن علاقة عمان مع طهران قديمة ومستمرة، ففي السبعينيات من القرن الماضي ساعدتها إيران في القضاء على تمرد كبير، وهي اليوم شريك سياسي واقتصادي مهم لها.

 

وحقق التبادل التجاري بين الدولتين بين عامي 2012 و 2013، نموا يقدر بنحو 70٪ ليصل إلى 873 مليون دولار، وبحلول نهاية عام 2015، تجاوز المليار دولار.

 

ورحبت عمان أيضا بالاستثمار المباشر الإيراني في مجمع مستشفى ومصنع تكنولوجيا النانو، وكلاهما كان من المفترض أن يساعد على تنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن البترول.

 

وعندما قطعت المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليج العلاقات الدبلوماسية أو خفضت مستواها مع ايران بعد الهجوم الذي وقع على السفارة السعودية في طهران في يناير 2016، اكتفت عمان بتوجيه اللوم إلى إيران.

 

وبدلا من ذلك، ذهب وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله إلى طهران، في فبراير، لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية، وفي مارس 2016، أعلنت إيران خودرو، لصناعة السيارات، إنشاء مشروع مشترك لإنتاج 200 مليون سيارة في سلطنة عمان.

 

والواقع آن سلطنة تفضل دائما معالجة الخلافات من خلال المشاركة، بدلا من سياسة حافة الهاوية، أو الإثارة ـ مثلما تتسم العلاقات السعودية الايرانية اليوم، ولا شك آن هناك خلافات بين مسقط وطهران، ومنها ما يتعلق بدور القوى الخارجية في المنطقة.

 

ففي حين تعارض طهران التدخل الغربي، تعتمد مسقط، مثل حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي، على المساعدات الأمنية للقوى الأجنبية. ولكن على الرغم من الشائعات حول انسحاب عمان من دول مجلس التعاون الخليجي، لا ترغب السلطنة أن تغضب حلفاءها.

 

حيث تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي السوق الرئيسي للبضائع العمانية، وبحلول عام 2010، كانت حصة دول مجلس التعاون الخليجي من جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عمان نحو 25 في المائة، وتصل هذه النسبة، مع استبعاد البترول والغاز، إلى 50 في المائة.

 

وتعتبر عمان بلدا صغيرا نسبيا وهامشيا داخل الكتلة الخليجية، موارده محدودة بالمقارنة بجيرانه، ومن ثم، يراهن على علاقات ودية مع جيرانه المباشرين، ولهذا السبب أجرى السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد مباحثات حول الأمن الإقليمي بعد الاستقلال في عام 1976 مع كل دول الخليج، بما في ذلك إيران والعراق.

 

وكثيرا ما كانت عمان بفضل السياسة الخارجية المحايدة والمستقلة، تلعب دور الوسيط، وإبان الحرب بين إيران والعراق، كانت عمان الدولة العربية الخليجية الوحيدة المحافظة على علاقاتها مع إيران، وهو ما ساعدها في التوسط لوقف إطلاق النار.

 

وفي عامي 2010 و 2011، تفاوضت عمان لتسهيل الافراج عن السائحين الأمريكيين الثلاثة المحتجزين في إيران، وفي 2012، استضافت سرا أول محادثات ثنائية رفيعة المستوى بين إيران والولايات المتحدة، التي أدت في نهاية المطاف إلى اتفاق 2015 النووي.

 

وحافظت، طوال الوقت، على علاقات جيدة مع جميع الأطراف في الصراع السوري واستضافت محادثات بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي اليمنية المدعومة من السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

 

ولكن جهود مسقط كوسيط هادئ لم تلق دائما ارتياحا لدى حلفائها في الخليج العربي، فكانت العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي عارض تعزيز المؤسسات القائمة للمجلس، ولم ينضم إلى قوات التحالف التي تقودها السعودية في اليمن، وتحالف محاربة الجماعات الإرهابية، و أثار رفضها انتقادات وراء الأبواب المغلقة؛من الرياض، على وجه الخصوص.

 

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن انضمام عمان إلى تحالف محاربة الجماعات الإرهابية، سيلقى ارتياحا لدى المملكة العربية السعودية على حساب إيران.

 

صحيح أن بطء طهران في اتخاذ القرارات الاستثمارية بعد الاتفاق النووي أحبط مسقط في البداية، لكن الوضع تحسن، جزئيا بسبب بطء وتيرة تخفيف العقوبات إلى جانب قطع العلاقات بين إيران ودول الخليج الأخرى.

 

ومن أوائل عام 2016،عاودت إيران منح الأولوية لمسقط مرة أخرى، وعادت تركيز جهودها على استكمال تفاصيل مشروعي خط الأنابيب ومصنع السيارات، واليوم، تنظر إيران إلى عمان وأرمينيا باعتبارهما أكبر شركائها في المنطقة.

ومن الناحية السياسية، لا تزال عمان براجماتية، ففي نوفمبر 2014، اعترف علاوي أن طهران لديها دور مشروع تلعبه في المنطقة، مضيفا أنه ليس في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي "الاتحاد ضد دولة مثل إيران."

 

وأدرك المسئولون العمانيون أن الصراع الطائفي في الخليج ليس في صالح السلطنة، كما انهم لا يعتقدون أن عزل إيران خيارا قابلا للتطبيق، فبالنسبة لمسقط،لا تعتبر طهران مجرد جزء من المنطقة، وإنما قوة لا يستهان بها، بما تتمتع به من مساحة كبيرة من الأرض وحجم السكان، وكذلك الموارد الهائلة.

 

وربما لم يعد لدى جيشها قدرات ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنها لا تزال قادرة على تأكيد نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في مضيق هرمز، الذي تتشارك فيه عمان مع إيران، ومن ثم، تواصل مسقط للدعوة إلى الحوار بين طهران والرياض من أجل تخفيف التوترات.

وفي الوقت نفسه ليس في استطاعة عمان أن تهمل علاقاتها مع حلفائها الخليجيين، فهي تدفع بالفعل ثمن رفضها الانصياع إلى الرياض، حيث ينظر إليها على أنها من خارج دول مجلس التعاون الخليجي، بل تعتبر "عميلا إيرانيا".

 

ويجب أن تكون السلطنة حريصة على عدم إثارة المشكلات، ولا شك آن الإعلان عن مساهمة سلطنة عمان في التحالف ضد الجماعات الإرهابية، ليس مفاجئا بعد شهرين فقط من اتهامها علنا بالسماح لإيران بتهريب الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين، مما أدى إلى انتقادات ضارية من حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي.

 

فعلى مدى عقود، حرص السلطان قابوس على اعتماد الحياد والتوسط، وتحقيق التوازن، حجر الزاوية في السياسة الخارجية لبلاده، فاستطاع أن يتمتع بالدعم الإيراني العسكري والدعم الأمني الذي تقدمه السعودية، فضلا عن العلاقات الاقتصادية مع كليهما.

 

ولا يعتبر الانضمام إلى تحالف محاربة الإرهاب تغييرا في الموقف، ولو كان كذلك، فمع التوتر القائم في المنطقة، قد يدفع مثل هذا الاعلان بإيران أو المملكة السعودية إلى تكثيف المنافسة لتعويض آثاره، وهذا لم يحدث حتى الآن، دليلا على نجاح سياسة سلطنة عمان المتوازنة.

اعلان